الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ (ق 272)
حديث السَّقيفة الطويل
(732)
قال الإمام أحمد رحمه الله (1): حدثنا إسحاق بن عيسى الطَبَّاع، ثنا مالك بن أنس (2)، حدثني ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: أنَّ ابنَ عباس أَخبَرَه: أنَّ عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رَحله، قال ابن عباس: وكنت أقرئُ عبد الرحمن بن عوف، فوَجَدني وأنا أنتظر، وذاك بمنىً، في آخر حجَّة حجَّها عمرُ بن الخطاب، قال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ رجلاً أتى عمرَ بن الخطاب، فقال: إنَّ فلانًا يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي قائمٌ العشيَّة -إن شاء الله- في الناس، فمحذِّرهم هؤلاء الرَّهطَ الذين يريدون أن يَغصبوهم أمرَهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أميرَ المؤمنين، لا تفعل، فإنَّ الموسمَ يجمعُ رِعاعَ الناس وغوغاءَهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمتَ في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يَطِيرُ بها أولئك فلا يَعُوها، ولا يضعوها مواضعَها، ولكن حتى تَقدَمَ المدينةَ، فإنَّها دارُ الهجرة والسُّنة، وتَخلُصَ بعلماء الناس وأشرافِهم، فتقولُ ما قلتَ متمكنًا، فيَعُون مقالتَك، ويضعونها مواضعَها. قال عمرُ: لئن قَدِمْتُ المدينةَ صالحًا؛ لأكلمنَّ بها الناسَ في أول مقامٍ أقومُهُ. فلمَّا قدمنا المدينةَ في عقب ذي الحجَّة، وكان يوم الجمعة، عجَّلت الرَّواح، / (ق 273) صكَّة الأعمى -قلت لمالك: وما صكَّة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أيَّ ساعة خَرَج، لا يعرف الحرَّ والبرد، نحو هذا- فوَجَدتُ سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سَبَقني، فجلستُ حذاءه، تحكُّ
(1) في «مسنده» (1/ 55 رقم 391).
(2)
وهو في «الموطأ» (2/ 384) في الحدود، باب ما جاء في الرجم.
رُكبتي رُكبتَه، فلم أَنشَب أن طلع عمرُ رضي الله عنه، فلمَّا رأيتُه قلتُ: ليقولَنَّ العشيَّةَ على هذا المنبرِ مقالةً ما قالها عليه أحدٌ قبلَه.
قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك، وقال: ما عسيتَ أن يقول مالم يقل أحدٌ؟ فجلس عمرُ على المنبر، فلمَّا سَكَت المؤذِّن قام، فأثنى على الله بما هو أهلُه، ثم قال: أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ، فإنِّي قائلٌ مقالةً قد قُدِّر لي أن أقولهَا، لا أدري لعلَّها بين يَدَي أجلي، فمَن وَعَاها وعَقَلَها فليُحدِّث بها حيثُ انتهت به راحلتُه، ومَن لم يَعِهَا فلا أُحِلُّ له أن يكذبَ عليَّ: إنَّ اللهَ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ، وأنزل عليه الكتابَ، فكان فيما (1) أُنزِلَ عليه آية الرَّجم، فقرأناها، ووعَيناها، وعَقَلناها، ورَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعدَه، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقولَ قائلٌ: لا نجدُ آيةَ الرَّجمِ في كتاب الله، فيضلُّون (2) بتركِ فريضةٍ قد أنزلها اللهُ عز وجل، فالرَّجمُ في كتابِ اللهِ حقٌّ على من زَنَى إذا أُحصِنَ من الرِّجال والنساء إذا قامت البيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ، أو الاعترافُ. / (ق 274) ألا وإنَّا قد كنَّا نقرأ: لا ترغبوا عن أبائكم، فإنَّ كُفرًا بكم أن ترغبوا عن أبائكم. ألا وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُطرُوني كما أُطرِيَ عيسى ابنُ مريمَ، فإنما أنا (عبدٌ للهِ)(3)،
فقولوا: عبد الله ورسولُه»، وقد بلغني أنَّ قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فلا يَغترَنَّ امرؤٌ أن يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلتةً (4)، ألا وإنَّها كانت كذلك، إلا أنَّ الله
(1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «مما» ، يشير إلى وروده في نسخة، وهي كذلك في مطبوع «المسند» (1/ 451 - ط مؤسسة الرسالة).
(2)
كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «فيَضِلُّوا» ، وكَتَب فوقها:«خ» ، إشارة إلى وروده في نسخة، وهي كذلك في المطبوع.
(3)
ضبَّب عليه المؤلِّف. وفي المطبوع: «عبد الله» ..
(4)
قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 467): أراد بالفَلتة: الفجأة، ومثلُ هذه البيعةِ جديرةٌ بأن تكون مهيِّجةً للشَّر والفتنة، فعَصَم اللهُ من ذلك، ووَقَى، والفَلتَةُ: كل شيء فُعِلَ من غير رويَّة، وإنما بودِر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد بالفَلتة الخِلسة، أي إنَّ الإمامة يوم السَّقيفة مالت إلى تولِّيها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قُلِّدها أبو بكر إلا انتزاعًا من الأيدي واختلاسًا.
وَقَى شرَّها، وليس فيكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مثلُ أبي بكرٍ رضي الله عنه، وإنَّه كان من خَيرِنا (1) حين توفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا والزُّبيرَ ومن كان معهما تخلَّفوا في بيتِ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلَّف عنها الأنصارُ بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكرٍ، فقلت له: يا أبا بكرٍ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمُّهم، حتى لَقِيَنا رجلان صالحان، فذَكَرا لنا الذي صنع القومُ، فقالا: أين تريدون يا معشرَ المهاجرين؟ فقلتُ: نريد إخوانَنا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرينَ. فقلت: والله لنأتينَّهم. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظَهْرانيهم رجلٌ مُزمَّلٌ (2)، فقلتُ: من هذا؟ قالوا: / (ق 275) سعد بن عُبادة، فقلت: مالَه؟ قالوا: وَجِعٌ.
فلمَّا جلسنا، قام خطيبُهم، فأثنى على الله بما هو أهلُه، وقال: أمَّا بعدُ، فنحن أنصارُ الله، وكتيبةُ الإسلام، وأنتم يا معشرَ المهاجرين رهطٌ منَّا، وقد دَفَّت دافَّةٌ (3)
(1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقه: «كذا» . وفي المطبوع: «أَلا وإنَّه كان من خَبَرِنا» .
(2)
مزمَّل: أي مغطَّى مدثَّر. «النهاية» (2/ 313).
(3)
قال الحافظ في «الفتح» (12/ 151 - 152): أي: عدد قليل، وأصله من الدفِّ، وهو السير البطيء في جماعة
…
، يريد: أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا.
منكم تريدون (1) أن تختزلونا (2) من أصلنا، وتَحضُنُونا (3) من الأمر، فلمَّا سَكَتَ أردتُ أن أتكلَّمَ، وكنتُ قد زوَّرتُ (4) مقالةً أعجبتني، أريد (5) أن أقولهَا بين يَدَي أبي بكرٍ رضي الله عنه، وقد كنتُ أُداري منه بعضَ الحدِّ، وهو كان أحلمَ منيِّ وأوقرَ، (6)
واللهِ ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضلَ، حتى سَكَتَ، فقال: أمَّا بعدُ، فما ذَكَرتم من خير فأنتم أهلُه، ولم تعرفِ العربُ هذا الأمرَ إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسطُ العرب نسبًا ودارًا، وقد رَضِيتُ لكم أحدَ هذين الرَّجلين أيُّهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عُبيدة بن الجرَّاح، فلم أكره ممَّا قال غيرَها، وكان والله أن أُقدَّمَ فتُضرَبَ عُنُقي لا يُقرِّبني ذلك إلى إثم، أحبُّ إليَّ أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكرٍ، إلَاّ أن تَعيَر (7) نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المُحكَّك، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ، منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، يا معشر قريش -فقلت لمالك: ما معنى أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتُها-. قال: فكَثُر اللَّغطُ، / (ق 276) وارتفعت
(1) ضبطها المؤلِّف بالتاء الفوقانية والياء التحتانية، وفي المطبوع:«يريدون» .
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يختزلونا» ، وقوله: يريدون أن يختزلونا من أصلنا: أي: يقتطعونا ويذهبوا بنا مُنفَرِدِين. «النهاية» (2/ 29).
(3)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ويَحضُنُونا» ، والمعنى: يخرجونا. «النهاية» (1/ 401).
(4)
أي: هيَّأت وأصلحت. «النهاية» (2/ 318).
(5)
كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «أردت» ، وكَتَب فوقها:«خ» ، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو كذلك في المطبوع.
(6)
زاد في المطبوع: «فقال أبو بكر: على رِسْلك، فكرهتُ أن أُغضِبَه، وكان أعلمَ منِّي وأوقرَ» ..
(7)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «تغيَّر» .
الأصواتُ، حتى خشينا (1) الاختلافَ، فقلت: ابسُط يدَك يا أبا بكرٍ، فَبَسَطَ يدَه، فبايعتُه، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونَزَوْنا على سعد بن عُبادة (2)، فقال قائل منهم: قتلتم سعدًا! فقلتُ: قَتَلَ اللهُ سعدًا. وقال عمرُ رضي الله عنه: أما واللهِ ما وَجَدنا فيما حَضَرنا أمرًا هو أوفق (3) من مبايعة أبي بكر، وخشينا (4)
إن فارقنا القومَ ولم تكن بيعةٌ أن يُحدِثوا بعدنا بيعةً، فإمَّا أن نتابعهم على مالا نرضى، وإمَّا أن نخالفَهم فيكون فيه فسادٌ، فمن بايع أميرًا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعةَ له، ولا بيعةَ للذي بايعه، تَغِرَّةَ أن يُقتَلا (5).
قال مالك: فأخبرني ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير: أنَّ الرَّجلين اللَّذين لقياهما: عُوَيم بن ساعدة، ومَعْن بن عدي.
قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ الذي قال: أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ هو الحُبَاب بن المُنذر.
هذا حديث عظيم، أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة، من حديث الزهري:
فرواه البخاري (6)، عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن مالك ويونس.
(1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «خشيت» ، وكَتَب فوقها:«خ» ، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو كذلك في المطبوع.
(2)
أي: وقعُوا عليه ووطِئوه. «النهاية» (5/ 44).
(3)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أقوى» .
(4)
ضبَّب عليه المؤلِّف. وفي المطبوع: «خشينا» ..
(5)
أي: خوف وقوعهما في القتل. «النهاية» (3/ 356).
(6)
في «صحيحه» (5/ 109 رقم 2462) في المظالم، باب ما جاء في السقائف، و (7/ 264 رقم 3928 - فتح) في مناقب الأنصار، باب مقدم النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.
وأخرجه -أيضًا- (1) من حديث معمر، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كَيسان.
ومسلم (2) من حديث يونس، وسفيان بن عيينة.
وأبو داود (3) من حديث هشيم.
والنسائي (4) من حديث اللَّيث، / (ق 277) وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
كلُّهم عن الزهري، به.
ورواه النسائي من طرق أخر منقطعة ومرسلة، وفيما ذَكَرنا كفاية، والله أعلم.
(1)(6/ 478 رقم 3445) في أحاديث الأنبياء، باب قول الله:{واذكر في الكتاب مريم} ، و (7/ 322 رقم 4021) في المغازي، باب منه، و (12/ 137، 144 رقم 6829، 6830) في الحدود، باب الاعتراف بالزنى، وباب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت، و (13/ 303 رقم 7323 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة، باب ما ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم.
(2)
في «صحيحه» (3/ 1317 رقم 1691) في الحدود، باب رجم الثيب في الزنى.
(3)
في «سننه» (5/ 91 رقم 4418) في الحدود، باب في الرجم.
(4)
في «سننه الكبرى» (6/ 412 رقم 7121، 7122 - ط الرسالة).