الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر آخر فيمن تزوَّج بامرأة في عِدَّتها
(578)
قال الشافعي (1): أنا مالك (2)،
عن ابن شهاب، وسليمان بن يَسَار (3): أنَّ عمر رضي الله عنه قال: أيُّما امرأةٍ نَكَحتْ في عِدَّتها؛ فإن زوجها (4) الذي تزوَّجها لم يَدخلْ بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّتْ بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخُطَّاب، وإنْ كان دَخَل بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم يَنكِحْها أبدًا.
قال البيهقي (5): إلى هذا ذهب الشافعي في القديم، وخالَفَه في الجديد، لقول عليٍّ (6):
أنها تَحِلُّ له.
(1) في «الأم» (5/ 233).
(2)
وهو في «الموطأ» (2/ 42) في النكاح، باب جامع ما لا يجوز من النكاح.
وصحَّح إسناده المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (2/ 235).
وأعلَّه ابن حزم في «المحلى» (9/ 480) فقال: وجاء هذا عن عمرَ من طرق ليس منها شيء يتَّصل.
وقال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 203): وهذا إسناد صحيح على الخلاف في صحة سماع سعيد بن المسيّب من عمر بن الخطاب، وهو من طريق سليمان بن يَسَار منقطع؛ لأنه ولد بعد موت عمر ببضع سنين.
(3)
قوله: «عن ابن شهاب وسليمان بن يسار» كذا ورد بالأصل. والذي في «الأم» ، و «الموطأ»:«عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يَسَار» .
(4)
قوله: «فإن زوجها» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «الأم» : «فإن كان زوجها» .
(5)
في «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 226).
(6)
روي من عدَّة طرق:
منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 153 رقم 18786) في الطلاق، باب ما قالوا في المرأة تزوج في عِدَّتها
…
، وابن حزم في «المحلى» (9/ 480) من طريق صالح بن مسلم قال: قلت للشعبي: رجلٌ طلَّق امرأتَهُ، فجاء آخر فتزوَّجها، قال: قال عمرُ: يُفرَّق بينهما، وتُكملُ عدَّتَها الأولى، وتَستأنِفُ من هذا عدَّةً جديدةً، ويُجعلُ الصداقُ في بيت المال، ولا يَتزوَّجها الثاني أبدًا، ويصيرُ الأولُ خاطبًا. وقال علي: يُفرَّق بينها وبين زوجها، وتُكملُ عدَّتها الأولى، وتَعتدُّ من هذا عدَّةً جديدةً، ويًجعلً لها الصداقً بما استحلَّ من فَرْجها، ويصيرانِ كلاهما خاطبين.
وهذا منقطع بين الشعبي وعمر، وبه أعلَّه ابن حزم.
ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (6/ 208 رقم 10532) والبيهقي (7/ 441) من طريق ابن جريج، عن عطاء: أن عليَّ بن أبي طالب أُتي بامرأةٍ نكحت في عدَّتها وبُني بها، ففرَّق بينهما، وأمرها أنْ تعتدَّ بما بقي من عدَّتها الأولى، ثم تعتدُّ من هذا عدَّةً مستقبلةً، فإذا انقضت عدَّتها فهي بالخيار، إنْ شاءت نكحت، وإنْ شاءت فلا.
قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 204): وعطاء لا أدري إذا كان سَمِعَ من علي أو لا، وكان عمره حين توفي علي نحو (13) سنة.
وله طريق أخرى: أخرجها الشافعي في «الأم» (5/ 233) -ومن طريقه: البيهقي (7/ 441) - عن يحيى بن حسان، عن جرير، عن عطاء بن السائب، عن زَاذَان أبي عمر، عن علي رضي الله عنه: أنه قَضَى في التي تزوَّج في عدَّتها أنه يفرَّق بينهما، ولها الصداق بما استحلَّ من فَرْجها، وتُكملُ ما أفسدت من عدَّة الأول، وتَعتدُّ من الآخر.
وهذا إسناد ضعيف؛ عطاء بن السائب ممن اختَلَط، ورواية جرير عنه بعد الاختلاط. انظر:«الكواكب النيِّرات» (ص 322).
وأما تصحيح ابن الملقن له في «البدر المنير» (8/ 229) ففيه نظر.
(579)
وقد روى الثوري (1)،
عن أشعث، عن الشَّعبي، عن مسروق: أنَّ عمرَ رَجَع عن ذلك، وجَعَل لها مهرَها، وجَعَلَهما يجتمعان.
(1) في «جامعه» ، كما في «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي (11/ 226).
وهذا الأثر يَرويه أشعث، ومع ضعفه، فقد اضطرب فيه:
فقيل: عنه، عن الشَّعبي، عن مسروق، عن عمرَ!
وقيل: عنه، عن الشَّعبي، عن عمرَ. ليس فيه مسروق!
أما الوجه الأول: فأخرجه البيهقي في «سننه» (7/ 442) من طريق الثوري وهشيم. وابن عبد البر في «الاستذكار» (4/ 479) من طريق ابن المبارك. ثلاثتهم (الثوري، وهشيم، وابن المبارك) عن أشعث بن سوَّار، عن الشعبي، به.
وأما الوجه الثاني: فأخرجه البيهقي (7/ 442) من طريق أسباط بن محمد، عن أشعث، عن الشعبي قال: أُتي عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة تزوَّجت في عدَّتها، فأخذ مهرَها فجعله في بيت المال، وفرَّق بينهما، وقال: لا يجتمعان، وعاقبَهما. قال: فقال عليٌّ رضي الله عنه: ليس هكذا، ولكن هذه الجهالةُ من الناس، ولكن يُفرَّق بينهما، ثم تَستكملُ بقيَّةَ العدَّةِ من الأول، ثم تستقبلُ عدَّةً أخرى، وجعل لها عليٌّ رضي الله عنه المهر بما استحلَّ من فَرْجها. قال: فحَمِدَ اللهَ عمرُ رضي الله عنه وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناسُ، ردُّوا الجهالاتِ إلى السُّنة.
قلت: مداره على أشعث، وهو ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب» ، وقد أعلَّه الدارقطني في «الأفراد» ، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 148) بتفرُّد أشعث بن سوَّار.
لكن له طريق أخرى صحيحة: أخرجها البيهقي (7/ 441) من طريق هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال عمرُ رضي الله عنه في امرأة تزوَّجت في عدَّتها، قال: النكاحُ حرامٌ، والصداقُ حرامٌ، وجَعَلَ الصداقَ في بيت المال، وقال: لا يجتمعانِ ما عاشا.
وأخرج ابن حزم في «المحلى» (9/ 480) من طريق أبي عبيد القاسم بن سلَاّم، نا يزيد (وهو: ابن هارون). والبيهقي (7/ 441) من طريق عبد الوهاب بن عطاء. كلاهما (يزيد، وعبد الوهاب) عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، أو عن عبيد بن نضلة، عن مسروق -شك داود في أحدهما- وقال: رُفع إلى عمرَ امرأةٌ نكحت في عدَّتها، فقال: لو أنكما علمتُما لَرَجمتُكما، فضَرَبَهما أسواطًا، وفرَّق بينهما، وجعل المهرَ في سبيل الله عز وجل، وقال: لا أُجيزُ مهرًا، لا أُجيزُ نكاحَهُ.
قال ابن حزم: عبيد بن نضلة إمام ثقة، ومسروق كذلك، فلانبالي عن أيهما رواه، وقد ثَبَت داود بن أبي هند على أنه عن أحدهما بلا شك.
أما إنكار عمر رضي الله عنه خبر فاطمة بنت قيس في نفي النفقة والسُّكني للمبتوتة، فسيأتي مع الحديث في مسندها، إن شاء الله تعالى (1).
(1) انظر ما تقدم تعليقه (ص 121، تعليق رقم 2).