الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [المخرج الثاني عشر وفيه بحث أن يمين الطلاق من الأيمان المكفَّرة]
المخرج الثاني عشر: أخذه بقول من يقول: "الحلف بالطلاق من الأيمان الشرعية التي تدخلها الكفارة"، وهذا أحد الأقوال في المسألة، حكاه أبو محمد بن حزم في كتاب "مراتب الإجماع"(1) له، فقال: واختلفوا فيمن حلف بشيء غير أسماء اللَّه أو بنحر ولده أو هديه أو أجنبي (2) أو بالمصحف أو بالقرآن أو بنذر أخرجه مخرج اليمين أو بأنه (3) مخالف لدين المسلمين (4) أو بطلاق أو بظهار أو تحريم شيء من ماله، ثم ذكر صورًا أخرى، ثم قال: فاختلفوا في جميع هذه الأمور: أفيها كفارة أم لا؟ ثم قال: واختلفوا في اليمين بالطلاق، أهو طلاق فيلزم، أم [هو](5) يمين فلا يلزم؟ [فقد](6) حكى في كونه طلاقًا [فيلزم](7) أو يمينًا [لا يلزم قولين](8) وحكى قبل ذلك هل فيه كفارة أم لا على قولين، واختار هو ألا يلزم، ولا كفارة فيه، وهذا اختيار شيخنا أبي محمد ابن تيمية أخي شَيخ الإسلام [ابن تيمية](9).
[رأي ابن تيمية]
قال شيخ الإسلام (10): والقول بأنه يمين مكفَّرة هو مقتضى المنقول عن الصحابة في الحلف بالعتق، بل بطريق الأَوْلى؛ فإنهم إذا أفتوا من قال:"إنْ لم أفعل كذا فكل مملوك لي حر" بأنه يمين تُكفَّر فالحالف بالطلاق أولى، قال: وقد علَّق القول به أبو ثور، فقال: إن لم تجمع الأمة على لزومه فهو يمين تكفر، وقد تبين أن الأمة لم تجمع على لزومه، وحكاه شيخ الإسلام عن جماعة من العلماء
(1)(ص 184 - ط دار الآفاق الجديدة).
(2)
في (ك): "هدي، أو نحر أجنبي"، وفي (ق):"هديه ونحر أجنبي".
(3)
في (ق): "أو أنه".
(4)
في (ك) و (ق): "الإسلام".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
ما بين المعقوفتين من (ك).
(7)
في (ق) و (ك): "لازمًا".
(8)
قال (د): ما بين المعقوفتين ساقط من أولى المصريتين.
وفي (ق): "لا يلزم طلاقًا قولين".
(9)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).
(10)
انظر: "مجموع الفتاوى"(33/ 50 - 58، 218 - 219).
الذين سمت هممُهم وشرفت نفوسُهم فارتفعت عن حضيض التقليد المحض إلى أوج (1) النظر والاستدلال، ولم يكن مع خصومه ما يردون [به](2) عليه أقوى من الشكاية إلى السلطان، فلم يكن له برد هذه الحجة قبل، وأما [ما](3) سواها فبيَّن فساد جميع حججهم، ونقضها أبلغ نقض، وصنف في المسألة ما بين مطول ومتوسط ومختصر ما يقارب ألفي ورقة، وبلغت الوجوه التي استدل بها عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس وقواعد إمامه خاصة وغيره (4) من [الأئمة](2) زهاء أربعين دليلًا وصار إلى ربه وهو مقيم عليها [داع إليها](2) مباهل لمنازعيه، باذل نفسه [وعرضه](2)، وأوقاته لمستفتيه؛ فكان يفتي في الساعة الواحدة فيها (5) بقلمه ولسانه أكثر من أربعين فتيا؛ فعطلت لفتاواه (6) مصانع التحليل، وهدمت صوامعه وبيعه، وكسدت سوقه، وتقشَّعت (7) سحائب اللعنة عن المحلِّلين، والمحلَّل لهم من المطلقين، وقامت سوق الاستدلال بالكتاب والسنة والآثار السلفية، وانتشرت مذاهب الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الإسلام للطالبين، وخرج من حبس تقليد المذهب المعيّن به من كرمت عليه نفسه من المستبصرين (8)، فقامت قيامة أعدائه وحُسّاده ومن لا يتجاوز ذكر أكثرهم باب داره أو محلته، وهجنوا ما ذهب إليه بحسب المستجيبين لهم غاية التهجين، فمن استخفّوه من الطغام وأشباه الأنعام قالوا: هذا قد رفع الطلاق بين المسلمين، وكثَّر أولاد الزنا في العالمين، ومن صادفوا عنده (9) مسكة عقل ولب قالوا: هذا قد أبطل الطلاق المعلّق بالشرط وقالوا لمن تعلقوا به من الملوك والولاة: هذا قد حل (10) بيعة السلطان من أعناق الحالفين، ونسوا أنهم هم الذين حلوها بخلع اليمين، وأما هو فصرح في كتبه أن أيمان الحالفين لا تغير شرائع الدين، فلا يحل لمسلم حل بيعة السلطان بفتوى أحد من المفتين، ومن أفتى بذلك كان من الكاذبين المفترين على شريعة أحكم الحاكمين.
(1) في (ق): "وجه".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
في (ق): "وغيرها".
(5)
في (ق): "منها".
(6)
في (ق): "لفتياه".
(7)
في (ق): "وتقشفت".
(8)
في (ق) و (ك): "المتبصرين".
(9)
في (ق): "صادفوا منه".
(10)
في (ق): "قد أحل".