الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر في الشهادة على القذف، وقصَّة أبي بَكرة وزياد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم
(778)
قال أبو بكر بن أبي شيبة (1): ثنا أبو أسامة، عن عَوف، عن قَسَامة بن زُهَير قال: لمَّا كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان
…
، فذَكَر الحديث. قال: فدعا الشُّهود، فشهد أبو بَكرة وشِبل بن مَعبد وأبو عبد الله نافع، فقال عمرُ حين شهد هؤلاء الثلاثة شقَّ على عُمرَ شأنُه (2)، فلما قام زياد، قال: لن يشهدَ -إن شاء الله- إلا بحقٍّ. قال زياد: أما الزِّنى فلا أشهد به، ولكن قد رأيتُ أمرًا قبيحًا. قال عمرُ: الله أكبر، حُدُّوهم. فجَلَدهم (3). قال: فقال أبو بَكرة بعد ما ضَرَبه: أشهد أنه زانٍ. فَهَمَّ عمر أن يُعيدَ عليه الحدَّ، فنهاه عليٌّ، وقال: إنْ جَلَدتَه، فارجُم صاحبَك. فتركه ولم يَجلِده.
/ (ق 299) طريق أخرى
(779)
قال الحافظ أبو بكر البيهقي (4): أنا الحاكم، أنا أبو الوليد
(1) في «المصنَّف» (5/ 539 رقم 28815) في الحدود، باب في الشهادة على الزنى، كيف هي؟
وفي إسناده: قَسَامة بن زُهَير، وهو ثقة، إلا أنه لم يُدرك القصة، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين.
(2)
قوله: «فقال عمرُ حين شهد هؤلاء الثلاثة شقَّ على عُمرَ شأنُه» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فقال عمرُ حين شهد الثلاثة: أَودَ المغيرةَ أربعةٌ، وشَقَّ على عُمرَ شأنُه جدًّا» .
(3)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فجَلَدوهم» .
(4)
في «السُّنن الكبرى» (8/ 235).
وفي إسناده: عبد الرحمن بن جَوشَن، وهو ثقة، إلا أنه من الطبقة الثالثة، وهشيم مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع.
الفقيه، أنا أبو القاسم البغوي (1)، ثنا عبد الله بن مُطيع، عن هشيم، عن عيينة بن عبد الرحمن بن جَوشَن، عن أبيه، عن أبي بَكرة
…
، فذَكَر القصَّة، كما تقدَّم.
(780)
وقال علي بن زيد بن جُدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة: أنَّ أبا بَكرة وزيادًا ونافعًا وشِبل بن مَعبد كانوا في غرفة، والمغيرة في أسفل الدَّار، فهبَّت ريحٌ، ففتحت البابَ، ورفعت السِّترَ، فإذا المغيرة بين رجليها، فقال بعضهم لبعض: قد ابتُلينا
…
، فذَكَر القصَّة. قال: فشهد أبو بَكرة ونافع وشِبل، وقال زياد: لا أدري، أنكحها أم لا؟ فجَلَدهم عمرُ رضي الله عنه إلا زيادًا. فقال أبو بَكرة رضي الله عنه: أليس قد جَلَدتموني؟ قال: بلى، قال: فأنا أشهد بالله لقد فعل. فأراد عمرُ أن يَجلِدَه -أيضًا-. فقال عليٌّ: إن كانت شهادةُ أبي بَكرة شهادةَ رجلين فارجُمْ صاحبَك؛ وإلَاّ فقد جَلَدتموه (2).
(1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ثنا ابن بنت أحمد بن مَنيع» .
(2)
ومن هذا الوجه: أخرجه البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 301) عن عمرو بن محمد النَّاقد، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، به.
وفي إسناده: ابن جُدعان، وهو ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب» .
وللقصة طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق (7/ 384 رقم 13566) عن الثوري. وابن أبي شيبة (9/ 428 رقم 29297 - ط مكتبة الرشد) في الحدود، باب في الشهادة على الزنى، كيف هي؟ عن ابن عُليَّة. كلاهما (الثوري، وابن عُليَّة) عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النَّهدي قال: شهد أبو بَكرة ونافع وشِبل بن مَعبد على المغيرة بن شعبة أنهم نظروا إليه، كما ينظرون إلى المرود في المكحلة. قال: فجاء زياد، فقال عمرُ: جاء رجلٌ لا يشهدُ إلا بالحقِّ. قال: رأيتُ مجلسًا قبيحًا وانبهارًا. قال: فجَلَدهم عمرُ الحدَّ.
ولفظ ابن أبي شيبة: لما شهد أبو بَكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد، فقال له عمر: رجلٌ لن يشهد -إن شاء الله- إلا بحق، قال: رأيت انبهارًا ومجلسًا سيئًا. فقال عمرُ: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟ قال: لا. قال: فأمر بهم فجُلدوا.
قال الحافظ في «الفتح» (5/ 256): وإسناده صحيح.
وقد أورد هذه القصة البخاري في «صحيحه» (5/ 255 - فتح) في الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، تعليقًا، بصيغة الجزم، فقال: وجَلَد عمرُ أبا بَكرة وشِبل بن مَعبد ونافعًا بقذف المغيرة، ثم استتابهم، وقال: مَن تاب قَبِلتُ شهادتَه.
يعني: لا يُجلَد ثانيًا بإعادة القذف.
طريق أخرى
(781)
وقال الشافعي (1): أنا سفيان بن عيينة، سَمِعتُ الزهري يقول: زَعَم أهل العراق أنَّ شهادة القاذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لأبي بَكرة: تُبْ نَقبلُ شهادتَك. أو: إن تُبتَ قَبِلتُ شهادتَك.
ثم حكى الشافعي عن ابن عيينة أنه شك في روايته، فاحتشم عنه الشافعي (2)، فكان يَرويه بَعدُ عمَّن يثق به عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمرَ لمَّا جَلَد الثلاثة استتابهم، فرجع اثنان، فَقَبِلَ شهادتَهما، وأَبَى أبو بَكرة أن يرجع، فردَّ شهادتَه.
(1) في «الأم» (7/ 26).
(2)
لكن قال الحافظ في «تغليق التعليق» (3/ 378): وقد رواه أحمد بن شيبان الرملي والحسن بن محمد الزعفراني عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيّب من غير شك. اهـ.
قلت: وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (18/ 76) عن أحمد بن حماد الدولابي. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/ 359) عن يونس بن عبد الأعلى. والبيهقي (10/ 152) من طريق أحمد بن شيبان. ثلاثتهم عن ابن عيينة، به. ولفظه: أنَّ عمرَ قال لأبي بَكرة: إن تُبتَ قَبِلتُ شهادتَك. أو قال: تُبْ تُقبلُ شهادتُك.
وهكذا رواه محمد بن إسحاق (1)، عن الزهري / (ق 300) قال: وكان أفضلَ القوم.
ورواه الأوزاعي (2)، عن الزهري، كذلك.
قال البيهقي (3):
ورواه محمد بن يحيى الذُّهْلي، عن أبي الوليد، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، به.
وهذه طرق صحيحة عن عمرَ رضي الله عنه وأرضاه.
فأما قبول رواية أبي بَكرة فمجمع عليه (4).
(1) ومن طريقه: أخرجه الطبري في «تفسيره» (18/ 76) وابن عساكر في «تاريخه» (62/ 215) ولفظه: أنَّ عمرَ بن الخطاب ضَرَب أبا بَكرة وشِبل بن مَعبد ونافع بن الحارث بن كِلدة حَدَّهم، وقال لهم: مَن أكذبَ نفسَه أجزتُ شهادتَه فيما استُقبل، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادتَه. فأكذبَ شِبلٌ نفسَه ونافعٌ، وأَبَى أبو بَكرة أن يفعلَ.
(2)
علَّقها البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 265).
(3)
في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 265).
ووَصَله عمر بن شبَّة في «أخبار البصرة» ، كما في «الفتح» (5/ 256): ولفظه: أنَّ عمرَ حيث شهد أبو بَكرة ونافع وشِبل على المغيرة، وشهد زياد على خلاف شهادتهم، فجَلَدهم عمرُ واستتابَهم، وقال: مَن رجع منكم عن شهادتِه قَبِلتُ شهادتَه. فأَبَى أبو بَكرة أن يرجع.
(4)
قال الحافظ: وقد حكى الإسماعيلي في «المدخل» : أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بَكرة في عدَّة مواضع؟ وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية، وأن الشهادة يُطلب فيها مزيد تثبت لا يُطلب في الرواية، كالعَدَد والحرية وغير ذلك.
واستنبط المهلَّب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطًا في قبول توبته؛ لأن أبا بَكرة لم يكذب نفسه، ومع ذلك فقد قَبِلَ المسلمون روايتَه وعملوا بها.
وانظر لزامًا: رسالة العلَاّمة عبدالمحسن العبَّاد: «الدفاع عن الصحابي أبي بَكرة ومروياته» ، و «بذل النصرة في الذبِّ عن الصحابي الجليل أبي بَكرة» للشيخ حاي بن سالم الحاي.
تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا الحافظ المزِّي.