الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتعين الإفتاء به، ولا يحمل الناس على ما يقطع أنهم لم يريدوه بأيمانهم، فكيف إذا علم قطعًا أنهم أرادوا خلافه؟ واللَّه أعلم.
[التعليل كالشرط]
والتعليل يجري مجرى الشرط، فإذا قال:"أنت طالق لأجل خروجك من الدار" فبان أنَّها لم تخرج لم تطلق قطعًا صرح به صاحب "الإرشاد" فقال: وإن قال: "أنت طالق أن دخلت الدار" بنصب الألف والحالف من أهل اللسان، ولم يتقدم لها دخول قبل اليمين بحال، لم تطلق، ولم يذكر فيه خلافًا وقد قال (1) الأصحاب وغيرهم: إنه إذا قال: "أنت طالق"، وقال أردت الشرط دين؛ فكذلك إذا قال:"لأجل كلامك زيدًا أو خروجك (2) من داري بغير إذني" فإنه يُديَّن، ثم إن تبين أنها لم تفعل لم يقع الطلاق، ومن أفتى بغير هذا فقد وهم على المذهب، واللَّه أعلم.
فصل [الخلع]
المخرج الحادي عشر: خلع اليمين عند من يجوِّزه كأصحاب الشافعي وغيرهم، وهذا وإن كان غير جائز على قول أهل المدينة وقول الإمام أحمد وأصحابه كلهم فإذا دعت الحاجة إليه أو إلى التحليل كان أولى من التحليل من وجوه [عديدة] (3):
أحدها: أن اللَّه تعالى (4) شرع الخُلع رفعًا لمفسدة المشاقة [الواقعة](3) بين الزوجين، وتخلّص كل منهما من صاحبه؛ فإذا شرع الخلع رفعًا لهذه المفسدة التي هي بالنسبة إلى مفسدة التحليل كتفلة في بحر فتسويغه لدفع (5) مفسدة التحليل أولى.
يوضحه:
الوجه الثاني: أن الحيل المحرَّمة إنما منع منها لما تضمنه من الفساد الذي (6) اشتملت عليه تلك المحرَّمات التي يتحيل عليها بهذه الحيل، وأما حيلة تدفع (7)
(1) في (ق): "وقال" والكلام السابق في "الإرشاد"(ص 299).
(2)
في (ق): "وخروجك".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في (ق) و (ك): "سبحانه".
(5)
في (ق): "لرفع".
(6)
في (ق): "التي".
(7)
في المطبوع و (ك): "ترفع".
مفسدة هي من أعظم المفاسد فإن الشارع لا يحرمها.
[يوضحه](1):
الوجه الثالث: أن هذه الحيلة تتضمن مصلحة بقاء (2) النِّكاح المطلوب للشارع بقاؤه، ودفع مفسدة التحليل التي بالغ الشارع كل المبالغة في دفعه [والمنع منه](3)، ولعن أصحابه، فحيلة تحصِّل المصلحة المطلوب إيجادها وتدفع المفسدة المطلوب إعدامها لا يكون ممنوعًا منها.
الوجه الرابع: أن ما حرَّمه الشارع فإنما حرمه لما يتضمنه من المفسدة الخالصة أو الراجحة، فإذا كانت مصلحة خالصة أو راجحة لم يحرمه البتة، وهذا الخلع مصلحته أرجح من مفسدته.
الوجه الخامس: أن غاية ما في هذا الخلع (4) اتفاق الزوجين ورضاهما بفسخ النكاح بغير شقاق واقع بينهما وإذا وقع الخلع من غير شقاق صح، وكان غايته الكراهية؛ لما فيه من مفسدة المفارقة، وهذا الخلع أريد به لم شعث النكاح بحصول عقد بعده يتمكن (5) الزوجان فيه من المعاشرة بالمعروف، وبدونه لا يتمكنان من ذلك، [بل إما ليتمكن الزوجان فيه من المعاشرة بالمعروف وبدونه لا يتمكنان من ذلك](6) بل إما خراب البيت وفراق الأهل، وإما التعرض للعنة من لا يقوم للعنته شيء، وإما التزام ما حلف عليه وإن كان فيه فساد دنياه وأُخراه كما إذا حلف ليقتلنَّ ولده اليوم، أو ليشربنَّ [هذا](7) الخمر، أو ليطأنَّ هذا الفرج الحرام، أو حلف أنه لا يأكل ولا يشرب ولا يستظل بسقف ولا يعطي فلانًا حقه، ونحو ذلك، فإذا دار الأمر بين مفسدة التزام المحلوف عليه أو مفسدة الطلاق وخراب البيت وشتات الشمل أو مفسدة التزام لعنة اللَّه بارتكاب التحليل وبين ارتكاب الخلع المخلِّص من ذلك [جميعه](7) لم يخف على العاقل أي ذلك أولى.
الوجه السادس: أنهما لو اتفقا على أن يطلقها من غير شقاق بينهما بل ليأخذ غيرها لم يمنع من ذلك فإذا اتفقا على الخلع ليكون سببًا إلى دوام اتصالهما (8) كان أولى وأحرى.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
في (ق): "هذه الحيل متضمنة بقاء".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
في (ق): "أن غاية ما فيه".
(5)
في (ق): "ليتمكن".
(6)
ما بين المعقوفتين من (ك) فقط.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(8)
في (ق): "سببًا لدوام اتصالهما".
[و](1) يوضحه:
[الوجه](1) السابع: أن الخلع إن قيل: "إنه طلاق" فقد اتفقا على الطلاق بعوض لمصلحة لهما في ذلك، فما الذي يحرمه؟ وإن قيل:"إنه فسخ" فلا ريب أن النكاح من العقود اللازمة، والعقد اللازم إذا اتفق المتعاقدان على فسخه ورفعه لم يمنعا من ذلك، إلا أن يكون العقد حقًا للَّه، والنكاح محض حقهما فلا يمنعان من الاتقاق على فسخه.
الوجه الثامن: أن الآية اقتضت جواز الخلع إذا خاف الزوجان ألا يقيما حدود اللَّه، فكان الخلع طريقًا إلى تمكُّنهما من إقامة حدود اللَّه، وهي حقوقه الواجبة عليهما في النكاح، فإذا كان الخلع مع استقامة الحال طريقًا إلى [تمكنهما من](2) إقامة حدوده التي تعطل [ولا بد بدون](3) الخلع [تعين الخلع حينئذ](4) طريقًا إلى إقامتها.
فإن قيل: لا يتعين الخلع طريقًا بل هاهنا طريقان [آخران](4):
أحدهما: مفارقتهما.
والثاني: عدم إلزام الطلاق بالحنث إذا أخرجه مخرج اليمين إما بكفارة أو بدونها (5)؛ كما هي ثلاثة أقوال للسلف معروفة صرَّح بها أبو محمد بن حزم (6) وغيره.
قيل: نعم هذان طريقان، [و](4) لكن إذا أحكم سدَّهما غاية الإحكام، ولم (7) يمكنه سلوك أحدهما وأيهما سلك ترتب عليه غاية الضرر (8) في دينه ودنياه لم يحرم عليه -والحالة هذه- سلوك طريق الخلع، وتعيَّن في حقه [طريقان] (4):
* إما طريق الخلع.
* وإما سلوك طريق أرباب اللعنة.
وهذه المواضع وأمثالها لا تحتملها إلا العقول الواسعة التي لها إشراف على أسرار الشريعة [ومقاصدها](9) وحكمها وأما عَقْل لا يتسع لغير [تقليد](2) من اتفق
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "فلأن يكون بغير".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "إما بالكفارة، وإما بدونها".
(6)
في "المحلى"(10/ 213).
(7)
في (ق): "فلم".
(8)
في (ق): "ترتب عليه ضرر".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).