الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر آخر في قتل المرتدِّ
(619)
قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (1): حدثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما أُتي عمرُ بفتح تُسْتَر، قال: هل كان شيء؟ قال: نعم، رجلٌ من المسلمين ارتدَّ عن الإسلام. قال: فما صنعتُم به؟ قالوا: قَتَلنَاهُ. قال: فهلَاّ أَدخلتُمُوهُ بيتًا، وأَغلقتُم عليه بابًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، فإن تاب؛ و
…
(2) قتلتموه؟ ثم قال: اللهمَّ لم أَشهَدْ، ولم آمُرَ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني.
إسناد جيد.
وهكذا رواه الإمام الشافعي (3)، عن الإمام مالك (4)، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، عن أبيه قال: قَدِمَ على عمرَ رجلٌ من قِبَلِ أبي موسى، فسأله عن الناس؟ فأَخبَرَه، ثم قال: هل فيكم من مُغَرّبةٍ خبرٌ؟ قال: نعم، رجلٌ كَفَرَ بعد إسلامِهِ. قال: فما فعلتُم به؟ قال: قرَّبنَاهُ، فضَرَبنَا عُنُقَهُ. قال: فهلَاّ حَبَستُمُوهُ ثلاثًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، لعلَّه يتوبُ، أو يُراجِعُ (5) أمرَ اللهِ؟! اللهمَّ لم أَحضُرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني.
(1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة.
(2)
موضع كلمة غير واضحة بالأصل.
(3)
في «الأم» (1/ 258).
(4)
وهو في «الموطأ» (2/ 280) في الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام.
(5)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ويُراجع» .
ورواه أبو عبيد (1)، عن إسماعيل بن جعفر (2)، عن عبد الرحمن بن محمد، به.
وقال: مُغَرّبة: بكسر الراء وفتحها، وأصلُه فيما نرى من الغَربِ، وهو البُعد (3).
وفيه دلالةٌ على استتابةِ المرتدِّ، وإنْ كان قد وُلِدَ على الفطرةِ؛ لأنَّه لم يستفصل.
قال: ولم أسمع التَّوقيتَ بثلاثٍ إلا في هذا.
وقد رواه الإمام أحمد (4) من طريق أخرى، بإسناد صحيح (5)، عن أنس بن مالك قال: لما افتَتَحنا تُسْتَر، بعثني الأشعريُّ إلى عمرَ بن الخطاب، فلما قَدِمْتُ عليه قال: ما فَعَلَ البكريُّون، حُجَينةُ وأصحابُهُ؟ قال: فأَخَذتُ به في حديثٍ آخرَ، قال: فقال: ما فَعَلَ النَّفَرُ البَكريُّون؟ قال: فلمَّا رأيتُهُ لا يُقلِعُ، قلتُ: يا أميرَ المؤمنين، ما فَعَلوا! إنهم قَتَلوا، ولَحِقُوا بالمشركين، ارتدُّوا عن الإسلام، وقاتَلوا مع المشركين حتى قُتلوا. قال: فقال: لأنْ أَكونَ أخذتُهُم سِلمًا، كان أحبَّ إليَّ ممَّا على وجهِ
(1) في «غريب الحديث» (4/ 176).
(2)
وهو في «حديثه» (ص 494 رقم 438 - رواية علي بن حُجر).
(3)
وقال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 349): أي: هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد. يقال: هل من مُغرّبة خبر؟ بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما، وهو من الغرب: البعد.
(4)
أخرجه الخلَاّل في «الجامع لأحكام أهل الملل» (ص 420 رقم 1212) عن عبد الله بن الإمام أحمد، عن أبيه، عن هشام، عن داود، عن الشَّعبي قال: أخبرني أنس بن مالك
…
، فذكره.
(5)
وصحَّح إسناده -أيضًا- ابن حزم في «المحلى» (11/ 191).
الأرضِ من صفراءَ أو بيضاءَ. قال: فقلت: وما كان سبيلُهُم لو أخذتَهُم سِلمًا؟ قال: كنتُ أعرِضُ عليهم البابَ الذي خَرَجوا منه، فإن أَبَوا استودعتُهُم السِّجنَ.
وهذا يقتضي أنهم إنما قَتَلوا بعد تمنُّعهم بلحاقهم بالمشركين، فإنه لا يُقتصُّ منهم عند كثيرٍ من العلماء، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وإلا فلو قَتَلوا قبل امتناعِهِم، لوَجَبَ القَصاصُ قولاً واحدًا.
وأما حَبْسهم حتى يُسلِمُوا، ففيه دلالة لمذهب سفيان الثوري ومَن وافَقَه: أنَّ المرتدَّ يستتابُ، ويُنظرُ ما رُجِيَت توبتُه، وهو معنى قول إبراهيم النَّخَعي.
وذهب طاوس وعُبيد بن عُمَير إلى أنَّه يُقتلُ ولا يُستتابُ، لقوله عليه السلام:«مَن بَدَّلَ دينَهُ فاقتلُوه» (1)؛ ولأنَّ كُفرَه أغلظُ من كُفْر الأسير الحربيِّ، فإذا قُتِلَ هذا بلا استتابةٍ، فالمرتدُّ أولى.
وقال الحنفية: الاستتابةُ مستحبةٌ، لكنه إنْ لم يَتب في الحال قُتِلَ، إلَاّ أن يَسأَلَ الإنظارَ، فيُنظَرَ ثلاثةَ أيامٍ.
وهذا قول للإمام الشافعي: أنَّ الاستتابةَ مستحبةٌ.
وعنه قول آخر: أنها واجبةٌ، لكنَّه يُقتلُ في الحال إنْ لم يَتب في قول.
وهو اختيار المُزَني وابن المنذر.
والقول الآخر: تجبُ الاستتابةُ، ويُؤجَّلُ ثلاثةَ أيامٍ، وهو مذهب مالك وأحمد.
(1) أخرجه البخاري (6/ 149 رقم 3017) في الجهاد، باب لا يُعذَّب بعذاب الله، و (12/ 267 رقم 6922 - فتح) في استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الزهري وابن القاسم: يُستتابُ ثلاثةَ مرَّاتِ.
فهذه حكاية أقوال الأئمَّة في المرتدِّ.