الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التفسير
ذِكر أنَّ عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أوَّلُ من جَمَع القرآن، بمعنى أنَّه كان ذلك في زمن الصِّدِّيق، ولكن كان هو المشير بذلك أو المستشار، ثم كان يَستحثُّ في ذلك، والله أعلم
(782)
قال أبو بكر ابن أبي داود رحمه الله في كتاب «المصاحف» (1): ثنا عبد الله بن محمد بن خلَاّد، ثنا يزيد، ثنا مبارك، عن الحسن: أنَّ عمرَ بن الخطاب سأل عن آيةٍ من كتابِ اللهِ، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِلَ يومَ اليمامةِ. فقال: إنَّا لله، فأَمَر بالقرآن فجُمِعَ، فكان أوَّلَ مَن جَمَعه في المصحف.
هذا الأثر منقطع بين الحسن وعمر، فإنَّه لم يُدركه (2).
(1)(1/ 170 - 171 رقم 32).
(2)
وقال الحافظ في «الفتح» (9/ 13): فإن كان محفوظًا؛ حُمِلَ على أن المراد بقوله: «فكان أوَّلَ من جَمَعه» ، أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنُسِبَ الجمع إليه لذلك.
أثر آخر
(783)
وقال أبو بكر (1): ثنا أبو الطَّاهر، ثنا ابن وهب، أنا عمرو (2) بن طلحة اللَّيثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنَّ عمرَ لمَّا جَمَع القرآنَ كان لا يَقبلُ من أحدٍ شيئًا حتى يَشهدَ شاهدان.
أثر آخر
(784)
وقال أبو بكر (3):
ثنا إسماعيل بن أسد، ثنا هَوذة، ثنا / (ق 301) عوف، عن عبد الله بن فَضَالة قال: لمَّا أراد عمرُ أن يَكتبَ الإمامَ أَقعَدَ له نفرًا من أصحابه، وقال: إذا اختلفتُم في اللُّغة فاكتُبُوها بلُغة مُضَر، فإنَّ القرآنَ نزل بلُغةِ رجلٍ من مُضَر صلى الله عليه وسلم.
(1) في «المصاحف» (1/ 171 رقم 33).
وأخرجه -أيضًا- ابن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 705) و (3/ 999) من طريق ابن وهب، به.
وهذا -أيضًا- منقطع؛ لأنَّ يحيى بن عبد الرحمن وُلِدَ في خلافةِ عثمان، وقد سئل ابن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بعضهم يقول: سَمِعتُ عمرَ؟ فقال: هذا باطل، إنما هو: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، سَمِعَ عمرَ. «تاريخ ابن معين» (2/ 650 - رواية الدُّوري).
(2)
كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عمر» ، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر:«الجرح والتعديل» (6/ 118 رقم 631) و «تهذيب الكمال» (21/ 402 - 403).
(3)
في «المصاحف» (1/ 172 - 173 رقم 34).
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ عبد الله بن فَضَالة من المخضرمين، وُلِدَ في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعاش إلى زمن الوليد بن عبد الملك. وانظر التعليق على الأثر الآتي.
أثر آخر
(785)
وقال أبو بكر (1):
ثنا عبد الله بن محمد بن خلَاّد، ثنا يزيد، ثنا
(1) في «المصاحف» (1/ 173 رقم 37).
وهذا الأثر يَرويه عبد الملك بن عُمَير، واختُلف عليه:
فقيل: عنه، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ!
وقيل: عنه، عن عبد الله بن مَعقِل، عن عمرَ!
أما الوجه الأول: فقد أورده المؤلِّف من طريق شَيبان، عنه، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ.
وتابَعَه كلٌّ من: جرير بن عبد الحميد، وأبو بكر بن عياش، وحبَّان بن علي، وأبو عَوانة. انظر روايتهم عند سعيد بن منصور في «سننه» (3/ 939 رقم 419 - ط الصميعي) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 359 رقم 423) ولُوَين في «جزئه» (ص 97 رقم 89).
وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 204) وابن أبي داود في «المصاحف» (1/ 173 رقم 35) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 706) و (3/ 1014) من طريق جرير بن حازم، عنه، عن عبد الله بن مَعقِل، عن عمرَ!
قال أبو عبيد عقب روايته: وكان أبو عَوَانة يحدِّث بهذا الحديث عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ!
قلت: فتبين بهذا أن هناك اضطرابًا في إسناده، ويشبه أن يكون هذا الاضطراب من عبد الملك بن عُمَير، فقد قال عنه أحمد: عبد الملك بن عُمَير مضطَّرب الحديث جدًّا مع قلَّة روايته، ما أرى له خمس مائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال -أيضًا-: سمَاك بن حرب أصلح حديثًا من عبد الملك بن عُمَير، وذلك أن عبد الملك بن عُمَير يَختلف عليه الحفَّاظ. وقال ابن معين: مخلِّط. وقال أبو حاتم: لم يوصف بالحفظ. وقال مرَّة: ليس بحافظ، وهو صالح الحديث، تغيَّر حفظه قبل موته. انظر:«الجرح والتعديل» (5/ 360 رقم 1700) و «تهذيب الكمال» (18/ 370).
وقد سَرَد الحافظ في «الفتح» (9/ 19) أسماء من كتب المصاحف، ثم قال: وليس في الذين سميناهم أحدٌ من ثقيف، بل كلهم إما قرشي أو أنصاري.
شيبان، عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لا يملينَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمانُ قريش، أو غلمانُ ثقيف.
هذا إسناد صحيح.
والجمع بين هذه الآثار وما ثبت في «الصحيح» (1) من أنَّ الصِّدِّيق هو الذي ابتدأ بجمع القرآن -لمَّا استَحَرَّ القتل في قرَّاء القرآن يوم اليمامة، وكانت في خلافته-، هو ما ذَكَرته أوَّلاً، والله أعلم.
وقد عَزَم عمرُ رضي الله عنه في وقتٍ على جمع الأحاديث وكتابتها، ثم عَدَل عن ذلك رعايةً لحفظ القرآن، وألا يشتبه بغيره.
(786)
كما قال حنبل بن إسحاق (2): ثنا قَبيصة بن عُقبة، ثنا سفيان، عن معمر (3)،
عن الزهري، عن عروة قال: أراد عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه أنْ يَكتبَ السُّننَ، فاستخار اللهَ شهرًا، ثم أصبح وقد عُزِمَ له، فقال: ذَكَرتُ قومًا كَتَبوا كتابًا فأقبَلوا عليه، وتَرَكوا كتابَ اللهِ عز وجل.
إسناد صحيح.
(1)«صحيح البخاري» (8/ 344 رقم 4679) في التفسير، باب: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم
…
}، و (9/ 10 رقم 4986) في فضائل القرآن، باب جمع القرآن، و (13/ 183 رقم 7191 - فتح) في الأحكام، باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلاً، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(2)
ومن طريقه: أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص 49).
(3)
وهو في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 257 رقم 20484).
وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 286 - 287) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 217) - عن قبيصة، به.
وقد خولف قَبيصة بن عُقبة في روايته، خالَفَه محمد بن يوسف الفِريابي، فرواه عن الثوري، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ
…
، فذكره. ومن هذا الوجه: أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص 49)، ثم قال: هكذا قال في هذه الرواية: «عن عروة بن الزُّبير، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ» ، بخلاف رواية قَبيصة، عن الثوري، وقد روى هذا الحديثَ شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، فوافق رواية عبد الرزاق، عن معمر، ورواية قَبيصة، عن الثوري، عن معمر، وقال: عن الزهري، عن عروة، عن عمرَ. ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة، عن عمرَ.
قلت: محصِّلة ما قال الخطيب: أن رواية مَن رواه عن الزهري، عن عروة، عن عمرَ رضي الله عنه أصح؛ لاتفاق أكثر الرواة عليه، وعليه؛ فتكون هذه الرواية منقطعة، كما سيَذكر ذلك المؤلِّف نفسُهُ عند الأثر رقم (898).