الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاتباع في ذلك غير مؤثر، وأيضًا فجميع السابقين قد مات منهم أُناسٌ في حياة رسول اللَّه (1) صلى الله عليه وسلم، وحينئذ فلا يحتاج في ذلك الوقت إلى اتباعهم للاستغناء [عنه](2) بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم لو فرضنا أحدًا تبعهم (3) إذ ذاك لكان من السابقين، فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين.
وأيضًا؛ فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذِّر، فكيف يتبعون كلهم في شيء لا يكاد يُعلم؛ وأيضًا فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم بكونهم هم السابقين، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم، فوجب أن يكون كل منهم إمامًا للمتقين كما استوجب الرضوان والجنَّة (4).
فصل [الرد على من زعم أن الآية لا توجب اتباعهم]
وأما قوله: "ليس فيها ما يوجب اتباعهم" فنقول: الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان، وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام؛
(1) في (ق): "وأيضًا فالسابقون قد مات منهم ناس في حياة النبي".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
في المطبوع: "يتبعهم".
(4)
وهذا استنباط قوي يبطل اعتراضات متأخري أتباع المذاهب، والذين يحصرون الحجية في عدد محدود من الصحابة كالخلفاء الأربعة، بالإضافة إلى عدد محدود منهم، ممن طالت ملازمته، واشتهر بالفتيا، وتسمع منهم بعد ذلك دندنة حول:(أعرابي بوّال على عقبيه، أو جفاة الأعراب ممن لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم إلا ساعة من نهار) وأخشى أن يقع هؤلاء في إيذاء أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الكلام، إذ لا يليق بمن آمن برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعاش في عصر النبوة وتلقى كثيرًا أو قليلًا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم تتلمذ على أيدي فقهاء الصحابة الذين ملؤوا الآفاق، وشاركهم في الاستغناء عن كثير من تفاصيل علوم الآلة التي احتاج إليها بعد عهده في عصر النبوة، كالإسناد، والنحو واللغة والبلاغة وأصول الفقه وأقوال المفسرين، وكانت عربيته وفصاحته طبعًا وسليقة، حتى كان طلاب الفصاحة من الحضر يرحلون إلى البادية ليكتسبوا من أهلها متانة اللغة وقوة الشخصية لا يليق أن يقال فيه:(بوّال على عقبيه)، وكأنه لم يعرف أدب السنة، ولا خلق النبوة في التخلي والتنزه من البول، وكأنه من الأعراب الجفاة الذين مردوا علي الغلظة والشدة، أو من العاطلين عن الدماثة والرفق، واللَّه تعالى يقول:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الآية فأين حفظ حق الصحبة في هذا القول؟ (س).
فلا يكون [اتباعهم](1) قولًا بغير علم، بل قولًا بعلم (2)، و [هذا](1) هو المقصود، وحينئذ فسواء يُسمَّى (3) تقليدًا أو اجتهادًا (4)، وأيضًا؛ فإن كان تقليد العالم للعالم (5) حرامًا، كما هو قول الشافعية والحنابلة، فاتباعهم ليس بتقليد لأنه مرضي، وإن كان تقليدهم جائزًا أو كان تقليدهم مستثنى من التقليد المحرَّم، فلم يقل أحد: إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان (6)؛ فعلم أن تقليدهم خارج عن هذا؛ لأن [تقليد](7) العالم -وإن كان جائزًا- فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد (8) جائز أيضًا [بالاتفاق](9)، والشيء المباح لا يستحق به الرضوان، وأيضًا فإن رضوان اللَّه غاية المطالب [التي](7) لا تُنال إلا بأفضل الأعمال، ومعلوم أن التقليد الذي يجوز خلافه ليس بأفضل الأعمال، بل الاجتهاد أفضل [منه](10) فعلم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم، وأن اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان اللَّه (11)؛ فلا ريب أن رُجْحَان أحد القولين يوجب اتباعه (12)، وقولهم أرجح (13) بلا شك، ومسائل الاجتهاد لا يتخير الرجل فيها بين القولين (14)،
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(2)
وما دام اتباع أقوالهم بعلم فهو اتباع واجب؛ لأن اتباع العلم هو الأصل في أدلة الكتاب والسنة، وهي لا تحصى، ومنها هذه الآية، والعلم لازم للمسلم في كل زمان ومكان، فأقوالهم سنة يجب اتباعها في كل عصر، وعلى كل مسلم (س).
(3)
في (ق) و (ك): "سمى".
(4)
بيان الشيخ يدل على أنه لا يسمى تقليدًا، وهذا تنزل جدلي منه (س).
(5)
وهو الحق الذي لا ريب فيه إذا كان العالم يقلد فيما بلغه علمه وحجته (س)، وفي (ك):"للعلماء".
(6)
فلا يكون مندوبًا، ولا واجبًا، وإنما يباح للضرورة، وعلى قدر الضرورة (س).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(8)
في (ق): "اجتهاده".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
وكذلك الاتباع الذي هو دون الاجتهاد، بل أفضل من التقليد السؤال عن الحكم ودليله لمن تمكن من الفهم (س)، وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(11)
فإذا ثبت أن اتباع الصحابة أفضل من اجتهاد العالم لنفسه في خلافهم، وأفضل للمتبع من اتباع مجتهد من غيرهم، دل هذا على أن اجتهادهم أرضى للَّه وأفضل من اجتهاد غيرهم، وأنه في منزلة أرفع منه (س).
(12)
في (ق): "اتباعهم"، وفي الهامش:"لعله: اتباعه".
(13)
هذه هي البصيرة السلفية التي تحرق الشبهات، ولا يحول بينها وبين الحق حائل (س).
(14)
لأن أحد القولين فيها خطأ، والمصيب في حقيقة الأمر واحد (س)، وفي (ق):"لا يتخير فيها الرجل بين القولين".
وأيضًا فإن اللَّه أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان، والتقليد وظيفة العامة (1)، وأما (2) العلماء فإما أن يكون مباحًا لهم أو محرَّمًا؛ إذ الاجتهاد أفضل منه لهم بغير خلاف، وهو (3) واجبٌ عليهم، فلو أُريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة في ذلك النَّصيب الأوفى، وكان حظُّ علماء الأمة [من هذه الآية](4) أبخس الحظوظ، ومعلوم أن هذا فاسد، وأيضًا فالرضوان عمن اتبعهم دليل على أن اتباعهم صواب ليس بخطأ (5)؛ فإنه لو كان خطأ لكان غاية صاحبه أن يُعفى له عنه، فإن المخطئ إلى أن يعفى عنه أقرب منه إلى أن يُرضِى عنه؛ وإذا كان صوابًا وجب اتباعه؛ لأن خلاف الصواب خطأ والخطأ يَحْرم اتباعه إذا عُلم أنه خطأ وقد علم أنه خطأ بكون الصواب خلافه، وأيضًا فإذا كان اتباعهم موجب الرضوان لم يكن ترك اتباعهم موجب الرضوان؛ لأن الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده ولا وجوده عدمه؛ لأنه يبقى عديم الأَثر في ذلك الجزاء، وإذا كان في المسألة قولان أحدهما يوجب الرضوان والآخر لا يوجبه كان الحق ما يوجبه، وهذا هو المطلوب (6)، وأيضًا فإن طلب رضوان اللَّه واجبٌ؛ لأنه (7)[إذا](8) لم يوجد رضوانه فإما سخطهُ أو عفوه، والعفو إنما يكون مع انعقاد سبب الخطيئة، وذلك لا تُباح مباشرته إلا بالنص، وإذا كان رضوانه إنما هو في اتّباعهم، واتباع رضوانه واجب، كان اتباعهم واجبًا، وأيضًا، فإنه إنما أثنى على المتبع بالرضوان، ولم يصرح بالوجوب؛ لأن إيجاب الاتِّباع يدخل فيه الاتباع في الأفعال، ويقتضي تحريم مخالفتهم مطلقًا فيقتضي ذم المخطئ وليس كذلك، أما الأقوال فلا وجه لمخالفتهم فيها بعدما ثبت أن فيها رضا اللَّه تعالى (9)، وأيضًا فإن القول إذا ثبت أن فيه رضا اللَّه لم يكن رضا اللَّه في
(1) أي الجاهل الذي لم يطلب العلم ولم يشتغل به (س).
(2)
في المطبوع و (ك): "فأما".
(3)
في (ك): "أو هو".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
يأتي كلام الشيخ: "إن أقوالهم هي الحق وخلافها باطل"(س).
(6)
في (ك): "كان الحق هو ما يوجبه وهذا المطلوب".
(7)
لأن الفعل أو العمل (س).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي الهامش:"لعله: إذا لم".
(9)
الثناء في الآية مطلق غير مقيد، فإذا ثبت الوجوب كان مطلقًا غير مقيد بالأقوال دون الأفعال، فلا يثبت وجه التفريق بين الأقوال والأفعال، واستثناء المخطئ من الذم في الأقوال يثبت بنفس أدلة الاستثناء في الأفعال، وبنفس الأعذار المانعة من الذم.
ومانع المخالفة في الأقوال لغير مخصص أو عارض معتبر في الأقوال هو عين المانع =