الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما صرَّح به الأصحاب، وكذلك (1) لو قبض حصته ثم استهلكها قبل المحاصَّة لم يضمن (2) لشريكه شيئًا، وكان المقبوض من ضمانه خاصة، وذلك أنه لما أذن لشريكه في قبض ما يخصه فقد أسقط حقه من المحاصة، فيختص الشريك بالمقبوض، وأما إذا استهلك الشريك ما قبضه فإنه لا يضمن لشريكه حصته منه قبل المحاصة؛ لأنه لم يدخل في ملكه، ولم يتعين له بمجرد قبض الشريك له، ولهذا لو وفَّى شريكه نظيره لم يقل انتقل إلى القابض الأول ما كان ملكًا (3) للشريك، فدل على أنه إنما يصير ملكًا له بالمحاصّة لا بمجرد قبض الشريك.
ومن الأصحاب من فرق بين كون الدَّين بعقد وبين كونه بإتلاف أو إرث، ووجه الفرق أنه إذا كان بعقد فكأنه عقد مع الشريكين، فلكل منهما أن يطالب بما يخصه، بخلاف دَيْن الإرث والإتلاف، واللَّه أعلم (4).
[بيع المغيَّبات في الأرض]
المثال الثامن (5) والستون: اختلف الفقهاء في جواز بيع المغيبات في الأرض من البصل والثوم والجزر (6) واللفت والفجل والقلقاس ونحوها على قولين (7):
أحدهما: المنع من بيعه كذلك لأنه مجهول غير مشاهد، والوَرَق لا يدل على باطنه، بخلاف ظاهر الصُّبرة. وعند أصحاب هذا القول لا يباع حتى يُقلع.
والقول الثاني: يجوز بيعه كذلك على ما جَرَت به عادة أصحاب الحقول. وهذا قول أهل المدينة (8)، وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد (9)، اختاره
(1) في (ك): "وكذا".
(2)
في المطبوع: "يضعن".
(3)
في (ن) و (ق): "مالكًا"، وفي هامش (ق):"لعله ملكًا".
(4)
انظر: "الطرق الحكمية" للمصنف (ص 20).
(5)
في (ك) و (ق): "السادس".
(6)
في (ن): "الجوز" بدل "الجزر"! وأشار في هامش (ق) إلى أنه في نسخة كذلك.
(7)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 209 و 4/ 23، 51)، و"إغاثة اللهفان"(1/ 164، 167، 176، 177، 178)، كلاهما للمصنف.
(8)
نص على ذلك الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" فانظره (4/ 222/ - مع "المنتقى")، وانظر:"المنتقى" نفسه (4/ 222 - 223)، و"بداية المجتهد"(2/ 179)، و"القوانين الفقهية"(ص 225)، و"المعونة"(2/ 1009)، و"التفريع"(2/ 143)، و"الكافي"(333)، و"الإشراف"(2/ 474 مسألة 793) وتعليقي عليه.
(9)
كما في "المبدع"(4/ 166).
شيخنا (1)، وهو الصواب المقطوع به فإن في المنع من بيع ذلك حتى يقلع أعظم الضرر والحرج والمشقة مع ما فيه من الفساد الذي لا تأتي به شريعة، فإنه إن قلعه كله في وقت واحد تعرَّض للتلف والفساد.
وإن قيل: "كما أردت بيع شيء منه فاقلعه" كان فيه من الحرج والعُسْر ما هو معلوم. وإن قيل: "اتركه في الأرض [حتى] (2) يفسد ولا تبعه فيها" فهذا لا تأتي به شريعة، وبالجملة فالمفتون بهذا القول لو بُلوا بذلك في حقولهم (3) أو ما هو وقف عليهم ونحو ذلك لم يمكنهم إلا بيعه في الأرض ولا بد، أو إتلافه وعدم الانتفاع به، وقول القائل:"إن هذا غرر ومجهول" فهذا ليس حظّ الفقيه ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عَدُّوه قمارًا أو غررًا فهم أعلم بذلك، وإنما حظُ الفقيه: يحل كذا لأن اللَّه أباحه ويحرم كذا لأن اللَّه حرمه وقال اللَّه تعالى وقال رسوله وقال الصحابة، وأما أن يرى هذا (4) خطرًا وقمارًا أو غررًا فليس من شانه بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبًا أم لا، وكون هذا البيع (5) مربحًا أم لا، وكون هذه السلعة نافقة في وقف كذا وبلد كذا (6)، ونحو ذلك من الأوصاف الحسية والأمور العرفية، فالفقهاء بالنسبة إليهم فيها مثلهم بالنسبة إلى ما في (7) الأحكام الشرعية.
فإن بليت بمن يقول: هكذا في الكتاب، وهكذا قالوا؛ فالحيلة في الجواز أن تستأجر منه الأرض المشغولة بذلك مدة يعلم فراغه منها، ويقر له إقرارًا مشهودًا [له](8) به أن ما في باطن الأرض [له](9) لا حق للمؤجِّر فيه، ولكن عكس هذه الحيلة (10) لو أصابته آفة لم يتمكن من وضع الجائحة عنه، بخلاف ما إذا اشتراه بعد بدوّ صلاحه فإنه كالثمرة على رؤوس الشجر إن (11) أصابته آفة وضعت عنه الجائحة، وهذا هو الصواب في المسألتين: جواز بيعه، ووضع الجوائح فيه، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(29/ 36 - 37، 85، 484، 485، 489). "الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية"(2/ 987، 993).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في نسخة: "في حقوقهم"(د).
(4)
في (ك) و (ق): "وأما أن هذا يرى" وفى هامش (ق): "لعله. وأما أن يرى هذا خطرًا".
(5)
في (ق): "المبيع".
(6)
في (ن) و (ق): "في وقت كذا وبكذا وكذا".
(7)
في (ن): "إلى مثلها في"، وفي (ق):"إليهم في".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(10)
في هامش (ق): "لعله: علة".
(11)
في (ق): "فإن".