الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سورة الحشر
وكان ابن عباس يقول: سورة بني النَّضير (1).
(878)
قال أبو داود رحمه الله (2): حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس -المعنى واحد- قالا: حدثنا بِشر بن عمر الزَّهراني، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس قال: أَرسَلَ إليَّ عمرُ حين تعالى النَّهار، فجئتُهُ، فوَجَدتُهُ جالسًا على سرير، مُفضِيًا إلى رمالِهِ (3)، فقال حين دَخَلتُ عليه: يامَالْ (4) / (ق 337) إنَّه قد دَفَّ أهلُ أبياتٍ (5) من قومِك، وقد أَمَرتُ فيهم بشيء، فاقسِم فيهم، قلتُ: لو أَمَرتَ غيري بذلك؟ فقال: خُذه.
فجاءه يَرْفَأُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في عثمانَ بن عفَّان وعبد الرحمن بن عوف والزُّبيرِ بن العوَّام وسعدِ بن أبي وقاص؟ قال: نعم. فأَذِنَ لهم، فدخلوا.
(1) أخرجه البخاري (7/ 329 رقم 4029) في المغازي، باب حديث بني النضير، و (8/ 629 رقم 4883 - فتح) في التفسير، باب منه.
(2)
في «سننه» (3/ 441 رقم 2963) في الخراج والإمارة، باب صَفَايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال.
(3)
رِماله: ضبطها المؤلِّف بكسر الراء، وضبطها ابن الأثر بالضم، والرُّمال: ما رُمِلَ، أي: نُسِجَ، والمراد: أنَّ السَّرير قد نُسِجَ وجهه بالسَّعَف، ولم يكن على السَّرير وطاء سوى الحصير. «النهاية» (2/ 265).
(4)
بكسرِ الراء وضمِّها، وهو ترخيم: يامالك.
(5)
دَفَّ أهل أبيات: أي قَدِمَ عليهم جماعة يدفُّون للنُّجعة وطلب الرِّزق. «أساس البلاغة» للزمخشري (1/ 276).
ثم جاءه يَرْفَأ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في العبَّاسِ وعليٍّ؟ قال: نعم، فأَذِنَ لهم (1)، فدخلوا. فقال العبَّاس: يا أميرَ المؤمنين، اقض بيني وبين هذا -يعني: عليًّا-، فقال بعضهم: أَجَل، يا أميرَ المؤمنين، فاقضِ بينهما، وأَرِحْهُما. -قال مالك بن أوس: خُيِّل إليَّ أنَّهما قَدَّما أولئك النَّفر لذلك-. فقال عمرُ رضي الله عنه: اِتَّئِدَا (2)، ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ» ؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على عليٍّ والعبَّاس-رضي الله عنهما، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ» ؟ فقالا: نعم. قال: فإنَّ الله خَصَّ رسولَه بخاصةٍ لم يَخُصَّ بها أحدًا من الناس، فقال:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) / (ق 338) فكان اللهُ عز وجل أفاء على رسوله بني النَّضير، فوالله ما استأثَرَ بها عليكم، ولا أخذها دونَكم، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقةَ سَنَة، أو نفقتَه ونفقةَ أهله سَنَة، ويجعلُ ما بقي أسوةَ المال.
ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على العبَّاس وعليٍّ، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ ذلك؟ قالا: نعم.
(1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: كذا.
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «اِتّئدوا» ، والمعنى: تمهَّلوا.
(3)
الحشر: 7
فلمَّا تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجئتَ أنت وهذا إلى أبي بكر تطلبُ أنت ميراثَك من ابن أخيك، ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتِهِ من أبيها، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا نُورثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ» ، والله يعلم أنَّه صادقٌ بارٌّ راشدٌ، متابعٌ للحقِّ، فوَلِيَهَا أبو بكرٍ، فلمَّا توفِّي، قلتُ: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووَلِيُّ أبي بكرٍ رضي الله عنه، فوُلِّيتُها ما شاء اللهُ أن أَلِيَهَا، فجئتَ أنت وهذا وأنتما جميع، وأمرُكما واحدٌ، فسَأَلتُمَانِيها، فقلتُ: إنْ شئتُما أن أدفعَها إليكما على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تَلِيَاهَا بالذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَلِيَهَا، فأخذتماها منيِّ على ذلك، ثم جئتُماني لأَقضِيَ بينكما بغير ذلك؟! والله لا أقضي بينكما / (ق 339) بغير ذلك حتى تقومَ الساعة، فإن عَجِزتُما عنها، فرُدَّاها إليَّ (1).
وقد أخرجه بقيَّة الجماعة إلا ابن ماجه (2)، من طرق عن الزهري، به.
(1) فائدة: قال أبو داود: إنمَّا سألاه أن يكونَ يُصيِّره بينهما نصفين، لا أنهما جَهِلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ» ، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمرُ: لا أوقعُ عليه اسم القَسم، أدعه على ما هو عليه. انظر:«عون المعبود» (8/ 184).
(2)
أخرجه البخاري (6/ 93، 197 رقم 2904، 3094) في الجهاد والسير، باب المجن ومن يتَّرس بتُرس صاحبه، وفي فرض الخمس، باب فرض الخمس، و (7/ 334 رقم 4033) في المغازي، باب حديث بني النضير، و (9/ 629 رقم 4885) في التفسير، باب قوله:{ما أفاء الله على رسوله} ، و (9/ 501، 502 رقم 5357، 5358) في النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، و (12/ 6 رقم 6728) في الفرائض، باب قول النبيِّ: لا نورث، ما تركنا صدقة، و (13/ 277 رقم 7305 - فتح) في الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، ومسلم (3/ 1376 رقم 1757) في الجهاد، باب حكم الفيء، والترمذي (4/ 135 رقم 1610) في السِّير، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنسائي في «سننه الكبرى» (6/ 98 - 100 رقم 6273 - 6276 - ط مؤسسة الرسالة).
ثم قال أبو داود (1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن عَبدة -المعنى- أنَّ سفيان بن عيينة أخبَرَهما عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ قال: كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أفاء اللهُ على رسوله، ممَّا لم يُوجِفُ المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصًا، يُنفِقُ على أهل بيته -قال ابن عَبدة: يُنفِقُ على أهله- قوتَ سَنَته، فما بقي جَعَله في الكُرَاع (2)، والسِّلاح، عُدَّةً في سبيل الله -
قال ابن عَبدة: في الكُراع والسِّلاح-.
وأخرجوه -أيضًا- من حديث الزهري.
(879)
ثم قال أبو داود (3): ثنا مُسدَّد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن الزهري (4) قال: قال عمرُ رضي الله عنه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} . قال الزهري: قال عمرُ: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، قُرًى عربيةً، وكذا وكذا (5)، ممَّا أفاء اللهُ على رسوله من أهل القرى، فلله، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم
(1) في «سننه» (3/ 444 رقم 2965) في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
الكُرَاع: اسم لجميع الخيل. «النهاية» (4/ 165).
(3)
(3/ 444 رقم 2966) في الموضع السابق.
(4)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الزهري وعمر.
(5)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فَدَك، وكذا وكذا» .
وأموالهم، والذين تبوَّؤا الدَّار والإيمان / (ق 340) من قبلهم، والذين جاءوا من بعدهم، فاستَوعَبَتْ هذه الناسَ، فلم يَبقَ أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌّ -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعض مَن تملِكون من أرقَّائكم.