الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواء (1) ورَّى أولم يُوَرِّ، وأيضًا فاشتراط التورية إبطال لرخصة التكلم مع الإكراه، ورجوع إلى القول بنفوذ طلاق المكره، فإنه لو ورَّى بغير إكراه لم يقع طلاقه، والتأثير إذًا إنما هو للتورية لا للإكراه، وهذا باطل، وأيضًا (2) فإن المورّيَ إنما لم يقع طلاقه مع قصده للتكلم باللفظ؛ لأنه لم يقصد مدلوله، وهذا المعنى بعينه ثابت في الإكراه، فالمعنى الذي منع من النفوذ في [التورية هو الذي منع النفوذ في](3) الإكراه.
فصل [المخرج الرابع: ويشتمل على حكم الاستثناء في الطلاق]
المخرج الرابع: أن يستثني في يمينه أو طلاقه، وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء (4)، فقال الشافعي وأبو حنيفة [رحمهما اللَّه] (5): يصح الاستثناء في الإيقاع والحلف، فإذا قال:"أنت طالق إن شاء اللَّه"، أو "أنت حرة إن شاء اللَّه"، أو "إن كلَّمتِ فلانًا فأنت طالق إن شاء اللَّه"، أو "الطلاق يلزمني لأفعلنَّ كذا إن شاء اللَّه"، أو "أنت عليَّ حرام أو الحرام يلزمني إن شاء اللَّه" نفعه الاستثناء، ولم يقع به طلاق في ذلك [كله](3).
ثم اختلفا في الموضع الذي يعتبر فيه الاستثناء، فاشترط أصحاب أبي حنيفة اتصاله بالكلام فقط، سواء نواه من أوله أو قبل الفراغ من كلامه أو بعده. وقال أصحاب الشافعي: إن عقد اليمين ثم عنَّ له الاستثناء لم يصح، وإن عَنَّ له الاستثناء في أثناء اليمين فوجهان:
أحدهما: يصح.
والثاني: لا يصح. وإن نوى الاستثناء مع عقد اليمين صح وجهًا واحدًا، وقد ثبت بالسنة الصحيحة أن سليمان بن داود رضي الله عنه (6) قال: لأطوفنَّ الليلة على كذا وكذا امرأة تحمل كل امرأة منهنَّ غلامًا يقاتل في سبيل اللَّه، فقال له المَلَك الموكل به: قل: إن شاء اللَّه، فلم يقل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو
(1) في (ق) و (ك): "فسواء".
(2)
في (ق): "أيضًا" دون واو.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
انظر: مباحث الاستثناء في "بدائع الفوائد"(3/ 56 - 76) مهم، و"شفاء العليل"(ص 103)، و"مدارج السالكين"(2/ 431)، و"زاد المعاد"(2/ 182).
(5)
ما بين المعقوفتين من (ق).
(6)
في (ق): "صلى الله عليه وسلم".
قالها لقاتلوا في سبيل اللَّه [فرسانًا] أجمعون" (1)، وهذا صريح في نفع الاستثناء المقصود بعد عقد اليمين. وثبت في "السنن" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "واللَّه لأغزون قريشًا، واللَّه لأغزون قريشًا، واللَّه لأغزون قريشًا"، ثم سكت قليلًا ثم قال: "إن شاء اللَّه" ثم لم يغزهم (2)، رواه أبو داود. وفي "جامع الترمذي" من حديث ابن عمر [رضي الله عنهما] (3) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال: إن شاء اللَّه فلا حنث عليه" (4)، وقد قال تعالى: {ولَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
(1) سبق تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
رواه أحمد (2/ 10، 49، 68، 126، 127) والدارمي (2/ 185)، والحميدي (690 - ط الأعظمي و 707 - ط حسين أسد)، وأبو داود (3261)، والترمذي (1531)، والنسائي (7/ 25) كلهم في (الأيمان والنذور): باب الاستثناء في اليمين، وابن ماجه (2106) في (الكفارات): باب الاستثناء في اليمين، وابن الجارود (928)، وابن حبان (4339، 4340، 4342)، والطحاوي في "المشكل"(1920، 1921، 1922، 1923)، والشافعي في "الأم"(7/ 62)، والبيهقي (7/ 360 - 361 و 10/ 46) وفي "المعرفة"(14/ 170 رقم 19515) من طريق حماد بن سلمة، وسفيان بن عينية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر به، ولفظ الترمذي:"من حلف على يمين فقال: إن شاء اللَّه فقد استثنى، فلا حنث عليه".
ورواه ابن حزم في "المحلى"(8/ 45) من طريق عبد الوارث بن سعيد التنوري عن أيوب به مرفوعًا، وعلقه (8/ 47) عن معمر عن أيوب ووقفه، وهو كذلك في "مصنف عبد الرزاق"(16113) وقرن في (16115) عن معمر الثوري.
قال الترمذي: "حديث ابن عمر حديث حسن، وقد رواه عبيد اللَّه بن عمر وغيره، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وهكذا روي عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنه موقوفًا، ولا نعلم أحدًا رفعه غير أيوب السختياني، وقال إسماعيل بن إبراهيم: كان أيوب أحيانًا يرفعه، وأحيانًا لا يرفعه".
وقال البيهقي: "وقد روي عن موسى بن عقبة، وعبد اللَّه بن عمر، وحسان بن عطية، وكثير بن فرقد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكاد يصح رفعه إلا من جهة أيوب السختياني، وأيوب شكَّ فيه أيضًا.
ورواية الجماعة من أوجه صحيحة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من قوله غير مرفوع، واللَّه أعلم".
ثم أسند عن حماد بن زيد قال: كان أيوب يرفعه ثم تركه، وقد رواه البيهقي (10/ 46) من طريق عبد اللَّه بن عمر، ومالك، وأسامة بن زيد، عن نافع موقوفًا.
أقول: رواه مرفوعًا عن نافع عن ابن عمر جماعة منهم:
أولًا: أيوب بن موسى: =
إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] فهذه النصوص الصحيحة لم يشترط في شيء منها البتة (1) في صحة الاستثناء ونفعه أن ينويه مع الشروع في اليمين ولا قبلها، بل حديث سليمان صريح في خلافه، وكذلك حديث:"لأغزون قريشًا"، وحديث ابن عمر متناول (2) لكل من قال: إن شاء اللَّه بعد يمينه، [سواء](3) نوى الاستثناء قبل الفراغ أو لم ينوه، والآية دالة على نفع
= رواه ابن حبان في "صحيحه"(4340)، والبيهقي (10/ 46) من طريق ابن أبي شيبة، وابن وهب، عن سفيان بن عيينة عنه به، ورجاله كلهم ثقات، لكن أصحاب سفيان رووه كلهم عنه عن أيوب السختياني به، كما ذكرناه من قبل.
قال البيهقي: وإنما يعرف هذا الحديث مرفوعًا من حديث أيوب السختيانى.
ثانيًا: كثير بن فرقد:
رواه النسائي (7/ 25)، والحاكم (4/ 303)، والطحاوي في "المشكل"(1924) من طريق ابن وهب، عن عمر بن الحارث عنه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وكثير هذا ثقة، روى له البخاري.
لكن رأيت ابن وهب يروي الحديث على أوجه! ثم هو رواه عن مالك وغيره موقوفًا عند البيهقي (10/ 46).
ثالثًا: حسان بن عطية:
رواه الطبراني في "الأوسط"(3099 - ط الطحان)، وأبو نُعيم في "الحلية"(6/ 79)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 88) من طريق عمرو بن هاشم عن الأوزاعي عنه نحوه. قال الطبراني:"لم يروه عن الأوزاعي إلا عمرو بن هاشم".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الأوزاعي وحسان، تفرد برفعه عمرو بن هاشم البيروتي". أقول: عمرو هذا قال عنه الحافظ صدوق يخطيء.
رابعًا: موسى بن عقبة:
رواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 954) من طريق داود بن عطاء عنه، وداود هذا قال فيه ابن عدي: وفي حديثه بعض النكرة. وخالفه شجاع بن الوليد، فرواه عن ابن عقبة ووقفه. رواه الطحاوي في "المشكل"(5/ 181) ورواه مالك (2/ 477) عن نافع موقوفًا.
ورواه عبد الرزاق (16111) عن عبد اللَّه بن عمرو (16112) عن عبيد اللَّه بن عمرو كلاهما عن نافع به موقوفًا ومال شيخنا الألباني رحمه الله في "إرواء الغليل"(8/ 199) إلى صحّة رفعه، واللَّه أعلم، وانظر ما قبله و"فتح الباري"(11/ 605 - 606) و"التلخيص الحبير"(4/ 168) و"نصب الراية"(3/ 301).
خامسًا وسادسًا: صخر بن جويرية ووهيب بن خالد، رواه عبد بن حميد (779) أنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عنهما به.
(1)
في (ك): "النية".
(2)
في (ق) و (ك): "يتناول".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "و".
الاستثناء مع النسيان أظهر دلالة، ومن شرط النية قبل الفراغ لم يكن لذكر الاستثناء بعد النسيان عنده تأثير. وأيضًا فالكلام بآخره، وهو كلام [واحد](1) متصل بعضه ببعض، فلا (2) معنى لاشتراط النية في أجزائه وأبعاضه، وأيضًا فإن الرجل قد يستحضر بعد فراغه من الجملة ما يرفع بعضها، ولا يذكر ذلك في حال تكلّمه بها، فيقول: لزيد عندي ألف درهم، ثم في الحال يذكر أنه قضاه منها مئة فيقول: إلا مئة، فلو اشترط نية الاستثناء قبل الفراغ لتعذر عليه استدراك ذلك وألجئ إلى الإقرار بما لا يلزمه والكذب [فيه](3). وإذا كان هذا في الإخبار فمثله في الإنشاء سواء، فإن الحالف قد يبدو له فيعلِّق اليمين بمشيئة اللَّه، وقد يذهل في أول كلامه عن قصد الاستثناء، أو يشغله شاغل عن نيته، فلو لم ينفعه الاستثناء حتى يكون ناويًا له من أول يمينه لفات مقصود الاستثناء، وحصل الحرج الذي رفعه اللَّه تعالى عن الأمة به، ولما قال لرسوله إذا نسيه:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وهذا متناول لذكره إذا نسي الاستثناء قطعًا، فإنه سب النزول (4)، ولا يجوز إخراجه وتخصصيه لأنه مراد قطعًا، وأيضًا فإن صاحب هذا القول إن طرده لزمه ألا يصح مخصِّص من صفة أو بدل أو غاية أو استثناء بإلا ونحوها حتى ينويه المتكلم من أول كلامه، فإذا قال: له عليّ ألف مؤجلة إلى سنة" هل يقول عالم: إنه لا يصح وصفها بالتأجيل حتى يكون منويًا من أول الكلام؟ وكذلك إذا قال: "بعتك هذا بعشرة" فقال: "اشتريته على أن لي الخيار ثلاثة أيام" يصح هذا الشرط وإنْ لم ينوه من أول كلامه، بل عَنَّ له الاشتراط عقيب القبول. ومثله لو قال: "وقفت داري على أولادي أو غيرهم بشرط كونهم فقراء مسلمين (5)، أو متأهلين، وعلى أنه من مات منهم فنصيبه لولده أو للباقين" (6) صح [له] (7) ذلك وإن عنَّ له ذكر هذه الشروط بعد تلفظه بالوقف. ولم يقل أحد: لا تقبل منه هذه الشروط إلا أن يكون قد نواها قبل الوقف أو معه، ولم يقع في زمن من الأزمنة [قط](8) سؤال الواقفين عن ذلك، وكذلك لو قال:"له عَلَيَّ مئة درهم إلا عشرة" فإنه يصح الاستثناء، وينفعه، ولا يقول له الحاكم: "إنْ كنتَ نويتَ
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في المطبوع و (ك): "ولا".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
انظر: "لباب النقول"(ص 144) للسيوطي.
(5)
في (ق) و (ك): "فقراء أو مسلمين".
(6)
في (ق): "لولده وللباقين".
(7)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
الاستثناء من أول كلامك لزمك تسعون، وإنْ كنتَ إنما نويته بعد الفراغ لزمك مئة" ولو اختلف الحال لبيَّن له الحاكم (1) ذلك، ولساغ له أن يسأله بل (2) يُحَلِّفُه أنه نوى ذلك قبل الفراغ إذا طلب المقرُّ له ذلك، وكذلك (3) لو ادّعى عليه أنه باعه أرضًا فقال: نعم بعته هذه الأرض إلا هذه البقعة، لم يقل أحد: إنه قد أقر [له] (4) ببيع الأرض جميعها إلا أن يكون قد نوى استثناء البقعة في أول كلامه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة: "إنه لا يختلى خلاها" (5) فقال له العباس: "إلا الإذْخِر" فسكت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إلا الإذخر" (6)، وقال في أسرى بدر: "لا ينفلت أحد منهم إلا بفداء أو ضربة (7) عنق" فقال له ابن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فقال: "إلا سهيل بن بيضاء" (8)، ومعلوم أنه لم ينو واحدًا من هذين
(1) في (ك): "الحاكم له".
(2)
في (ق): "أو".
(3)
في (ك): "ولذلك".
(4)
ما بين المعقوفتين من (ق) و (ك).
(5)
"الخلا: النبات الرطب الرقيق ما دام رطبًا. يختلى: يقطع. الإذخر: الحشيش الأخضر، وحشيش طيب الريح"(و).
(6)
رواه البخاري (112) في (العلم): باب كتابة العلم، و (2434) في (اللقطة): باب كيف تصرف لقطة أهل مكة، و (6880) في (الديات): باب من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين، ومسلم (1355) في (الحج): باب تحريم مكة وصيدها، من حديث أبي هريرة.
ورواه البخاري (1349) في (الجنائز): باب الإذخر والحشيش في القبر، (1587) في (الحج): باب فضل الجهاد والسير، و (1833) في (جزاء الصيد): باب لا ينفر صيد الحرم، و (1834) باب لا يحل القتال بمكة، (2090) في (البيوع): باب ما يكره من الحلف في البيع، و (2433) في (اللقطة): باب كيف تعرف اللقطة و (2783) في الجهاد والسير: باب فضل الجهاد والسير، و (2825) باب وجوب النفير، و (3189) في (الجزية والموادعة): باب إثم الغادر للبر والفاجر، و (4313) في (المغازي)، ومسلم (1353) في (الحج): باب تحريم مكة وصيدها وخلاها من حديث ابن عباس.
(7)
في (ق): "ضرب".
(8)
رواه أحمد في "مسنده"(1/ 383 و 383 - 384)، والترمذي (3084) في (تفسير القرآن): باب ومن سورة الأنفال وذكره في (1714) في (الجهاد): ولم يسق لفظه، وأبو يعلى (5187)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10258)، والحاكم (3/ 21 - 22)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 207 - 208)، والطبري (16293)، وابن أبي شيبة (14/ 370)، والبيهقي (6/ 321) من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي!.
وقال الهيثمي في "المجمع"(6/ 87): وفيه أبو عبيدة، ولم يسمع من أبيه، ولكن رجاله ثقات.
أقول: كون رجاله ثقات لا ينفع في تصحيحه ما دام أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، =