الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خداعهم إنما هو لأنفسهم، وأن في قلوبهم مرضًا، وأنه سبحانه خادعُهم، وكل هذا عقوبة لهم، ومدار الخداع على أصلين:
أحدهما: إظهار فعل لغير مقصوده الذي جُعِلَ له.
الثاني: إظهار قول لغير مقصوده الذي وضع له، وهذا منطبق على الحيل المحرمة، وقد عاقب اللَّه سبحانه المتحيّلين على إسقاط نصيب المساكين وقت الجداد بجد (1) جنَّتهم (2) عليهم وإهلاك ثمارهم، فكيف بالمتحيّل على إسقاط فرائض اللَّه وحقوق خلقه؟ ولَ
عَن أصحاب السَّبْت
ومَسَخهم قردة وخنازير على احتيالهم على فعل ما حرمه عليهم.
[عن أصحاب السبت]
قال الحسن البصري في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: 65] قال: رَمَوُا الحيتان في السبت، ثم أرجؤوها في الماء، فاستخرجوها بعد ذلك، فطبخوها فأكلوها (3) واللهِ أوْخَمَ أكلَةٍ، أكلَةً أسْرَعُهُ (4) في الدنيا عقوبة وأسرعه عذابًا في الآخرة، واللَّه ما كانت لحوم الحيتان تلك أعظم (5) عند اللَّه من دماء قوم مسلمين، [إلا] أنه عَجَّلَ لهؤلاء وأخَّر لهؤلاء (6).
وقوله: "رموها في السبت" يعني احتالوا على وقوعها في الماء يوم السبت كما بيَّن غيرُه أنهم حَفَرُوا لها حياضًا ثم فتحوها عشية الجمعة، [أو أنه أراد أنهم رموا الحبايل يوم السبت، ثم أخروها في الماء إلى يوم الأحد، فاستخرجوها بالحيتان يوم الأحد](7) ولم يرد أنهم باشَرُوا رميها يوم السبت؛ إذ لو اجترءوا على ذلك
(1) في (د)، و (ط) و (ك):"بحد" بحاء.
(2)
في (ق): "جهنم" وفوقها "كذا".
(3)
في (و): "فأكلوها [فأكلوا] وقال: "عن ابن تيمية الذي ينقل عنه المؤلف (ص 711 ج 3 فتاوى).
قلت: في "بيان الدليل"(ص 74 - تحقيق فيحان المطيري): "فأكلوها"، وقال المعلق عليها: في (م) فأكلوا، وفي (ق) فأكلوها فأكلوا".
(4)
كذا في (ك) و (ق) في هذا الموطن والذي يليه وهي مجودة في الأخيرة، وفي سائر الأصول:"أسرعت".
(5)
في (ك) و (ق): "تلك الحيتان باعظم".
(6)
انظر: "جامع البيان"(2/ 171) للطبري، "التفسير الكبير"(3/ 117، 15/ 39، 42)، "الجامع لأحكام القرآن"(7/ 306)(1/ 439)، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(7)
ما بين المعقوفتين من "بيان الدليل"(ص 74)، والمصنف رحمه الله ينقل نقلًا حرفيًا عن ابن تيمية، ويتصرف أحيانًا.
لاستخرجوها، قال شيخنا (1) رضي الله عنه: وهؤلاء لم يكفروا بالتوراة وبموسى (2)، وإنما فعلوا ذلك تأويلًا واحتيالًا ظاهرُهُ ظاهرُ الاتقاء وحقيقتُه حقيقةُ الاعتداء، ولهذا -واللَّه أعلم- مُسِخوا قِردةً لأن صورة القرد فيها شبه من صورة الإنسان، وفي بعض ما يذكر من أوصافه شبه منه، وهو مخالف له في الحد والحقيقة، فلما مَسَخَ أولئك المعتدون دينَ اللَّه بحيث لم يتمسكوا إلا بما (3) يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته مَسَخهم اللَّه قردة تشبه الإنسان في بعض ظاهره دون الحقيقة، جزاءً وفاقًا.
يقوي ذلك أن بني إسرائيل أكلوا الربا و [أكلوا](4) أموالَ الناس بالباطل [كما قصَّهُ اللَّه في كتابه](5)، وهو أعظم من أكل الصيد [المحرَّم](4) في يوم بعينه، [ألا ترى أن ذلك حرام في شريعتنا -أيضًا- والصيد في السبت ليس حرامًا علينا؟ ثم إن أَكَلة الربا وأموال الناس بالباطل لم يعاقبوا](6) بالمسخ كما عُوقب به من استحلَّ الحرام بالحيلة [وإنما عوقبوا بشيء آخر من جنس عقوبات غيرهم، فيشبه -واللَّه أعلم- أن يكون هؤلاء](7) لما كانوا أعظم جرمًا [كانت عقوبتهم أعظم](8)، فإنهم بمنزلة المنافقين [يفعلون ما يفعلون](9) و [هم](10) لا يعترفون
(1) في "بيان الدليل"(ص 76)، ونقل منه بشيء من التصرف في بعض الألفاظ، غضضت الطرف عنها لكثرتها، وأثبتُّ كل ما سقط، واللَّه المستعان.
(2)
الذي في "بيان الدليل": "ومعلوم أنهم لم يستحلوا تكذيبًا لموسى عليه السلام، وكفرًا بالتوراة، وإنما هو استحلال تأويل واحتيال. . . إلخ"، وكذا علّق (و)، وعزاه إلى "الفتاوى الصغرى"(3/ 81)، وفي (ك):"وموسى" بدل "وبموسى".
(3)
في (ق): "ببعض ما".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام"، عدا (و) فأثبته، وقال:"ما بين القوسين عن المصدر السابق؛ فهو ينقل عنه بلفظه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام"، عدا (و) فأثبته، وعلّق عليه التعليق السابق، وابن القيم رحمه الله لشير إلى قوله تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160، 161].
(6)
بدل ما بين المعقوفتين من نسخ "الإعلام" جميعها: "ولم يعاقب أولئك"، وعلق عليها (و) قائلًا:"يعني أكلة الربا وأكلة أموال الناس بالباطل" اهـ.
(7)
بدل ما بين المعقوفتين في جميع نسخ الإعلام: "لأن هؤلاء".
(8)
ما بين المعقوفتين سقطت من نسخة "بيان الدليل" المحققة!!
(9)
ما بين المعقوفات سقطت من نسخة "بيان الدليل" المحققة!!
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام".
بالذنب بل [قد](1) فسدت عقيدتهم وأعمالهم، [كما قال أيوب السختياني:"لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون عليّ"، كانت عقوبتهم أغلظ من عقوبة غيرهم، فإن] (2) مَنْ أكل الربا [وأموال الناس (بالباطل)](3) والصيد المحرم عالمًا [بأنه حرام فقد اقترن](4) بمعصيته اعترافُه بالتحريم (5) وخشيته للَّه واستغفاره وتوبته يومًا ما، واعترافه بأنه مذنب عاصٍ، وانكسار قلبه من ذل المعصية، وازدراؤه (6) على نفسه، ورجاؤه لمغفرة ربه له، وعد نفسه من (7) المذنبين الخاطئين، وهذا كله إيمان يُفْضِي بصاحبه إلى خير، بخلاف الماكر المخادع المحتال على قلب دين اللَّه، ولهذا حَذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ارتكاب الحيل فقال:"لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللَّه بأدنى الحيل"(8) وقد أخبر اللَّه تعالى أنه جعل هذه القرية أو هذه الفعلة التي فعلها بأهلها: {نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 66](9).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في جميع نسخ "الإعلام": "بخلاف".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخة "بيان الدليل" المحققة وما بين القوسين سقط من (ك) و (ق).
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في جميع نسخ "الإعلام" و (ن): "بتحريمه فإنه يقترن".
(5)
إلى هنا كان نقل ابن القيم بتصرف يسير كما رأيت، وبعد ذلك نقل بالمعنى عن شيخه، فانظر:"بيان الدليل"(ص 77 - 78).
(6)
في (ن) و (ق): "إزراؤه".
(7)
في (ن) و (ك) و (ق): "مع".
(8)
رواه ابن بطة في جزء "إبطال الحيل"(ص 46 - 47): حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: حدثنا يزيد بن هارون: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره"(1/ 111 - دار المعرفة): هذا إسناد جيّد، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي، وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح، وذكر مثله (2/ 268) وزاد: ويصحح الترمذي بهذا الإسناد كثيرًا.
قلت: أحمد بن محمد هذا في المطبوع ابن سلم وسواء ابن سلم أو ابن مسلم فلم أعثر على ترجمته، لا في "تاريخ الإسلام" للذهبي، ولا في غيره.
والحديث قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في إبطال الحيل، (3/ 23 - 24 - من مجموع الفتاوى):"وهذا إسناد جيّد، يصحح مثله الترمذي وغيره تارة، ويحسنه تارة"، وحسنه أيضًا (3/ 287)، وجوّده المصنف في "إغاثة اللهفان"(1/ 384).
وانظر: "غاية المرام"(رقم 11)، و"إرواء الغليل"(5/ 375/ رقم 1535).
(9)
قال (و): "انظر ص 118 وما بعدها المصدر السابق، وقد تصرف ابن القيم في بعض ما نقل" اهـ.