الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غير وجه فاعله المطلق والمحلَّلَ له (1)، فأي قول من أقوال المسلمين خرج به من لعنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان أعذر عند اللَّه ورسوله وملائكته وعباده المؤمنين من ارتكابه لما يُلعن عليه ومباءته باللعنة، فإن هذه المخارج التي نذكرها دائرة بين ما دل عليه الكتاب والسنة أو أحدهما أو أفتى به الصحابة، بحيث لا يعرف عنهم فيه خلاف (2)، أو أفتى به بعضهم، أو هو خارج عن أقوالهم (3)، أو هو قول جمهور الأئمة (4) أو بعضهم [أو إمام](5) من الأئمة الأربعة أو أتباعهم أو غيرهم من علماء الإسلام، ولا تخرج هذه الآثار (6) التي نذكرها عن ذلك، فلا يكاد يوصل إلى التحليل بعد مجاوزة جميعها إلا في أندر النادر، ولا ريب أن من نصح (7) للَّه ورسوله وكتابه ودينه ونصح نفسه ونصح عباده أن أيًا منها ارتكب فهو أولى من التحليل (8).
[الأول أن يكون زائل العقل]
المخرج الأول: أن يكون المطلق أو الحالف زائل العقل إما بجنون أو إغماء أو شرب دواء أو شرب مسكر يعذر به أو لا يعذر أو وسوسة، وهذا المخلص مجمع عليه بين الأمة إلا في شرب (9) مسكر لا يعذر به، فإن المتأخرين من الفقهاء اختلفوا فيه، والثابت عن الصحابة رضي الله عنهم الذي لا يعلم فيه خلاف بينهم أنه لا يقع طلاقه.
قال البخاري في "صحيحه"(10): باب الطلاق في الإغلاق والمكره
(1) سبق تخريجه.
(2)
قال: (د)، و (ط):"في نسخة: "لا يعرف عندهم فيه خلاف"، وزاد (ط): "انظر: "إعلام الموقعين" ط - فرج اللَّه زكي الكردي (3/ 331) "، وهي كذلك في (ك).
(3)
في (ق): "على أقوالهم".
(4)
في المطبوع و (ك): "الأمة".
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إما".
(6)
في المطبوع و (ك): "هذه القاعدة".
(7)
"كذا، ولعل أصل العبارة: "ولا ريب عند من نصح. . . إلخ" (د)، وفي (ك): "اللَّه" بدل "للَّه".
(8)
انظر: "إغاثة اللهفان"(2/ 97)، وفيها ستة مخارج، و"زاد المعاد"(4/ 5 - 6، 66، 212)، و"الفروسية"(ص 22)، و"تهذيب السنن"(3/ 22 - 23).
(9)
في (ق): "إلا بشرب".
(10)
(9/ 388)(كتاب النكاح): (باب رقم 11 مع "الفتح" - الطبعة السلفية)، و (3/ 39 - 40 - طبعة مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة، ومكتبة الرياض الحديثة)، ووقع في مطبوع:"الإعلام": و"المكره"، و"الشك" بدل "والكره"، و"الشرك"، وما بين المعقوفتين سقط منه، ووقع في (ق) -أيضًا-:"والمكره" بدل "الكره".
والسكران والمجنون وأمرهما والغَلَط والنسيان في الطلاق والشرك [وغيره] لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى"(1)، وتلا الشعبي:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأنَا} [البقرة: 286]، وما لا يجوز من إقرار الموسوس، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أقر على نفسه:"أبك جنون"(2)، وقال علي: بقر حمزة [خواصر] شارفي (3) فطفق (4) النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لآبائي؟ فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل، فخرج وخرجنا معه.
وقال عثمان: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق (5)، وقال ابن عباس: طلاق
(1) سبق تخريجه مرارًا.
(2)
رواه البخاري (5271) في (الطلاق): باب الطلاق في الإغلاق، والكره، والسكران، والمجنون. . .، و (6815) في (الحدود): باب لا يرجم المجنون والمجنونة، و (6825) باب سؤال الإمام المقر: هل أحصنت؟، (7167) في (الأحكام): باب من حكم في المسجد. . ومسلم (1691) بعد (16) في (الحدود): باب من اعترف على نفسه بالزنا، من حديث أبي هريرة.
ورواه البخاري (5272) و (6814)، و (6816)، و (6820)، و (6826)، و (7168)، ومسلم (1691) بعد (16) وما بعده دون رقم، من حديث جابر.
(3)
هو جزء من حديث طويل: رواه البخاري (2375) في (المساقاة): باب بيع الحطب والكلأ، و (3091) في (فرض الخمس أوله)، و (4003) في (المغازي): باب رقم (12)، وعفقه في (الطلاق): باب (11)، ومسلم (1979) في (الأشربة) أوله.
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
وفي (د)، و (ح):"قوله: "بقر" بفتح الباء، ونخفيف القاف: أي شق، [خواصر: يقصد جنوبها]، وشارفي، تثنية شارف، وهي المسنّة من النوق، وقوله: "ثَمِل" -بفتح الثاء وكسر الميم-، أي قد أخذه الشراب" اهـ، وباختصار يسير في (ط)، و (و) بنحوه، وما بين المعقوفتين منها.
(4)
في (ق): "فقال".
(5)
رواه أبو بكر بن أبي شيبة (4/ 24 و 31)، -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 209) - وسعيد بن منصور (1112)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(7/ 359) من طريق ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبان بن عثمان، عن أبيه، قال العيني:(20/ 252): سنده صحيح، وقال أحمد في رواية صالح (2/ 115):"وهو أرفع شيء فيه" واحتج به في "مسائل عبد اللَّه"(رقم 1331) ونقل في "المغني"(7/ 115) عن ابن المنذر قوله: "هذا ثابت عن عثمان" وانظر: "الإشراف"(1/ 169).
ورواه عبد الرزاق (12308)(7/ 84) من الطريق نفسه لكن لم يذكر عثمان، وأخشى أن يكون ساقطًا من المطبوع.
وعزاه الحافظ في "تغليق التعليق"(4/ 454) لمسدد في "مسنده".
السكران والمستكره ليس بجائز (1). وقال عقبة بن عامر: لا يجوز طلاق الموسوس" (2)، هذا لفظ الترجمة، ثم ساق بقية الباب، ولا يعرف عن رجل من الصحابة أنه خالف عثمان وابن عباس رضي الله عنهم في ذلك، ولذلك رجع الإمام أحمد إلى هذا القول بعد أن كان يفتي بنفوذ طلاقه؛ فقال أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشافي"، و"الزاد": قال أبو عبد اللَّه في رواية الميموني: قد كنت أقول: إن (3) طلاق السكران يجوز، حتى تبينته (4)، فغلب عليَّ أنه لا يجوز طلاقه، لأنه لو أقر لم يلزمه، ولو باع لم يجز بيعه، قال: وألزمه الجناية (5)، وما كان من غير ذلك فلا يلزمه، قال أبو بكر: وبهذا أقول. وفي "مسائل الميموني"؛ سألت أبا عبد اللَّه عن طلاق السكران، فقال: أكثر ما عندي فيه أنه لا يلزمه الطلاق، قلت: أليس كنت مرة تخاف أن يلزمه؟ قال: بلى، ولكن أكثر ما عندي فيه أنه لا يلزمه [الطلاق](6)؛ لأني رأيته ممن لا يعقل، قلت: السكر شيء أدخله
(1) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 391 - 392): وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور جميعًا عن هشيم عن عبد اللَّه بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ليس لسكران ولا لمضطهد طلاق"، ونحوه في "التغليق" (4/ 455).
أقول: هو في "سنن سعيد بن منصور"(1143)، و"مصنف ابن أبي شيبة"(4/ 38)، ولفظه عندهما:"ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق".
ورواه البيهقي (7/ 385)، وابن حزم (10/ 202) من طريق هشيم أخبرنا عبد اللَّه به مقتصرًا على المكره وسقط "عن عكرمة" من "المحلى".
وأقول: أبو يزيد المدني تحرف في "الفتح"، و"المصنف" ففي "الفتح": المزني، وفي "مصنف ابن أبي شيبة": ابن أبي يزيد، وصوابه: أبو يزيد المدني أو المديني، قال مالك: لا أعرفه، وقال الآجري: عن أبي داود: سألت أحمد عنه فقال: تسأل عن رجل روى عنه أيوب؟! وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. والعجب أن الحافظ قال فيه: مقبول!! وعبد اللَّه بن طلحة الخزاعي: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، قال البخاري: روى عنه هشيم، منقطع. وانظر:"المحلي"(10/ 209).
ورواه عبد الرزاق (11408) -ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 202) - عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا.
(2)
لم يذكر له الحافظ في "الفتح" وصلًا، وبيّض له أيضًا في "التغليق"(4/ 455) ولم أظفر به.
(3)
في المطبوع: "بأن".
(4)
في (ك): "تبينت".
(5)
في (ق): "بالجناية".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
على نفسه فلذلك يلزمه، قال: قد يشرب رجل البنج (1) أو الدواء فيذهب عقله؟ قلت: فبيعه وشراؤه وإقراره؟ قال: لا يجوز وقال في رواية أبي الحارث (2): أرفع شيء في حديث الزهري، عن أبان بن عثمان، عن عثمان:"ليس لمجنون ولا سكران طلاق"(3).
وقال في رواية أبي طالب: والذي لا يأمر بالطلاق فإنما أتى خصلة واحدة والذي يأمر بالطلاق قد أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره، فهذا خير من هذا وأنا أتقي جميعها (4).
وممن ذهب إلى القول بعدم نفوذ طلاق السكران من الحنفية أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن الكرخي، وحكاه صاحب "النهاية" عن أبي يوسف وزفر.
ومن الشافعية المزني وابن سُريج وجماعة ممن اتبعهما، وهو الذي اختاره الجويني في "النهاية"، والشافعي [رحمه الله] نص على وقوع طلاقه (5)، ونص في أحد قوليه على أنه لا يصح ظهاره، فمن أتباعه من نقل عن (6) الظهار قولًا إلى الطلاق، وجعل المسألة على قولين، ومنهم من قرر حُكْمَ النصين ولم يفرق بطائل.
والصحيح أنه لا عبرة بأقواله من طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا هبة ولا وقف ولا إسلام ولا ردة ولا إقرار، لبضعة عشر دليلًا ليس هذا موضع ذكرها، ويكفي منها قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستنكاه (7) ما عز لما أقرَّ بالزنا بين يديه (8)، وعدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بتجديد إسلامه لما قال في سكره: "أنتم عبيد
(1) قال (و) في القاموس: "نبت مخبط للعقل، مسكن لأوجاع الأورام والبثور إلخ".
ووقع في (ق): "قد يشرب الرجل البنج".
(2)
وكذا قال في رواية ابنه صالح (2/ 115).
(3)
مضى تخريجه قريبًا.
(4)
في (ك): "جميعًا".
(5)
في (د): "وقوعه طلاقه"، وما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(6)
في (ك) و (ق): "من".
(7)
استنكهوه: أي شموا نكهته ورائحة فمه، هل شرب الخمر أم لا، وفي نسخة:"باستنكار ماعز"، وهو تحريف، انظر:"إعلام الموقعين"(ط - فرج اللَّه زكي الكردي 3/ 332)(ط)، و (د) و (و)، وانظر:"النهاية"، و"لسان العرب"(6/ 4544 - دار المعارف).
(8)
رواه مسلم (1695) في (الحدود): باب مَنْ اعترف على نفسه بالزنا، من حديث بريدة.