الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر آخر في دفع الصَّائل
(617)
قال علي بن حرب: ثنا سفيان بن عيينة (1)،
عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عُبيد بن عُمَير: أنَّ رجلاً ضاف ناسًا من هُذَيل، فذَهَبت جاريةٌ لهم تَحتَطِبُ، فأرادَها على نفسِها، فَرَمَتهُ بِفِهْرٍ (2)، فقَتَلتْهُ، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ، فقال: ذاك قتيلُ اللهِ، والله لا يُودَى أبدًا.
ورواه صالح بن كيسان (3)، عن الزهري، عن القاسم، ولم يَذكر عُبيد بن عُمَير، نحوه.
وهو إسناد جيد، وفيه انقطاع (4)، والله أعلم.
(1) وهو في «جزئه» (ص 79 رقم 15 - رواية زكريا المروزي).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (5/ 438 رقم 27784) في الديات، باب في الرجل يريد المرأة على نفسها، وأبو جعفر ابن البَختري (ص 321 - 322 رقم 411 - مجموع فيه مصنَّفات ابن البَختري) والبيهقي (8/ 337) من طريق ابن عيينة، به.
وأخرجه عبد الرزاق (9/ 435 رقم 17919) عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: أحسبه عن عُبيد بن عُمَير
…
، فذكره.
(2)
الفِهْر: الحَجَر ملء الكفِّ. وقيل: الحجر مطلقًا. «النهاية» (3/ 481).
(3)
ومن هذا الوجه: أخرجه أبو محمد السرَّاج في «مصارع العشاق» (ص 69) من طريق عبيد الله بن سعد الزهري، عن عمِّه، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، به.
(4)
يعني: بين القاسم بن محمد وعمر بن الخطاب، وأما الوجه الأول بذكر عُبيد بن عُمَير فصحيح، وعُبيد من المخضرمين، وُلِدَ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجمع على ثقته، روى له الجماعة. وانظر:«تهذيب الكمال» (19/ 223 - 225).
وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 17): وهو أثر جيد، رواه البيهقي بإسناد حسن.
أثر آخر في معناه
(618)
قال أحمد بن منصور الرَّمادي (1): ثنا عبد الله بن صالح، حدثني اللَّيث (2) قال: أُتي عمرُ بن الخطاب يومًا بفتًى أمرد، قد وُجِدَ قتيلاً، مُلقًى على وجهِ الطريقِ، فسأل عمرُ عن أمرِهِ واجتَهَدَ، فلم يَقفْ له على خبرٍ، ولم يَعرفْ له قاتلاً، فشقَّ ذلك على عمرَ، وقال: اللهمَّ اظفِرني بقاتلِهِ، حتى إذا كان رأسُ الحَوْلِ، أو قريبٌ من ذلك، وُجِدَ صبيٌّ مولودٌ مُلقًى بموضعِ القتيلِ، فأُتِيَ به عمرُ رضي الله عنه، فقال: ظَفَرتُ بدمِ القتيلِ -إن شاء الله-، فدَفَع الصَّبيَّ إلى امرأةٍ، وقال لها: قومي بشأنِهِ، وخُذي منَّا نفقةً، وانظري مَن يأخذُهُ منكِ، فإذا وَجَدتِ امرأةً تُقبِّله وتضُمُّه إلى صدرِها، فأَعلميني بمكانها. فلمَّا شَبَّ الصبيُّ جاءت جاريةٌ، فقالت للمرأة: إنَّ سيِّدتي بعثتني إليكِ، أنْ تبعثي بالصَّبيِّ لِتَرَاهُ وتَردُّهُ إليكِ، فقالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك، فذَهَبت بالصَّبيِّ والمرأةَ معها، حتى دَخَلتْ على سيِّدتها، فلمَّا رأتْهُ أخذتُهُ فَقَبَّلتْهُ، وضَمَّتْهُ إليها، فإذا ابنةُ شيخٍ من الأنصار من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَخَبَرتْ عمرَ خبرَ المرأةِ، فاشتَمَلَ على سيفِهِ، ثم أَقبَلَ إلى منزلها، فوَجَد أباها مُتكِئًا على بابِ دارِهِ، فقال: يا فلانُ، ما فَعَلتْ ابنتُكَ فلانةٌ؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، جَزَاها اللهُ خيرًا، هي من أعرفِ الناسِ لحقِّ اللهِ، وحقِّ أبيها، مع حُسْنِ صلاتِها، والقيامِ بدينِها. فقال عمرُ: قد أَحبَبتُ أنْ أَدخُلَ إليها وأَزيدَها رغبةً في الخير، وأَحُثَّها على ذلك.
فقال: جَزَاك اللهُ خيرًا يا أميرَ المؤمنين، امكُثْ مكانَكَ حتى أرجعَ إليكَ، فاستأذَنَ لعمرَ، فلمَّا دخلَ أَمَرَ عمرُ كلَّ
(1) ومن طريقه: أخرجه أبو محمد السرَّاج في «مصارع العشاق» (ص 72).
(2)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الليث وعمر.
من كان عندها فخَرَج عنها، وبَقِيتْ هي وعمرَ في البيتِ، ليس معهما أحدٌ، فكَشَفَ عمرُ عن السَّيف، وقال: لَتَصدُقِني -وكان عمرُ رضي الله عنه لا يُكذَّب- فقالت: على رِسْلكَ يا أميرَ المؤمنينَ، فوالله لأَصدُقنَّكَ، إنَّ عجوزًا كانت تَدخلُ عليَّ، فاتَّخذتُها أُمًّا، وكانت تقومُ من أَمري بما تقومُ به الوالدةُ، وكنت لها بمنزلةِ البنتِ، فأَمضَتْ بذلك حينًا، ثم إنها قالت: يا بُنيَّة! إنَّه قد عَرَضَ لي سفرٌ، ولي بنتٌ في موضعٍ أتخوَّفُ عليها فيه أنْ تضيعَ، وقد أَحبَبتُ أن أَضمُّها إليكِ حتى أرجعَ من سفري، فعَمَدَت إلى ابنٍ لها شابٍّ أمردَ، فهَيَّأتْهُ كهيأةِ الجاريةِ، فأتتني به، لا أَشكُّ أنَّه جاريةٌ، فكان يرى منِّي ما ترى الجاريةُ من الجارية، حتى اغتَفَلني يومًا وأنا نائمةٌ، فما شَعَرتُ حتى عَلَاني وخَالَطَني، فمَدَدتُ يدي إلى شَفرةٍ كانت إلى جنبي فقَتَلتُهُ، ثم أَمَرتُ به، فأُلقِيَ حيثُ رأيتَ، فاشتَمَلتُ منه على هذا الصَّبيِّ، فلمَّا وَضَعتُهُ أَلقَيتُهُ في موضعِ أبيه، فهذا واللهِ خَبَرُهُما على ما أَعلَمتُكَ. قال عمرُ: صَدَقتِ، باركَ اللهُ فيكِ، ثم أوصاها وَوَعَظَها، ودعا لها وخَرَج، وقال لأبيها، باركَ اللهُ لكَ في ابنتِكَ، فنِعْمَ الابنةُ ابنتُكَ، وقد وَعَظتُها وأَمَرتُها، فقال الشيخ: وَصَلكَ اللهُ يا أميرَ المؤمنينَ، وجَزَاك خيرًا عن رعيتِكَ.
هذا أثر غريب، وفيه انقطاع، بل معضل.
وفيه فوائد كثيرة، منها: حَذْقُ عمرَ رضي الله عنه، وحُسْنِ تأنِّيهِ، وجودةُ فراستِهِ.
وفيه: أنَّه يجوز دفع الصَّائل، وأنَّه لا ضمان عليه في قَتْله حيثُ لم يأمر بالدِّية، والله أعلم.