الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر في قتل الجماعة بالواحد
(609)
قال البخاري في كتاب الدِّيات في «صحيحه» (1): وقال لي ابن بشَّار: حدثني يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ غلامًا قُتِلَ غِيْلةً (2)، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيها أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم.
وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: إنَّ أربعةً قَتَلوا صبيًّا، فقال عمرُ
…
مثلَه (3).
(1)(12/ 227 رقم 6896 - فتح) في الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يُعاقب أم يُقتص منهم كلهم؟
(2)
غِيلة: أي: في خُفية واغتيال، وهو: أن يُخدع ويُقتل في موضع لا يراه فيه أحد. «النهاية» (3/ 403).
(3)
ووَصَله البيهقي (8/ 41) وقاسم بن أصبغ في «جامعه» ، وأبو الشيخ في كتاب «الترهيب» ، كما في «تغليق التعليق» (5/ 251) من طريق جرير بن حازم، عن مغيرة بن حكيم، عن أبيه: أنَّ امرأةً بصنعاء غاب عنها زوجها، وترك في حِجرها ابنًا له من غيرها غلام، يقال له أصيل، فاتخذت المرأةُ بعد زوجها خليلاً، فقالت لخليلها: إن هذا الغلامَ يفضحنا، فاقتله، فأَبَى، فامتنعت منه، فطاوعها، واجتمع على قتله الرجل، ورجل آخر، والمرأة، وخادمها، فقتلوه، ثم قطعوه أعضاء، وجعلوه في عيبة من أدم، فطرحوه في رَكِيَّة في ناحية القرية، وليس فيها ماء، ثم صاحت المرأة، فاجتمع الناس، فخرجوا يطلبون الغلام، قال: فمرَّ رجلٌ بالرَّكِيَّة التي فيها الغلام، فخَرَج منها الذباب الأخضر، فقلنا: والله إنَّ في هذه لجيفة، ومعنا خَليلها، فأخذته رعدة، فذهبنا به، فحبسناه، وأرسلنا رجلاً فأَخرَجَ الغلامَ، فأخذنا الرجل، فاعترف، فأخبرنا الخبر، فاعترفت المرأة، والرجل الآخر، وخادمها، فكَتَب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم، فكَتَب إليه عمرُ رضي الله عنه بقتلهم جميعًا، وقال: والله لو أنَّ أهلَ صنعاءَ شركوا في قتله؛ لَقَتلتُهُم أجمعين.
قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 261): وَصَله البيهقي بإسناد صحيح عن المغيرة بن حكيم، به، وفيه قصة، لكن حكيم والد المغيرة لا يُعرَف، كما قال الذهبي في «الميزان» ، ومثله قول الحافظ في «الفتح» (12/ 201): صنعاني، لا أعرف حاله، ولا اسم والده، وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين» . اهـ.
وخالف ابن الملقن، فجوَّد إسناده في «البدر المنير» (8/ 405).
قال الحافظ في الفتح (12/ 228): وفي «فوائد أبي الحسن بن زَنْجويه» بسند جيد إلى أبي المهاجر عبد الله بن عميرة من بني قيس بن ثعلبة قال: كان رجلٌ يسابق الناسَ كلَّ سنة بأيام، فلما قَدِمَ وَجَد مع وليدته سبعة رجال يشربون، فأخذوه، فقتلوه، فذكر القصة في اعترافهم، وكتاب الأمير إلى عمر، وفي جوابه: أن اضرب أعناقهم، واقتلها معهم، فلو أنَّ أهلَ صنعاءَ اشتركوا في دمه؛ لَقَتلتُهُم. وهذه القصة غير الأولى، وسنده جيد، فقد تكرَّر ذلك من عمرَ.
هكذا أورد البخاري هذا الحديث في كتابه (1)، وهو من صيغ التعليق عند أئمَّة هذا الشأن، وهو من الصِّحاح النازلة عن درجة المسنَدَات، والله أعلم.
طريق أخرى
(610)
قال الشافعي (2): أنا مالك (3)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَتَل نَفَرًا خمسةً أو سبعةً برجلٍ قَتَلوه قتلَ غِيْلةٍ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيه أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم جميعًا.
وقولُ عمرَ هذا: هو الذي استقرَّت عليه مذاهبُ أهلِ العلمِ قاطبةً، إلا قولاً عن بعضهم: أنَّ الوليَّ يَقتلُ واحدًا، ويأخذُ بقيَّةَ الدِّيةِ من الباقين.
(1) انظر ما تقدَّم تعليقه (1/ 462) تعليق رقم 1
(2)
في «الأم» (6/ 22).
(3)
وهو في «الموطأ» (2/ 443) في العقول، باب ما جاء في الغِيلة والسِّحر.
ويؤيِّدُ قولَ الجمهورِ: ما روي من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لو أنَّ أهلَ السماواتِ والأرضِ اشتَرَكوا في قتلِ مسلمٍ، لأكبَّهمُ اللهُ في النَّارِ» (1).
وقد بَسَطتُ هذا في كتاب الأحكام، والله أعلم.
(1) أخرجه الترمذي (4/ 11 رقم 1398) في الديات، باب الحكم في الدماء، من طريق يزيد الرَّقاشي، عن أبي الحكم البَجَلي قال: سَمِعتُ أبا سعيد الخُدْري وأبا هريرة يَذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار» .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو الحكم البَجَلي، هو: عبد الرحمن بن أبي نُعم الكوفي.
وانظر للفائدة: «حديث الزهري» (2/ 479 رقم 492) والتعليق عليه.