الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأقضية
(757)
قال البخاري رحمه الله (1): ثنا الحكم بن نافع، ثنا شعيب، عن الزهري: حدَّثني حميد بن عبد الرحمن بن عَوف: أنَّ عبد الله بن عُتبة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنَّ أناسًا كانوا يُؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الوحيَ قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظَهَر لنا من أعمالِكم، فمن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاه (2)، ومَن أظهر لنا سُوءًا لم نأمَنْهُ، ولم نُصدِّقْهُ، وإنْ قال: إنَّ سَريرتَه حَسَنة.
(1) في «صحيحه» (5/ 251 رقم 2641 - فتح) في الشهادات، باب الشهداء العدول.
(2)
زاد في المطبوع: «وقَرَّبْناهُ، وليس إلينا من سَريرته شيء، الله يحاسِبُهُ في سريرته» .
هكذا أورده البخاري، وليس هو عند أصحاب الأطراف (1).
وفيه دلالة على الحكم بالظاهر.
وقد روي من طريق أخرى:
(758)
قال الإمام أحمد (2): ثنا إسماعيل -يعني: ابن عُليَّة-، أنا الجُرَيري سعيد، عن أبي نَضرة، عن أبي فِراس قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب، فقال: يا أيُّها الناسُ، ألا إنما كنَّا نَعرِفُكم إذ بين ظَهْرينا (3) النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإذ ينزل الوحي، إذ يُنبِّئُنا اللهُ من / (ق 287) أخباركم، ألا وإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد انطلق، وانقطع الوحي، وإنمَّا نَعرِفُكم بما نقولُ لكم، من أظهر منكم خيرًا ظَننَّا به خيرًا، وأحبَبْناهُ عليه، ومَن أظهر لنا شرًّا ظَننَّا به شرًّا، وأبغضنَاهُ عليه، سرائرُكم بينَكم وبين ربِّكم عز وجل، ألا وإنَّه قد أتى عليَّ حينٌ وأنا أَحسِبُ أنَّ مَن قرأ القرآنَ يريد اللهَ وما عنده، وقد خُيِّل إليَّ بأخرة أنَّ رجالاً قد قرؤوه يريدون به ما عند الناس، فأَريدوا اللهَ بقراءتِكم، وأَريدوه بأعمالكم، أَلا إنيِّ والله ما أُرسِلُ عُمَّالي إليكم ليضربوا أبشارَكم، ولا ليأخذوا أموالَكم، ولكن أُرسِلُهُم إليكم لِيعلِّموكُم دينَكم وسُنتَكم، فمَن فُعِلَ به سوى ذلك؛ فليرفَعْه إليَّ، فوالذي نفسي بيده، إذاً لأُقِصَّنَّهُ منه. فوَثَب عمرو بن العاص، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أو رأيتَ إن كان رجلٌ من المسلمين على رعيَّة فأدَّب بعض رعيته، أَئنَّك لَمُقصُّه (4) منه؟! قال: إي، والذي نفس عمر بيده، إذًا لأُقِصَّنَّه منه، أنا لا أُقِصُّ منه، وقد
(1) وقال الحافظ في «النكت الظِّراف» (8/ 52): أغفَلَه المزي، وهو في جميع الروايات.
(2)
في «مسنده» (1/ 41 رقم 286).
(3)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ظَهْرانينا» .
(4)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لمقتَصُّه» .
رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِصُّ من نفسِهِ؟ أَلا لا تضربوا المسلمين فتُذِلُّوهم، ولا تُجمِّروهم (1) فتَفتنوهم، ولا تَمنعوهم حقوقَهم فتُكفِّروهم (2)،
ولا تُنزلوهم الغِياض (3) فتُضيِّعوهم.
ورواه النسائي في القصاص (4)، عن مؤمَّل بن هشام، عن إسماعيل بن عُليَّة، مختصرًا: / (ق 288) رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقَصَّ من نفسِهِ.
وأخرجه أبو داود في الدِّيات (5)، عن محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق الفَزَاري (6)، عن سعيد بن إياس الجُرَيري، به.
وفيه خُطبة عمرَ: إنِّي لم أَبعَثْ عُمَّالي ليضربوا أبشارَكم
…
، الحديث.
واختاره الحافظ الضياء (7) من طريق أبي يعلى (8)، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، عن ابن مهدي (9)، عن سعيد الجُرَيري.
وقد رواه علي ابن المديني، عن عبد الأعلى، ورِبعي بن إبراهيم. كلاهما عن الجُرَيري، بطوله.
(1) كَتَب المؤلف بجوارها في حاشية الأصل: «تجمِّروهم: أي: تطيلوا سجنهم» .
(2)
لأنهم ربما ارتدُّوا إذا مُنِعوا عن الحق. «النهاية» (4/ 187) ..
(3)
الغِياض: جمع غَيْضة، وهي الشجر الملتف؛ لأنهم إذا نزلوها تفرَّقوا فيها، فتمكَّن العدو منهم. «النهاية» (3/ 402).
(4)
من «سننه» (8/ 403 رقم 4791) في القسامة، باب القصاص من السلاطين.
(5)
(5/ 152 - 153 رقم 4537) باب القود من الضربة، وقص الأمير من نفسه.
(6)
وهو في «السِّيَر» له (ص 291 رقم 527).
(7)
في «المختارة» (1/ 218 رقم 116).
(8)
وهو في «مسنده» (1/ 174 رقم 196).
(9)
كذا ورد بالأصل. وصوابه: «مهدي» ، كما في المطبوع من «مسند أبي يعلى» ، و «المختارة» ، وهو مهدي بن ميمون الأزدي المِعْوَلي. انظر:«تهذيب الكمال» (28/ 592).
وقال: إسناده بصري حسن.
وقال في موضع آخر: لا نعلم في إسناده شيئًا يُطعنُ فيه، وأبو فِراس رجل معروف من أسلم (1)، روى عنه أبو نَضرة، وأبو عمران الجَوْني.
قلت: ولا يُعرف اسمه، ومنهم من سمَّاه: الرَّبيع بن زياد الحارثي (2)، وأنكر ذلك بعضُهم، وفرَّق بينهما (3)، فالله أعلم.
(1) وخالف أبو زرعة، فقال: لا أعرفه. «الجرح والتعديل» (9/ 423 رقم 2082).
(2)
منهم: حماد بن سَلَمة، وروايته عند إسحاق بن راهويه في «مسنده» ، كما في «المطالب العالية» (2/ 388 رقم 2144) وابن سعد (3/ 280) وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 186).
(3)
منهم: الإمام أبو أحمد الحاكم، ونصُّ عبارته، كما في «تهذيب الكمال» (34/ 184): إنْ كان إسحاق بن إبراهيم حفظ اسم أبي فِراس الراوي عن عمرَ أنه الرَّبيع بن زياد الحارثي، ولم يُلقِه من ذات نفسه فهما اثنان، وإن لم يحفظه فهو على ما قاله البخاري [انظر:«التاريخ الكبير» (3/ 268 رقم 915)] والرَّبيع بن زياد حارثي، كناه خليفة بن خياط أبا عبد الرحمن، ولا أُبعِدُ أن يكون إسحاق سمَّاه من ذات نفسه فاشتبه عليه، ولا أعرف أبا نَضرة روى عن الرَّبيع بن زياد شيئًا، إنما روى عنه أبو مِجْلَز وقتادة، وذكره الشَّعبي في بعض أخباره، وأبو فِراس الذي روى عنه أبو نَضرة هو النَّهدي آخر على ما ذَكَره البخاري.
وقال -أيضًا-، كما في «تهذيب الكمال» (9/ 79) في ترجمة الرَّبيع بن زياد: ولا أُبعِدُ أن تكون تكنيته بأبي فِراس خطأ.