الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإعمال لغرض الجاني المتحيل وتصحيح له، ثم إن ذلك جناية على حق اللَّه وحق العبيد؛ فهو إضاعة للحقين وتفويت لهما.
[حكمة تشريع حدود الجرائم]
وكذلك الشارع شَرَعَ حدود الجرائم التي تتقاضاها الطباع أشَدَّ تَقاضٍ لما في إهمال عقوباتها من مفاسد الدنيا والآخرة، بحيث لا يمكن سياسة ملكٍ ما من الملوك أن يخلو من عقوباتها ألبتة، ولا يقوم ملكه بذلك، فالإذن في التحيل لإسقاطها بصورة العقد وغيره مع وجود تلك المفاسد بعينها أو أعظم منها نَقْضٌ وإبطال لمقصود الشارع، وتصحيح لمقصود الجاني، وإغراء بالمفاسد، وتسليط للنفوس على الشر.
[عود مرة أخرى إلى إبطال الحيل]
وياللَّه العجب! كيف يجتمع في الشريعة تحريم الزنا والمبالغة في المنع منه وقتل فاعله شر القتلات وأقبحها وأشنعها وأشهرها ثم يسقط بالتحيل عليه بأن يستأجرها لذلك أو لغيره ثم يقضي غرضه منها؟ وهل يعجز عن ذلك زانٍ أبدًا؟ وهل في طباع وُلاة الأمران يقبلوا قول الزاني: أنا استأجرتها للزنا، أو استأجرتها لتَطويَ ثيابي ثم قضيت غرضي منها (1)، فلا يحل لك أن
(1) هذا مذهب الشيعة الإمامية.
انظر: "اللمعة الدمشقية"(9/ 57)، "شرح شرائع الإسلام"(4/ 15).
ونقل ابن حزم في "المحلى" عن ابن الماجشون أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إن وطئها!! وبه قال أبو حنيفة والمعتمد في المذهب قول أبي يوسف ومحمد، وهو وجوب الحد.
"مجمع الأنهر"(1/ 595)، "شرح فتح القدير"(4/ 150)، "المبسوط"(9/ 58)، "الدر المختار"(4/ 29).
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم إلى وجوب الحد أيضًا، انظر:"جامع الأمهات"(ص 515)، "حاشية الدسوقي"(4/ 314)، "بداية المجتهد"(2/ 324)، "شرح الخرشي"(8/ 76)، "عقد الجواهر الثمينة"(3/ 307)، "الذخيرة"(12/ 67)، "الإشراف"(4/ 233 رقم 1587 - بتحقيقي)، "المحلى"(11/ 150)، "حلية العلماء"(8/ 15)، "المقنع"(3/ 462)، "المغني"(10/ 194).
والحق في هذا كله وجوب الحد، إذ عدمه فيه معنى يعارضه كتاب اللَّه، قال اللَّه تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2]، قاله ابن الهمام في "شرح فتح القدير"(4/ 150).=
تقيم (1) عليّ الحد؟ وهل ركَّبَ اللَّه في فِطَرِ الناس سقوطَ الحد عن هذه الجريمة التي هي من أعظم الجرائم إفسادًا للفراش والإنساب بمثل هذا؟ وهل يسقط الشارع الحكيم الحد عمن أراد أن ينكح أمه أو ابنته أو أخته بأن يعقد عليها العقد ثم يطأها بعد ذلك (2)؟ وهل زادهُ صورة العقد المحرم إلا فجورًا
= ويتأيد هذا: بما ورد "مهر البغي سحت"، ولأن الزنى مع الإجارة يدل على غاية الرضى والاختيار، والعقوبة الشرعية تزداد مع كمال الرضى، وتقلل أو تخفف مع نقصانها، ولأن أغلب جرائم الزنى تقع لقاء أجور، فاعتبار الأجور شبهة لإسقاط الحد، يعني فسح المجال أمام الفسقة لارتكاب هذه الجريمة، وبذلك تذهب الحكمة من تشريع الحدود المشرعة للزجر، واللَّه أعلم.
وانظر: "بدائع الفوائد" للمصنف (3/ 130).
(1)
في (ق): "فلا يحل لكم أن تقيموا".
(2)
مذهب الحنفية إن كان عالمًا بحرمة العقد عليها عوقب بأبعد ما يكون عن التعزير سياسة، وان لم يكن عالمًا؛ فلا تعزير عليه، وهو رأي زفر والثوري.
انظر: "المبسوط"(9/ 85)، "مختصر اختلاف العلماء"(3/ 296/ رقم 1414)، "البناية"(5/ 396 - 405)، "اللباب"(1/ 300)، "الهداية"(4/ 147)، "الدر المختار"(4/ 24)، "بدائع الصنائع"(9/ 4154)، "الفتاوى البزازية"(6/ 428)، "فتح القدير"(4/ 202).
ومذهب الشافعية أن من نكح ذات محرم حد، سواء كان عالمًا أم جاهلًا.
انظر: "المهذب"(2/ 269)، "معالم السنن"(6/ 269)، "أسنى المطالب"(4/ 127)، "المنهاج"(ص 132)، "مغني المحتاج"(4/ 146)، "حلية العلماء"(8/ 15)، "مختصر الخلافيات"(4/ 429/ رقم 296)، "روضة الطالبين"(10/ 94)، "المجموع"(22/ 56).
ومذهب المالكية: لزمه الحد إن كان عالمًا بالتحريم، انظر:"المدونة"(4/ 383 أو 6/ 209 - ط دار صادر)، "الكافي"(574)، "أسهل المدارك"(3/ 162)، "مواهب الجليل"(6/ 291)، "جامع الأمهات"(ص 515)، "التاج والإكليل"(6/ 293)، "عقد الجواهر الثمينة"(3/ 206)، "الإشراف"(4/ 231 رقم 1586 - بتحقيقي)، "الذخيرة"(12/ 50) وهذا مذهب أبي يوسف ومحمد، وإليه ذهب ابن حزم.
انظر: "الدر المختار"(4/ 24)، "الفتاوى البزازية"(6/ 428)، "المحلى"(8/ 310).
ومذهب أحمد عليه الحد وفي الأرجح هو القتل.
انظر: "المغني"(12/ 341)، "الإنصاف"(10/ 183، 185)، "تنقيح التحقيق"(3/ 304)، "منتهى الإرادات"(3/ 348)، "كشاف القناع"(6/ 98)، "الكافي"(4/ 202).
وهذا مذهب جابر بن زيد وإسحاق بن راهويه وأيوب السختياني وابن أبي خيثمة، أفاده ابن قدامة، وعزاه ابن القيم في "الداء والدواء"(ص 256) لأحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث.