الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكعب بن الأشرف وأبا رافع وغيرهم (1)؛ فكل هذه حيل محمودة محبوبة للَّه ومرضية له.
[اشتقاق الحيلة وبيان معناها]
والحِيلَة: مشتقة من التحوَّل، وهي النوع والحالة كالجِلْسَة والقِعْدَة والرِّكبَة فإنها بالكسر للحالة، وبالفتح للمرة، كما قيل: الفَعْلَة للمرة (2)، والفِعْلَة للحالة، والمَفْعَل للموضع، والمِفْعَل للآلة، وهي من ذوات الواو، فإنها من التحول من حَالَ يَحُولُ، وإنما انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وهو قلب مَقِيس مُطّرد في كلامهم، نجو مِيزان وميقات وميعاد؛ فإنها مِفْعَال من الوَزْن والوَقْت والوَعْد (3)، فالحيلة هي نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحوَّلُ به فاعلُه من حال إلى حال، ثمْ غلب عليها بالعُرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصَّل بها الرجلُ إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة؛ فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة، وسواء كان المقصود أمرًا جائزًا أو محرمًا، وأخَصُّ من هذا استعمالُها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعًا أو عقلًا أو عادة فهذا (4) هو الغالب عليها في عُرْف الناس؛ فإنهم يقولون: فلان من أرباب الحيل، ولا تُعَاملوه فإنه مُتَحَيِّل (5)، وفلان يُعَلّمَ الناسَ الحيلَ، وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة والحيوان وغيرهما.
[انقسام الحيلة إلى الأحكام الخمسة وأمثلتها]
وإذا قسمت باعتبارها لغة انقسمت إلى الأحكام الخمسة؛ فإن مباشرة الأسباب الواجبة حيلة على حصول مسبباتها؛ فالأكل والشرب واللبس والسفر
(1) أما قصة مقتل ابن أبي الحقيق، وهو أبو رافع -حيث ذكره المؤلف مرتين- فقد رواها البخاري في (الجهاد)(3022 و 3023) باب قتل النائم المشرك، وفي (المغازي):(4038 و 4039 و 4040) في (المغازي): باب قتل أبي رافع عبد اللَّه بن أبي الحقيق، ويقال: سلامة بن أبي الحقيق، من حديث البراء بن عازب.
وأما قصة مقتل كعب بن الأشرف، فقد تقدمت.
(2)
تحرفت في (ن) إلى: "للمرأة"!
(3)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص 1278 - 1280) مادة حول.
(4)
في (ق) و (ك): "وهذا".
(5)
في (ق) و (ك): "يتحيل".
الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومُبَاحها كلها حيلة على حصول المعقود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها، وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مَوْرد التقسيم إلى مباح ومحظور؛ فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب، وترك المحرَّم (1)، وتخليص الحق، ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم، وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهودُ فتستحلوا محارمَ اللَّه بأدنى الحيل"(2) غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء علي النوع المذموم، وكما يذم الناسُ أربابَ الحيل فهم يذمُّون أيضًا العاجزَ الذي لا حِيلَةَ عنده لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكرٌ مخادع، والثاني عاجزٌ مفرِّط، والممدوح غيرهما، وهو مَنْ له خبرة بطرق الخير والشر خَفِيِّها وظاهرها فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبُّها اللَّه ورسوله بأنواع الحيل، ويعرف طرقَ الشر الظاهرة والخفيِّة التي يتوصل بها إلى خِدَاعه والمكر به فيحترز منها ولا (3) يفعلها ولا يدل عليها، وهذه كانت حال سادات الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا أبَرِّ الناس قلوبًا، وأعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقَى للَّه من أن يرتكبوا منها شيئًا أو يُدْخلوه في الدين، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بخَبٍّ ولا يخدعني الخب (4)، وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكان هو يسأله عن الشر (5)، والقلبُ السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه، بل الذي يعرفه ولا يريده، بل يريد الخير والبر، والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمَّى الحرب خُدْعَة (6)، ولا ريبَ في انقسام الخِداع إلى ما يحبه اللَّه
(1) في (ن): "وترك المحظور".
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (ق) و (ك)؛ "أوْلا".
(4)
أسنده المزي في "تهذيب الكمال"(3/ 417 - 418) عن إياس بن معاوية قوله، وكذا في "عيون الأخبار"(1/ 225).
(5)
رواه البخاري (3606) في (المناقب): باب علامات النبوة في الإسلام و (7084) في (الفتن): باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، ومسلم (1847) (51) في (الإمارة): باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، من حديث حذيفة بن اليمان.
(6)
رواه البخاري (3030) في (الجهاد): باب الحرب خدعة، ومسلم (1739) في (الجهاد): باب جواز الخداع في الحرب من حديث جابر.