الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر عن عمر فيه جواز التغريب في الخمر
إن رأى الإمام في ذلك مصلحة فَعَلَه
(719)
قال النسائي (1): ثنا زكريا بن يحيى قال: ثنا عبد الأعلى بن حماد، عن معتمر بن سليمان، عن عبد الرزاق (2)، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب أنه قال: غَرَّبَ عمرُ ربيعةَ بنِ أُميَّةَ في الخمر / (ق 264) إلى خيبرَ، فلَحِقَ بهرقلَ فتنصَّر، فقال عمرُ رضي الله عنه: لا أُغرِّبُ بعدَه مسلمًا.
هذا إسناد جيد غريب.
أثر آخر
(720)
قال محمد بن سعد (3):
أنا محمد بن عمر -يعني: الواقدي-، أنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه قال: سَمِعتُ عمرو بن العاص ذَكَر عمرَ فترحَّم عليه، وقال: ما رأيتُ أحدًا بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم (4) أخوفَ للهِ منه، لا يبالي على من وقع الحقُّ، إنِّي لفي منزلي بمصرَ، إذ أتاني آتٍ، فقال: قَدِمَ عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمرَ غازِيَيْن، فقلت: أين نزلا؟ ولم أستطع أن آتيهما، ولا أهدي لهما خوفًا من عمرَ رضي الله عنه. فقيل لي:
(1) في «سننه» (8/ 722 رقم 5692) في الأشربة، باب تغريب شارب الخمر.
(2)
وهو في «المصنَّف» (9/ 230 رقم 17040).
وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 720) من طريق ابن المبارك، عن معمر، به.
(3)
في «الطبقات الكبرى» (5/ 71 - 72 - ط مكتبة الخانجي)، وهو ساقط من طبعة دار صادر.
وفي إسناده: الواقدي، وهو متروك، وفي متنه نكارة. وانظر ما بعده.
(4)
زاد في المطبوع: «وأبي بكر» .
هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سِروعة يستأذنان، فدخلا وهما مُكسرَان (1)، فقالا: أقم علينا حدَّ الله، إنَّا شربنا فَسَكِرنَا، فزَبَرتُهما (2)، وطردتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا رَجَعتُ. قال: فدخل عليَّ عبد الله بن عمر، فقمتُ، ورحَّبتُ به، فقال: إنَّ أبي نهاني أن أدخلَ عليك، إلا ألا أجدَ بُدًّا، إنَّ أخي لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، أمَّا الضرب، فنعم، فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتُهما الحدَّ، ودخل عبد الله بأخيه فحَلَق رأسَه، ورأسَ أبي سَروعة. فواللهِ ما كَتَبتُ إلى عمرَ بحرفٍ، فجاءني كتابٌ منه يقول: إلى العاص بن / (ق 265) العاص: بجرأتك عليَّ، وخلاف عهدي، أنا قد خالفتُ فيك أصحابَ بدرٍ ممَّن هو خيرٌ منك واخترتُك، وأراك قد تلوَّثتَ بما تلوَّثتَ بضرب عبد الرحمن وحَلْقِهِ في بيتك، ولا تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، وقلتَ: هو ولدُ أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أنَّه لا هوادةَ لأحدٍ عندي في حقٍّ، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعثه في عباءة على قَتَب. فبعثتُ به كما أَمَر، وكَتَبتُ أعتذر، وبالله الذي لا يُحلَفُ بأعظمَ منه إنِّي لأُقيمُ الحدودَ في صحن داري.
قال أسلم: فقَدِمَ عبد الرحمن وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مَركبه، فقال عمرُ: السِّياط! فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد أُقِيمَ عليَّ الحدُّ، فلم يلتفت عليه، وجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض، وأنت قاتلي، فضربه، فحبسه، فمرض، فمات (3).
(1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مُنكسران» .
(2)
أي: زَجَرتهما ونَهَرتهما. «مختار الصحاح» (ص 166 - مادة زبر).
(3)
جاء بهامش الأصل حاشية بخط مغاير لخط المؤلِّف، وهذا نصُّها: قال النووي في «تهذيب الأسماء» [1/ 300]: عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يقال له: عبد الرحمن الأكبر، وهو صحابي، ذكره ابن منده، وابن عبد البر، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم في الصحابة، وهو أخو عبد الله، وحفصة أمهم زينب بنت مظعون، أدرك عبد الرحمن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ عنه شيئًا. قالوا: وعبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شَحمة، الذي ضَرَبه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة، فضَرَبه أبوه عمر بن الخطاب تأديبًا، ثم مرض، فمات بعد شهر. هكذا رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وأما ما يزعمه بعض أهل العراق أنه مات تحت السِّياط فغلط، وعبد الرحمن بن عمر الأصغر هو أبو المجبَّر، والمجبَّر -أيضًا-، اسمه: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر. قال ابن عبد البر: وإنما قيل له المجبَّر؛ لأنه وقع وهو غلام فكُسِرَ، فحُمِلَ إلى عمَّته حفصة أم المؤمنين، فقيل: انظري إلى ابن أخيكِ انكَسَر، فقالت: ليس بالمكسَّر، ولكنَّه المجبَّر. انتهى كلام النووي رحمه الله. وعبد الرحمن الأوسط والأصغر أمهما أم ولد لعمر رضي الله عنه، واسمها: لاهيه. نقله الطبري في «الرياض» عن الدارقطني.
طريق أخرى
(721)
قال الحافظ أبو بكر الخطيب (1):
أنا محمد بن أحمد بن رزق والحسن بن أبي بكر قالا: ثنا محمد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهروي، أنا علي بن محمد بن عيسى الجكاني، أنا أبو اليَمَان، أنا شعيب بن أبي حمزة (2)، عن الزهري، عن سالم: أنَّ أباه قال: شَرِبَ أخي عبد الرحمن، وشَرِبَ معه أبو سِروعة عُقبة بن الحارث ونحن بمصر، فسَكِرا، ثم صحوا، فانطلقا إلى عمرو بن العاص، فقالا: طهِّرنا. ولم أشعر أنا،
(1) في «تاريخه» (5/ 455).
وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 324) من طريق أبي اليَمَان، به.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 232 رقم 17047) وعمر بن شبَّة في «أخبار المدينة» (3/ 841) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 289) والبيهقي (8/ 312 - 313) من طريق الزهري، به.
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «شعيب بن دينار» ، وكذا ورد في الطبعة التي حققها الدكتور بشار عواد معروف (3/ 482)، ودينار هو: اسم والد شعيب.
فذَكَر لي أخي أنه قد سَكِرَ، فقلت: ادخل الدَّار أُطهِّرك، فآذنني أنه قد أَعلَمَ عَمرا، فقلت: / (ق 266) والله لا يُحلَقُ على رءوس الناس، ادخل أَحلِقُكَ -وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدِّ- قال: فحَلَقتُهُ بيدي، ثم جَلَدهم عمرو، فسَمِعَ بذلك عمرُ، فكَتَب أن ابعث إليَّ بعبد الرحمن على قَتَب، ففعل، فلما قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ثم أرسَلَه، فلبِثَ شهرًا صحيحًا، ثم أصابه قَدَرُهُ، فيَحسَبُ عامَّة الناس أنه مات من جَلْد عمر، فلم يمت من جَلْدِهِ.
هذا إسناد صحيح، والسياق الأوَّل حسن.
وفيه دلالة على جواز الزيادة على الحدِّ بما يراه الإمام زاجرًا من حَلْق شَعْر أو تغريب، وأما إعادة عمر الحدَّ على ابنه فيحتمل أنه أكمل له ثمانين (1)،
كما رواه مسلم (2)، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب استشارهم في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين، فأمر به عمرُ رضي الله عنه.
وروى -أيضًا- (3)، عن علي رضي الله عنه أنه لما جَلَد الوليد بن عُقبة أربعين بين يَدَي عثمان قال: جَلَد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمرُ
(1) وقال البيهقي: والذي يشبه أنه جَلَده جَلْد تعزير، فإن الحدَّ لا يعاد، والله أعلم.
وقال ابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 184): ولا ينبغي أن يُظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولاً، فظن أن ما شرب منه لا يُسكر، وكذلك أبو سِروعة، فلما خَرَج الأمر بهما إلى السُّكر طلبا التطهير بالحدِّ، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبًا لله تعالى على أنفسهما المفرطة، أسلماها إلى إقامة الحدِّ، وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبًا لا حدًّا.
(2)
تقدَّم تخريجه (ص 271) تعليق رقم 3
(3)
تقدَّم تخريجه (ص 271) تعليق رقم 2
ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحبُّ إليَّ.
فقوله: وكُلٌّ سُنَّة: دليل على تسويغ ذلك، ويحتمل أنه ثنَّاه عليه لأجل أنه قريبه، فإنَّه كان قد تقدَّم في أوَّل ولايته إلى أهله أنهم لا يأتون شيئًا مما نهى الناس عنه إلا أضعف لهم العقوبة (1).
وهذا هو الظاهر، لقول عبد الله بن عمرَ: فلمَّا قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ومرادُ عمرَ أنَّ وَلَدَهُ لا يختصُّ في حدود الله من بين الناس بمزية، وإلا فلو رأى الإمامُ أن يُقيمَ الحدَّ على شارب الخمر في البيت كان له ذلك.
(722)
كما رواه البخاري (2): عن قتيبة، عن عبد الوهاب، عن
(1) يشير إلى: ما أخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 343 رقم 20712) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 751) من طريق يونس بن يزيد. كلاهما (معمر، ويونس) عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا نهى الناس عن شيء دخل إلى أهله -أو قال: جَمَع- فقال: إنيِّ نهيت عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطَّير إلى اللَّحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هِبتُم هابُوا، وإنِّي والله لا أُوتَى برجل منكم وقع في شيء ممَّا نهيتُ عنه الناسَ إلا أضعفت له العقوبة لمكانه منيِّ، فمن شاء فليتقدَّم، ومَن شاء فليتأخَّر.
وهذا إسناد صحيح.
وله طريق أخرى: أخرجها البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 222) عن مصعب بن عبد الله الزبيري، عن أبيه، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب صعد المنبر، واجتمع الناس إليه من نواحي المدينة، فعلَّمهم، وأمرهم، ونهاهم، وتوعَّدهم، ثم أتى أهلَه، فقال: قد سمعتم، وإن أتى أحدٌ منكم شيئًا مما نهيت عنه، أضعفت له العقوبة.
وهذا إسناد صحيح.
(2)
في «صحيحه» (12/ 64 رقم 6774 - فتح) في الحدود، باب من أمر بضرب الحد في البيت.
أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عُقبة بن الحارث قال: جيء بالنُّعيمان -أو: ابن النُّعيمان- شاربًا، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن كان في البيت أنْ / (ق 267) يضربوه، فكنتُ فيمن ضَرَبه بالنِّعال.
أثر آخر
(723)
قال أبو عبيد (1): ثنا أبو النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن عمرَ: أنه أُتي بشارب، فقال: لأبعثنَّكَ إلى رجلٍ لا تأخذُهُ فيك هَوَادةٌ، فبعث به إلى مُطيع بن الأسود العَدَوي، فقال: إذا أصبحتَ غدًا، فاضْرِبْهُ الحدَّ. فجاء عمرُ، وهو يضربه ضربًا شديدًا، قال: قَتَلتَ الرَّجلَ! كم ضربتَه؟ قال: ستين. فقال: أَقِصَّ عنه بعشرين.
قال أبو عبيد: معناه: اجعل شدَّة هذا الضرب الذي ضَرَبتَه قصاصًا بالعشرين التي بقيت.
قال: وفي هذا الرِّفق بالشَّارب، كما سَمِعتُ محمد بن الحسن يقول.
قال: وكذلك القاذف، وأمَّا الزَّاني
…
(2).
قال: والتعزير أشدُّ الضرب.
وفيه: أنه
…
(3) حتى أفاق، لهذا قال: إذا أصبحتَ غدًا
…
(4).
(1) في «غريب الحديث» (4/ 204).
(2)
في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «وأمَّا الزَّاني؛ فإنَّه أشدُّ ضَربًا منهما» .
(3)
في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «أنه لم يضربه في سُكره» .
(4)
في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «إذا أصبحتَ غدًا فاضربه الحدَّ» .
أثر آخر
(724)
قال ابن أبي الدُّنيا (1): حدثني يعقوب بن عُبيد، ثنا يزيد، أنا حماد بن سَلَمة، عن سمَاك، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن عبد الله بن عمرَ قال: كنَّا مع عمرَ في مسير، فأبصر رجلاً يُسرِعُ في مسيره، فقال: إنَّ هذا الرَّجلَ يريدنا، فأناخ، ثم ذهب لحاجته، وجاء الرَّجل فبكى، وبكى عمر، وقال: ما شأنُك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي شربتُ الخمر، فضَرَبني أبو موسى، وسوَّد وجهي، وطاف بي، ونهى الناسَ أن يجالسوني، فهَمَمتُ أن آخُذَ سيفي فأضربُ به أبا موسى، وآتيك، فتحوِّلني إلى دارٍ لا أُعرَفُ فيه، أو ألحقُ بأرض الشِّرك، فبكى عمرُ، وقال: ما يَسرُّني أنَّك لَحِقتَ بأرض الشِّرك وأنَّ لي كذا وكذا، وقال: إنْ كنتُ لمِن أشرب الناس للخمر في الجاهلية، ثم كَتَب إلى أبي موسى: إنَّ فلانًا أتاني، فذَكَر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا، فمُرِ الناسَ أن يجالسوه، وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادتَه. وكَسَاه، وأمر له بمائتي درهم.
وهذا إسناد جيد.
(1) لم أقف عليه في مظانه من مصنَّفاته المطبوعة، وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 814) والبيهقي (10/ 214) والمبارك بن عبد الجبار الطُّيوري في «الطُّيوريَّات» (ص 155 رقم 267) من طريق حماد بن سَلَمة، به.