الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُتحيلين المخادعين، وكذلك يعلم قطعًا أنه إنما حرَّم الربا لما فيه من الضرر بالمحاويج، وأن مقصوده إزالة هذه المفسدة؛ فإذا أبيح التحيل على ذلك كان سَعْيًا في إبطال مقصود الشارع وتحصيلًا لمقصود المرابي، وهذه سبيل جميع الحيل المتوسَّل بها إلى تحليل الحرام وإسقاط الواجب، وبهذه الطريق تبطل جميعًا (1)، ألا ترى أن المتحيل لإسقاط الاستبراء مُبْطِل لمقصود الشارع من حكمة الاستبراء ومصلحته؛ فالمعينُ له على ذلك مُفوت لمقصود الشارع مُحصِّل (2) لمقصود المتحيل، وكذلك التحيل على إبطال حقوق المسلمين التي ملَّكهم إياها الشَّارع وجعله أحق بها من غيرهم إزالة لضررهم وتحصيلًا لمصالحهم.
[عود إلى الأدلة العقلية على بطلان الحيل]
فلو أباحَ التحيل لإسقاطها لكان عدم إثباتها للمستحقين أولى وأقل ضررًا من أن يثبتها ويوصي بها ويبالِغ في تحصيلها ثم يشرع التحيُّل (3) لإبطالها وإسقاطها، وهل ذلك إلا بمنزلة من بَنى بناءً مشيدًا وبالغ في إحهامه وإتقانه، ثم عاد فَنَقَضَه، وبمنزلة من أمر بإكرام رجل والمبالغة في برِّه والإحسان إليه وأداء حقوقه، ثم أباح لمن أمره أن يتحَيل بأنواع الحيل لإهانته وترك حقوقه، ولهذا يسيء الكُفّار والمنافقون ومَنْ في قلوبهم مرض (4) الظّنَّ بالإسلام والشرع الذي بعث [اللَّه](5) به رسوله حيث ظنوا أن هذه الحيل مما جاء به الرسول وعَلِموا مناقضتها للمصالح مناقضةً ظاهرة ومنافاتها لحكمة الرب وعدله ورحمته وحمايته وصيانته لعباده؛ فإنه نهاهم عما نهاهم عنه حميةً وصيانةً، فكيف يبيح لهم الحيل على ما حماهم عنه؟ وكيف يبيح لهم التحيل على إسقاط ما فَرَضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي أحقَّها عليهم لبعضهم بعضًا لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتم إلا بما شرعه؟ فهذه الشريعة شَرَعَها [اللَّه](6) الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضد ذلك، وهذا أمرٌ ثابتٌ لها لذاتها وبائن من أمر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها، فالمأمور به مصلحةٌ وحَسَنٌ في نفسه، و [اكتسى](5) بأمر الرب تعالى مصلحة وحسنًا آخر، فازداد حُسنًا بالأمر ومحبة الرب وطَلَبِه له إلى حُسنه في نفسه، وكذلك المنهي عنه مَفْسَدة
(1) في (ن) و (ك): "جميعها".
(2)
في (ن): "محلل".
(3)
في (ك): "التحليل".
(4)
في المطبوع و (ك): "المرض".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.
[وقبيح](1) في نفسه، وازداد بنهي الرب تعالى عنه وبغْضه له وكراهيته له قبحًا إلى قبحه، وما كان هكذا لم يجز أن ينقلب حُسْنه قبحًا بتغير الاسم والصورة مع بقاء الماهية والحقيقة، ألا ترى أن الشارع صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله حَرَّم بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها (2) لما فيه من مفسدة التشاحن والتشاجر (3)، ولما يؤدي إليه -إن منع اللَّه الثمرة- من أكل مال أخيه بغير حق ظلمًا وعدوانًا، ومعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بالتحيل على البيع قبل بدوّ الصلاح؛ فإن الحيلة لا تؤثر في زوال هذه المفسدة، ولا في تخفيفها، ولا في زوال ذرَّة منها؛ فمفسدة هذا العقد أمر ثابت له لنفسه، فالحيلة إن لم تَزِدْه فسادًا لم تُزِل فسادًا، وكذلك شرع اللَّه تعالى الاستبراء لإزالة مفسدة اختلاط المياه وفساد الأنساب وسَقي الإنسان بمائه (4) زَرْع غيره، وفي ذلك من المفاسد (5) ما تُوجِبُ العقولُ تحريمه [و](6) لو لم تأت به شريعة، ولهذا فَطَرَ اللَّه الناس (7) على استهجانه واستقباحه، وَيرَوْن من أعظم الهجن أن يقوم هذا عن المرأة ويخلفه الآخر عليها، ولهذا حرم نكاح الزانية وأوجب العِدَدَ والاستبراء، ومن المعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بالحيلة على إسقاط الاستبراءِ، ومن المعلوم قطعًا أن هذه المفسدة لا تزول بالحيلة على إسقاط الاستبراء (8)، ولا تخِفّ، وكذلك شرع الحجَّ إلى بيته لأنه قوام للناس في معاشهم ومعادهم، ولو عُطِّل البيت الحرام عامًا واحدًا عن الحج لما أمهل الناس، ولَعُوجلوا بالعقوبة، وتوعَّد من ملك الزاد والراحلة ولم يحج بالموت على غير الإسلام (9)، ومعلوم أن التحيل لإسقاطه لا يزيل مفسدة الترك،
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في (ك) و (ق): "التشاجر والتشاحن".
(4)
في (ك) و (ق): "مائه".
(5)
في (ق): "الفساد".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(7)
في (ق): "العباد".
(8)
انظر الاستبراء، وحكمة مشروعيته وحرمة الخيل لإسقاطه في "زاد المعاد"(4/ 189).
(9)
ورد هذا في حديث يرويه علي بن أبي طالب مرفوعًا: "من ملك زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت اللَّه ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا".
رواه الترمذي (812) في الحج: باب إيجاب الحج بالزاد والراحلة وابن أبي حاتم في "التفسير"(ق 48/ أ) وابن جرير (4/ 12) والعقيلي (4/ 348) وابن عدي (7/ 2580)، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 209) والسهمي في "تاريخ جرجان"(434) وابن مردويه -وأورد إسناده ابن كثير (2/ 70) - والتيمي في "الترغيب"(رقم 1050) والبيهقي في "الشعب"(رقم 3978) وابن حزم في "المحلى"(7/ 53) من طريق =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هلال بن عبد اللَّه حدثني أبو إسحاق الهمداني عن الحارث عنه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد اللَّه مجهول، والحارث يضعف في الحديث. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه فقد روى عن علي موقوفًا ولم يرو مرفوعًا من طريق أحسن من هذا.
وقال ابن عدي: هلال لم ينسب وهو مولى ربيعة بن عمرو وهو يعرف بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظ ونقل عن البخاري قوله فيه: منكر الحديث.
وأما ابن الجوزي فقد نقل عن الشعبي تكذيب الحارث الأعور.
وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1620) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 209) من طريق عبد الرحمن القطامي حدثنا أبو المهزم عنه مرفوعًا: "من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أي الميتتين إما يهوديًا أو نصرانيًا".
قال ابن الجوزي: فيه أبو المهزم يزيد بن سفيان قال يحيى: ليس حديثه بشيء وقال النسائي: متروك الحديث وفيه عبد الرحمن القطامي قال عمرو بن علي: كان كذابًا، وقال ابن حبان: يجب تنكب رواياته. وله شاهد أيضًا من حديث أبي أمامة، وله عنه طريقان:
الطريق الأول: شريك عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عنه مرفوعًا.
أخرجه الدارمي في مسنده (2/ 28 - 29) والبيهقي (4/ 334)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 210) وسعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلى -كما في "التلخيص الحبير"(2/ 222) و"نصب الراية"(4/ 411) -.
قال الحافظ ابن حجر: وليث ضعيف، وشريك سيء الحفظ، ومما يدل على سوء حفظ شريك أن سفيان الثوري رواه عن ليث فجعله عن عبد الرحمن بن سابط مرسلًا دون ذكر أبي أمامة.
أخرجه أحمد في كتاب "الإيمان" -كما في "نصب الراية"(4/ 412) - نقلًا عن "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي وليس هو في المطبوع منه (2/ 395) - وقد رواه أيضًا مرسلًا ابن علية كما عند أحمد أيضًا، وأبو الأحوص كما عند ابن أبي شيبة.
الطريق الثاني: عمار بن مطر عن شريك عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عنه.
أخرجه ابن عدي (5/ 1728) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 209).
قال ابن عدي عن مطر: متروك الحديث، وختم ترجمته بقوله: الضعف على رواياته بيّن وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالمناكير.
وقد ورد موقوفًا على عمر، أخرجه سعيد بن منصور -كما في "التلخيص" (2/ 223) - والبيهقي (4/ 334) قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر طرقه (2/ 223): وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلًا. . . وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع. =