الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود
حديث في الرجم
(692)
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (1): ثنا هشيم، أنا علي بن زيد، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس قال: خَطَب عمرُ -وقال هشيم مرَّة: خَطَبنا عمرُ- فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، فذَكَر الرَّجم، فقال: لا تُخدَعُنَّ عنه، فإنَّه حَدٌّ من حدود الله عز وجل، أَلا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد رَجَم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون: زاد عمرُ في كتاب الله ما ليس منه؛ لكتبتُ في ناحيةٍ من المصحف: شَهِدَ عمرُ بن الخطاب. / (ق 257) وقال هشيم مرَّة: وعبد الرحمن بن عوف، وفلان، وفلان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجَم، ورَجَمنا بعدَه، أَلا وإنَّه سيكونُ من بعدكم قومٌ يُكذِّبون بالرَّجم، وبالدجَّال، وبالشَّفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النَّار بعد ما امتُحِشُوا (2).
(1) في «مسنده» (1/ 23 رقم 156).
(2)
امتُحِشُوا: أي: احترقوا، والمَحْش: احتراق الجلد وظهور العظم. «النهاية» (4/ 302).
هذا الحديث له شاهد في «الصحيح» ، كما سيأتي (1) في حديث السَّقيفة، وإن كان في سياقه هذا غرابة، فإن عليَّ بن زيد بن جُدعان يأتي بسياقات غريبة (2)، والله أعلم بحاله.
طريق أخرى
(693)
قال أحمد (3): أنا هشيم، أنا الزهري، عن عبيد الله بن عُتبة بن مسعود قال: أخبرني عبد الله بن عباس قال: حدَّثني عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب الناسَ، فسمعه يقول: أَلا وإنَّ أناسًا يقولون: ما بالُ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ الجلدُ؟ وقد رَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون، ويتكلَّمَ متكلِّمون: أنَّ عمرَ زاد في كتابِ اللهِ ما ليس منه؛ لأثبتُّها كما نَزَلت (4).
(1) انظر (ص 289 رقم 734).
(2)
ضعَّفه ابن معين والنسائي، وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به لسوء حفظه. وقال شعبة: كان رفَّاعًا. وقال حماد بن زيد: كان علي بن زيد يحدِّثنا اليوم بالحديث، ثم يحدِّثنا غدًا، فكأنَّه ليس بذاك. وقال ابن عيينة: تركته زهدًا فيه. انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 434) و «ميزان الاعتدال» (3/ 127).
(3)
في «مسنده» (1/ 29 رقم 197).
(4)
وقد أَعلَّ هذه الرواية المزِّي، فقال في «تحفة الأشراف» (8/ 86): وقد قيل: عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عَوف، عن عمرَ، وليس بمحفوظ.
وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 10): وروي عن هشيم، عن الزهري، ولم يَذكر فيه عبد الرحمن بن عوف، وكذلك رواه عبد الله بن أبي بكربن محمد بن عمرو بن حزم، ومالك بن أنس، ويونس، وعُقيل، ومعمر، وصالح بن كيسان، وابن جريج، وابن عيينة، وغيرهم، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمرَ
…
، والمحفوظ من هذا: ما رواه الزهري من رواية صالح بن كيسان، وعبد الله بن أبي بكر، ومالك بن أنس، ومن تابَعَهم.
ورواه النسائي (1) من طرق، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة.
ثم رواه النسائي (2) من حديث عبيد الله، عن عمرَ، مرسلاً، والمحفوظ الأوَّل.
وقد رواه أحمد -أيضًا- (3)، عن يحيى القطَّان، عن يحيى الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: إيَّاكم أن تَهلِكوا عن آية الرَّجم
…
الحديث.
ورواه الترمذي (4) من حديث سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، وقال: صحيح (5).
ورواه النسائي (6) من طريق أخرى، عن زيد بن ثابت، عن عمرَ أيضًا.
فهذه طرق كالمتواترة إليه.
(1) في «سننه الكبرى» (6/ 408 - 410 رقم 7113 - 7117 - ط مؤسسة الرسالة).
(2)
في الموضع السابق (4/ 275 رقم 7161).
(3)
في «مسنده» (1/ 36 رقم 249).
(4)
في «سننه» (4/ 29 رقم 1431) في الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم.
(5)
نصُّ عبارة الترمذي: «حديث عمر حديث حسن صحيح، وروي من غير وجه عن عمر» .
(6)
في «سننه الكبرى» (6/ 406 رقم 7107 - ط مؤسسة الرسالة) عن محمد بن المثنىَّ، عن محمد (وهو: ابن جعفر) عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جُبَير، عن كثير بن الصَّلت، عن زيد بن ثابت: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الشيخ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ» . قال عمرُ: لما أُنزِلَت أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أَكتِبنِيها -قال شعبة: كأنّه كره ذلك- فقال عمرُ: ألا ترى أنَّ الشيخ إذا لم يُحصَن جُلِدَ، وإنَّ الشَّاب إذا زَنَى وقد أُحصِنَ رُجِمَ؟!
ثم رواه (7110) عن إسماعيل بن مسعود الجَحدري، عن خالد بن الحارث، عن ابن عَون قال: نبِّئت عن ابن أخي كثير بن الصَّلت قال: كنَّا عند مروان وفينا زيد بن ثابت، فقال زيد: كنَّا نقرأ: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتَّة» ، فقال مروان: ألا تجعله في المصحف؟ قال: ألا ترى أنَّ الشَّابَّين الثَّيِّبَين يرجمان؟ ذكرنا ذلك وفينا عمر، فقال: أنا أشفيكم، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -إن شاء الله-، فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر آية الرَّجم، فأقول: يا رسولَ الله، أَكتِبنِي آية الرَّجم. قال: فأتاه، فذكر ذلك له، فذكر آية الرَّجم، فقال: يا رسول الله، أَكتِبنِي آية الرَّجم، قال:«لا أستطيع» .
قلت: فدلَّت هاتين الروايتين على وجود اختلاف على كثير بن الصَّلت في روايته -كما هو ظاهر-، وانظر ما سيأتي (ص 451 رقم 858).
أثر آخر
(694)
قال عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجَوْبَري (1): ثنا سفيان بن عيينة قال: سَمِعَ عمرو سعيدَ بن المسيّب يقول: ذُكِر الزِّنى بالشَّام، فقال رجل: قد زَنَيتُ البارحةَ. فقالوا: ما تقول؟! فقال: أَوَحَرَّمه اللهُ؟ ما عَلِمتُ أنَّ الله حَرَّمه. فكُتِبَ إلى عمرَ، فكَتَب: إنْ كان عَلِمَ أنَّ اللهَ حرَّمه، فحُدُّوه، وإنْ لم يكن عَلِمَ، فعلِّموه، فإنْ عاد، فحُدُّوه.
هذا إسناد صحيح.
(695)
وهكذا رواه أبو عبيد رحمه الله (2)، عن مروان الفَزَاري، ويزيد، عن حميد، عن بكر المُزَني، عن عمرَ
…
، وفيه: أنه كَتَب: يُستَحلَف.
(1) في «فوائده» ، كما في «البدر المنير» (8/ 637) وقد ساق إسناده كما هنا.
وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 402، 403 رقم 13642، 13643) من طريقين عن عمرو بن دينار، به. وفيه: أنَّ الذي كَتَب إلى عمرَ هو أبو عُبيدة بن الجرَّاح.
وصحَّح إسناده ابن الملقن.
(2)
في «غريب الحديث» (4/ 259) وتصحَّف فيه «حميد، عن بكر» إلى: «حميد بن بكر» ، وجاء على الصواب في الطبعة الهندية (3/ 368).
وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، بكر المُزَني من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن، وابن سيرين، فروايته عن عمرَ منقطعة، وبالانقطاع أعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 343).
أثر آخر
(696)
قال محمد بن إسحاق (1):
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: كان حاطبُ قد أَعتَقَ حين مات من رقيقه مَن صام منهم وصلَّى، وقد كانت له جاريةٌ حبشيةٌ قد صامت وصلَّت، ولم تَفقَهْ، وتزوَّجت، فلم يُرَع بها في زمن عمرَ إلا وهي حُبلى من زنى، فأتيتُ عمرَ، وجئتُهُ بها، فسألها: أَزَنيتِ؟ قالت: نعم، مرعوس بدرهمين (2). قال عمرُ: ماذا ترون في هذه؟ فقال عليٌّ وعبد الرحمن بن عوف: أقضاءٌ غيرَ قضاءِ اللهِ تعالى تبغي؟ وعثمانُ جالسٌ، قانعًا (3) رأسَه. فقال: مالَكَ يا عثمانُ لا تكلَّم؟! فقال: أشار عليك أخواك. فقال: وأنت فأَشِرْ. فقال: أَراها تَستهلُّ به، كأَنها لا تَعرفه، ولا أرى الحدَّ إلا على مَن عَرَفه. فقال: صَدَقتَ يا عثمان، فضَرَبها الحدَّ الأدنى، ونَفَى عنها الرَّجم.
وهذا إسناد حسن.
(1) ومن طريقه: أخرجه عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 852) بنحوه.
وقد توبع محمد بن إسحاق على روايته، تابَعَه محمد بن عمرو بن علقمة، وروايته عند عبد الرزاق (7/ 405 رقم 13647).
وقد أورده البخاري في «صحيحه» (13/ 186 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال عمرُ -وعنده علي، وعبد الرحمن، وعثمان- ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمن بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبها الذي صنع بها.
وصحَّح إسناده -أيضًا- الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (4/ 298).
وقال ابن المنذر في «الأوسط» ، كما في «أقضية الخلفاء الراشدين» (2/ 830): ثابت عن عمرَ بن الخطاب، وعثمان بن عفان. وانظر:«الإرواء» (7/ 342).
(2)
كذا ورد بالأصل.
(3)
كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «مُقنِّعًا» ، ولم يضرب على ما تحتها.
ومثله قد قال بمقتضاه الإمام أحمد في أنه يجوز التعزير بالحدِّ الأدنى في الزِّنى لمن فعل ذلك لشبهة.
ويُعضِّده الأثر الآخر:
(697)
قال عبد الرزاق (1): أنا معمر، عن سمَاك بن الفضل، عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني، عن عمرَ بن الخطاب: أنه رُفِعَ إليه رجلٌ وقع على جاريةِ امرأتِهِ، فجَلَدَه مائةً، ولم يَرجُمْهُ.
قال البيهقي (2): وهذا منقطع، وكأنه ادَّعى جهالةً، فعَزَّره.
قلت: هذا شبيه بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن من حديث قتادة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير أنه
…
(3) إليه رجلٌ وَقَع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله، إنْ كانت أحلَّتها له لأَجلدَنَّه مائةً، وإن لم تكن أحلَّتها له رَجَمتُهُ (4).
(1) في «المصنَّف» (7/ 346 رقم 13433).
(2)
في «سننه» (8/ 241).
(3)
في هذا الموضع طمس في الأصل، وفي «المسند» و «السُّنن»:«رُفِعَ» .
(4)
حديث مضطَّرب، وبيان اضطرابه كالتالي:
رواه قتادة، واختُلف عليه:
فقيل: عنه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
وقيل: عنه، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (4/ 44 رقم 1451) في الحدود، باب في الرجل يقع على جارية امرأته، والنسائي في «سننه الكبرى» (6/ 434 رقم 3362 - ط الرسالة) وابن ماجه (2/ 853 رقم 2551) في الحدود، باب من وقع على جارية امرأته، وأحمد (4/ 272، 277) من طريق ابن أبي عَروبة، عن قتادة، به.
ورواه عن ابن أبي عروبة جماعة، وهم: حماد بن سلمة، وخالد بن الحارث، ويزيد بن هارون، ومحمد بن جعفر، وعبد الله بن بكر، وهشيم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد توبع ابن أبي عَروبة على هذا الوجه: تابَعَه أبو العلاء، وأيوب بن مسكين، وروايتهما عند الترمذي (1451) وأحمد (4/ 272).
وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود (5/ 110 رقم 4458) في الحدود، باب الرجل يزني بجارية امرأته، والنسائي في «الكبرى» (6/ 433 رقم 3361) وأحمد (4/ 275) والبيهقي (8/ 239) من طريق أبان بن يزيد العطَّار، عن قتادة، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
ورواه أبو بِشر جعفر بن أبي وحشية، واختُلف عليه:
فقيل: عنه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
وقيل: عنه، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (1452) والنسائي في «الكبرى» (6/ 446 رقم 7188) وأحمد (4/ 277) والطحاوي (3/ 145) والبيهقي (8/ 239) من طريق هشيم، عن جعفر بن أبي وحشية، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
وأعلَّه البزَّار، فقال: أبو بِشر لم يلق حبيب بن سالم. انظر: «البحر الزَّخار» (8/ 203).
وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود (4459) والنسائي في «الكبرى» (6/ 433 رقم 3360) وأحمد (4/ 277) والحاكم (4/ 365) والبيهقي (8/ 239) من طريق شعبة، عن جعفر بن أبي وحشية، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير!
وهناك وجه آخر من الاختلاف: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (6/ 447 رقم 7191) والطحاوي (3/ 145) والبيهقي (8/ 239) من طريق همام، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، عن حبيب بن يَسَاف، عن النعمان بن بشير!
ورجَّح هذا الوجه الإمام أبو حاتم الرازي، كما في «العلل» لابنه (1/ 448) فقال: حديث همام أشبه، وحبيب بن يَسَاف مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد، وكذلك خالد بن عُرفُطَة مجهول، لا نعرف أحدًا يقال له خالد بن عُرفُطَة إلا واحد، الذي له صحبة.
وقال الترمذي في «سننه» (4/ 44): حديث النعمان في إسناده اضطراب، سَمِعتُ محمدًا يقول: لم يَسْمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عُرفُطَة.
وقال في «العلل» له (ص 234): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: أنا أتقي هذا الحديث، إنما رواه قتادة، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، ويُروى عن قتادة أنه قال: كَتَب إليَّ حبيب بن سالم.
وقال النسائي، كما في «تحفة الأشراف» (9/ 18): أحاديث النعمان هذه مضطربة.
وقال البزَّار في «مسنده» (8/ 202): هذا الحديث لا يثبت.
أثر آخر
(698)
قال أبو عبيد (1): ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سَمِعَ الحارثَ بن عبد الله بن أبي ربيعة (2)، يحدِّث عن عمرَ أنه: سُئِلَ عن
(1) في «غريب الحديث» (4/ 202).
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عبد الله بن الحارث» ، وأشار محقِّقه إلى أن في بعض النسخ:«الحارث بن عبد الله» .
ولم أقف على ما يُثبت سماع الحارث من عمر، وهو من طبقة كبار التابعين، كابن المسيّب، وقد روي من وجه آخر متصل، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق (7/ 396 رقم 13612) عن ابن جريج، عن عطاء وعمرو، عن الحارث بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن أبي ربيعة أنه سأل عمر بن الخطاب عن الأَمَة كم حَدُّها؟ فقال:
…
، فذكره.
وقد روي عن عمرَ خلافه، وذلك فيما أخرجه مالك (2/ 389) في الحدود، باب جامع ما جاء في حد الزنى. وعبد الرزاق (7/ 395 رقم 13608، 13609) عن ابن جريج، وابن عيينة. ثلاثتهم (مالك، وابن جريج، وابن عيينة) عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: أمرني عمرُ بن الخطاب في فتية من قريش، فجَلَدنا ولائدَ من ولائدِ الإمارةِ خمسينَ خمسينَ في الزنى.
وهذا إسناد حسن، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 12).
قال ابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 103): فهذا خلاف حديث ألقت فروتها من وراء الدار عن عمرَ، وهو أثبت.
حدِّ الأَمَة، فقال: إنَّ الأَمَةَ قد ألقت فَروتَها من وراء الدَّار.
قال الأصمعي: الفَروة: جِلْدَةُ الرأس.
قال أبو عبيد: ومعناه: أنَّ هذه لا قِنَاع لها، وهي مبتذلةٌ في الحاجات، فلا حَدَّ عليها.
قال: وقد حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم قال: تذاكرنا يومًا قولَ عمرَ هذا، فقال سعد بن حَرمَلَة: إنما ذلك من قول عمرَ في الرَّعايا، فأمَّا الإماء اللَّواتي قد أحصنَهنَّ موالِيهُنَّ، فإذا أَحدَثْنَ حُدِدْنَ.
/ (ق 258) أثر عن عمر
(699)
قال البخاري (1): وقال اللَّيث: حدَّثني نافع، عن صفية بنت أبي عُبيد: أنَّ عبدًا من رقيق الإمارة وَقَع على وليدةٍ من الخُمُس، فاستَكرَهَها، حتى افتضَّها (2)، فجَلَده عمرُ الحدَّ، ونَفَاه، ولم يجلدِ الوليدةَ من أجل أنه استَكرَهَها.
فيه دلالة على نفي العبد، وظاهره أنه نَفَاه سَنَة، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعيِّ والعلماء.
(1) في «صحيحه» (12/ 321 رقم 6949 - فتح) في الإكراه، باب إذا استُكرهت المرأة على الزنى فلا حدَّ عليها.
ووَصَله أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في «جزئه» (ص 42 رقم 57) عن اللَّيث، به.
وأخرجه -أيضًا- أبو إسحاق الفزاري في «السِّير» (ص 250 رقم 428) وعبد الرزاق (7/ 359 رقم 13471) عن ابن جريج، عن نافع، عن صفية
…
، فذكرته.
(2)
افتضَّها: أي: أزال بكارتها، وهو كناية عن الوطء. انظر:«النهاية» (3/ 454).
أثر آخر
(700)
قال البخاري (1): ثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير: أنَّ عمرَ بن الخطاب غَرَّب، ثم لم تزل تلك السُّنَّة.
هكذا ذَكَره عقيب حديث زيد بن خالد فيمن زَنَى ولم يُحصَن، وهو منقطع، فإنَّ عروةَ لم يُدرك عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه (2).
(1) في «صحيحه» (12/ 156 رقم 6832 - فتح) في الحدود، باب البكران يُجلدان ويُنفيان.
(2)
وله طريق أخرى عن عمرَ، يَرويها عبد الله بن إدريس، وقد اختُلف عليه:
فقيل: عن أبي كُرَيب ويحيى بن أكثم، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، مرفوعًا!
وقيل: عن أبي سعيد الأشجِّ وابن نُمَير ومحمد بن إسحاق، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، قولَه!
وقيل: عن يوسف بن محمد بن سابق، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، مرسلاً.
أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (4/ 35 رقم 1438) في الحدود، باب ما جاء في النفي، وفي «العلل الكبير» (ص 229 رقم 413) والنسائي في «الكبرى» (6/ 486 رقم 7302 - ط الرسالة) والحاكم (4/ 369) ولفظه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَب وغرَّب، وأنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغرَّب.
قال الترمذي: حديث غريب.
وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
وأعلَّه أبو حاتم، فقال: هذا خطأ، رواه قوم عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. مرسل. «علل ابن أبي حاتم» (1/ 459 رقم 1382).
وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو سعيد الأشجُّ في «جزئه» (ص 220 رقم 106) والدارقطني في «العلل» (4/ 107/ب)، والترمذي تعليقًا، ولفظه: أنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغرَّب. ولم يَذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وأما الوجه الثالث: فذكره الدارقطني في «العلل» (4/ 107/ب).
ورجَّح وقفَه الترمذيُّ، فقال في «العلل الكبير»: روى أصحاب عبيد الله بن عمر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا بكرٍ
…
، ولم يرفعوه. وهكذا رواه محمد بن إسحاق، عن نافع، موقوفًا، ولا يَرفع هذا الحديثَ عن عبيد الله غيرُ ابن إدريس. وقد رواه بعضهم عن ابن إدريس، عن عبيد الله، موقوفًا.
وقال الدارقطني: يرويه عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، مرفوعًا، على ما رواه عنه أبو كُرَيب، ومسروق بن المَرزُبان، ويحيى بن أكثم، وجَحْدر بن الحارث، وغيرهم، ورواه يوسف بن محمد بن سابق، عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
…
، مرسلاً، لم يذكر ابن عمرَ، وخالَفَهم محمد بن عبد الله بن نُمَير، وأبو سعيد الأشجّ، فروياه عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغَرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغَرَّب، ولم يذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
ثم قال الدارقطني: وهو الصواب. يعني الوقف.
ورجَّحه -أيضًا- النسائي، والخطيب. انظر:«تاريخ بغداد» (14/ 192) و «الدراية» (2/ 100).
وصحَّح الرواية المرفوعة والموقوفة ابنُ القطَّان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 445) والشيخ الألباني «إرواء الغليل» (8/ 11 رقم 2344) وعلَّلا ذلك بأن الزيادة من الثقة مقبولة!
وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (1) قصة نصر بن حجَّاج لما غرَّبه عمرُ من المدينة إلى البصرة، وألزمه ألا يعود ما دام عمر حيًّا، وذلك لمَّا سَمِعَ من بعض الجواري تلهج به في شِعْرها:
هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربُهَا
…
أم من سبيلٍ إلى نَصر بنِ حجَّاج
(1) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه» .
وقصة نصر بن حجَّاج: أخرجها ابن سعد (3/ 285) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 211) - والخرائطي في «اعتلال القلوب» (2/ 395 رقم 828، 829) من طريق داود بن أبي الفُرَات، عن عبد الله بن بُرَيدة الأسلمي قال: بينا عمرُ بن الخطاب يَعُسُّ ذات ليلة، فإذا بامرأة تقول
…
، فذكره.
وصحَّح إسنادَها الحافظ في «الإصابة» (10/ 198).
أثر آخر
(701)
قال ابن خزيمة: ثنا علي بن حُجر، ثنا إسماعيل بن جعفر (1)، ثنا حميد، عن أنس: أنَّ عمرَ أُتي بشابٍّ قد حَلَّ عليه القطعُ، فأمر بقطعه، فجعل يقول: يا ويلَه، ما سَرَقتُ سَرِقةً قطُّ قبلَها. فقال عمرُ: كَذَبتَ، وربِّ عمرَ، ما أَسلَمَ اللهُ عبدًا عند أوَّل ذنبٍ.
إسناده صحيح.
وقد استدلوا به على أنه إذا قَذَف رجلاً فلم يُحدَّ القاذفُ حتى زَنَى المقذوف، فإنه لا يُحدُّ القاذف؛ لأنا استدللنا بذلك على تقدُّم زناه قبل القذف، والحدود تدرأ بالشُّبهات، والله أعلم.
وأما خبر أبي بَكرة والمغيرة بن شعبة فسيأتي في الشهادات (2).
(1) وهو في «حديثه» (ص 196 رقم 94 - رواية علي بن حُجر).
وقد توبع حميد على روايته، تابَعَه ثابت البُناني، وروايته عند البيهقي (8/ 276)، وهذه متابعة حسنة تنفي ما يُتوهَّم من عنعنة حميد.
(2)
انظر ما سيأتي (ص 344 - 347).