الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تفسير سورة النساء
(809)
قال الحافظ أبو يعلى (1):
ثنا أبو خيثمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن المُجالِد بن سعيد، عن الشَّعبي، عن مسروق قال: رَكِبَ عمرُ بن الخطاب منبرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناسُ، ما إكثارُكم في صُدُق النساء، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وإنَّما الصُّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الإكثارُ في ذلك تقوًى عند الله، أو مَكرمةً لم تَسبِقوهم إليها، فلا أَعرِفَنَّ وما زاد (2) رجل في صداق امرأة / (ق 308) على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل، فاعتَرَضَته امرأةٌ من قريش، فقالت له: يا أميرَ المؤمنين، نَهَيتَ الناسَ أنْ يزيدوا النساءَ في صَدُقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعتَ ما أنزل اللهُ في القرآن؟ قال: وأيُّ ذلك؟ فقالت: أَمَا سمعتَ اللهَ يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (3). قال: فقال: اللهم غُفرَا، كلُّ الناس أفقهُ من عمرَ. قال: ثم رجع، فركب المنبرَ، فقال: أيُّها الناسُ، إنِّي كنتُ نهيتكم أنْ تزيدوا النساءَ في صُدُقهنَّ على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يُعطِيَ من مالِهِ ما أحبَّ.
(1) لم أجده في المطبوع من «مسنده» ، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 334 رقم 757 - رواية ابن المقرئ).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (3/ 116 رقم 4064) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 370 - 371 رقم 371) من طريق ابن إسحاق، به.
(2)
ضبَّب المؤلِّف على هذا الموضع إشارة إلى وجود سقط. وعند ابن أبي خيثمة: «فلأعرفن ما زاد» .
(3)
النساء: 20
قال أبو يعلى: وأظنُّه قال: فمن طابت نفسُهُ، فليفعل.
هذا حديث جيِّد الإسناد، حسنه (1)،
ولم يخرِّجوه.
(1) في هذا نظر؛ والصواب أنه معلّ، وممن أعلَّه الشيخ الألباني في مقال نُشِر له قديمًا في «مجلة التمدُّن الإسلامي» ، وقد ورد بنصِّه ضمن «مقالات الألباني» (ص 141)، ونظرًا لنفاسته فقد أوردته بتمامه، قال رحمه الله: وفي هذا السَّند علل:
1 -
ضَعف مُجالِد بن سعيد، ولا أريد أن أطيل على القُرَّاء بذكر أقوال العلماء في تضعيفه، وإنما أقتصر على ذكر قول حافظين من الحفَّاظ المتأخرين المحيطين بأقوال المتقدِّمين، وهما الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني، فقال الأوَّل في «الميزان»: فيه لين. وقال الحافظ العسقلاني في «التقريب» : ليس بالقوي، وقد تغيَّر في آخر عمره.
2 -
الاختلاف في سنده، فقد رواه ابن إسحاق، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن مسروق، كما تقدَّم. وخالَفَه هشيم، فقال: حدثنا مُجالِد، عن الشَّعبي قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب
…
أخرجه البيهقي (7/ 233) وقال: هذا منقطع.
قلت: وذلك لأنَّ الشَّعبي -واسمه: عامر بن شراحيل- لم يَسْمع من عمرَ، وإدخال ابن إسحاق بينهما مسروقًا؛ ممَّا لا يطمئن القلب له، لتفرُّد ابن إسحاق به، وقد عَلِمَ كلُّ مشتغل بهذا الفنِّ أنَّ في تفرُّده نكارة، قال الذهبي في خاتمة ترجمته: حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإنَّ في حفظه شيئًا.
قلت: وقد خالَفَه هشيم، وهو ثقة ثبت، كما في «التقريب» ، وهو قد أرسَلَه، فروايته هي المعتمدة.
وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ في إسناد هذه القصَّة علَّتين: ضَعْف مُجالِد، والانقطاع.
وإذا كان الأمر كذلك، فقول الحافظ ابن كثير: إسناده جيد قوي. غير قويٍّ، بل هو سهو منه رحمه الله، لا يجوز لمن تبيَّن له أن يقلِّده، لا سيَّما مع إعلال الحافظ البيهقيِّ إيَّاه بالانقطاع، وإذا تبيَّن هذا التحقيق للقارئ الكريم، وتذكَّر أنَّ خُطبة عمرَ هذه وردت عنه من خمسة طرق، ليس فيها قصَّة المرأة، عرف حينئذ أنها ضعيفة منكرة لا تصح.
وممَّا يؤيِّد ذلك: ما أخرجه البيهقي من طريق بكر بن عبد الله المُزَني قال: قال عمرُ بن الخطاب: لقد خرجتُ وأنا أَريد أن أنهى عن كثرة مُهُور النساء حتى قرأتُ هذه الآية: {وآتيتم إحداهن قنطارا} .
وقال البيهقي: هذا مرسل جيد. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: وهو أصحُّ من مرسل ابن إسحاق، لأنَّ رجاله كلَّهم ثقات، وهو بظاهره يُبطل قصة المرأة، لأنه يدل على أنَّ تراجع عمرَ رضي الله عنه عمَّا هَمَّ به من النهي إنما كان بقراءته الآية قبيل خروجه إلى الناس، بينما القصة تقول: إنَّ تراجعَه إنما كان بعد خروجه وتذكير المرأة إيَّاه بالآية!
وعلى كلِّ حال؛ فهذان مرسَلان لا يصحَّان لإرسالهما، وللتعارض الذي بينهما، ومخالفتهما لسائر طرق الحديث عن عمرَ التي أَطَبقت على أنَّ عمرَ نهى عن التَّغالي في المهور، ولم تذكر أنه رجع عن ذلك.
وليس في نهي عمرَ عن ذلك ما ينافي السُّنَّة حتى يتراجعَ عنه، بل فيها ما يشهد، فقد صحَّ عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي تزوجتُ امرأةً من الأنصار، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«هل نَظَرتَ إليها، فإن في عيون الأنصار شيئًا؟» ، قال: قد نَظَرتُ إليها، قال:«على كم تزوجتَها؟» ، قال: أربع أواق. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «على أربع أواق؟! كأنَّما تنحتون الفضَّة من عُرض هذا الجبل» . رواه مسلم.
وإذا تبيَّن أنَّ نهي عمرَ رضي الله عنه عن التَّغالي في المهور موافق للسُّنَّة، وحينئذ يمكن أن نقول: إنَّ في القصَّة نكارة أخرى تدلُّ على بطلانها، وذلك أنَّ نهيه ليس فيه ما يخالف الآية حتى يتسنى للمرأة أن تعترض عليه، ويسلِّم هو لها ذلك؛ لأن له رضي الله عنه أن يجيبها على اعتراضها -لو صحَّ- بمثل قوله: لا منافاة بين نهيي وبين الآية من وجهين:
الأوَّل: أنَّ نهيي موافق للسُّنَّة، وليس من باب التحريم، بل التنزيه.
الآخر: أنَّ الآية وَرَدت في المرأة التي يريد الزَّوج أن يطلِّقها، وكان قدَّم لها مهرًا، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئًا دون رضاها مهما كان كثيرًا، فقد قال تعالى:{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} ، فالآية وَرَدت في وجوب المحافظة على صداق المرأة وعدم الاعتداء عليه، والحديث وما في معناه ونهي عمرَ جاء لتلطيف المهر وعدم التَّغالي فيه، وذلك لا ينافي بوجه من الوجوه عدم الاعتداء على المهر بحكم أنه صار حقًّا لها بمحض اختيار الرَّجل، فإذا خالف هو، ووافق على المهر الغالي، فهو المسؤول عن ذلك دون غيره.
وبعدُ، فهذا وجه انشرح له صدري لبيان نكارة القصَّة من حيثُ متنها، فإنْ وافق ذلك الحقَّ؛ فالفضل لله، والحمد له على توفيقه، وإنْ كان خطأً؛ ففيما قدَّمنا من الأدلة على بيان ضعفها من جهة إسنادها كفاية، والله سبحانه وتعالى الهادي. انتهى كلامه رحمه الله.
وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 238).
وقد تقدِّم في كتاب النكاح (1) من حديث أبي العَجْفاء السُّلمي، عن عمرَ، نحوه.
طريق أخرى
(810)
قال الزُّبير بن بكَّار (2): حدَّثني عمِّي مصعب بن عبد الله، عن جدِّي قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مُهُور النساء، وإن كانت بنت ذي القُصَّة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد أَلقيتُ الزيادةَ في بيت المال. فقالت امرأةٌ من صُفَّة النساء، طويلةٌ، في أنفها فَطَس: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت: لأنَّ الله تعالى قال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (3) الآية. / (ق 309) فقال عمرُ رضي الله عنه: امرأةٌ أصابت، ورجلٌ أخطأ.
(1)(2/ 60 - 64 رقم 527 - 529).
(2)
عزاه السُّيوطي في «الدر المنثور» (2/ 466) للزُّبير بن بكَّار في «الموفَّقيات» ، ولم أجده في المطبوع منه.
وله طريق أخرى: أخرجها ابن المنذر في «تفسيره» ، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 467) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن قيس بن الربيع، عن أبي حَصين، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي قال: قال عمرُ بن الخطاب: لا تُغالوا في مُهُور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمرُ، إنَّ اللهَ يقول:{وآتيتم إحداهن قنطارا} . فقال عمرُ: إنَّ امرأةً خاصَمَت عمرَ فخَصَمته.
وهذا ضعيف -أيضًا-؛ لضعف قيس بن الربيع، وأبو عبد الرحمن السُّلمي لم يَسْمع من عمر. قاله ابن معين وأبو حاتم. انظر:«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 107 رقم 385) و «الجرح والتعديل» (5/ 37 رقم 164).
(3)
النساء: 20
فيه انقطاع.
تقدَّم في كتاب الطهارة (1) قول عمر رضي الله عنه: قُبلةُ الرَّجل امرأتُه وجسُّها بيده من اللِّماس.
(1)(1/ 132 رقم 13).