الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر آخر يُذكر في طلاق المكره
(547)
قال أبو عبيد القاسم بن سلَاّم (1): ثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم الجُمَحي، عن أبيه: أنَّ رجلاً تدلَّى يَشتَارُ عَسَلاً، فجاءته امرأته، فوَقَفتْ على الحبلِ لَتَقطَعَنَّهُ، أو لَتُطَلَّقَنَّ ثلاثًا. فذكَّرها اللهَ والإسلام فأَبَتْ إلا ذلك، فطلَّقها ثلاثًا. قال: فرُفِعَ إلى عمرَ رضي الله عنه فأبانَهَا منه.
قال أبو عبيد: وقد روي عن عمرَ خلافُهُ، والحديث منقطع.
قال أبو عبيد: ومعنى يَشتَارُ: يَجتني.
قال: وفيه أنَّ عمرَ أجاز طلاقَ المكرهِ، وهو رأي أهل العراق (2)، وقد روي عن عمرَ خلافُهُ (3).
(1) في «غريب الحديث» (4/ 221).
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (7/ 357).
قال ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (4/ 410 - ط أضواء السلف): هذا منقطع، فإن قدامة بن إبراهيم الجمحي لم يدرك عمر، إنما يروي عن ابنه عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وغيرهما من المتأخرين.
وله طريق أخرى: أخرجها سعيد بن منصور (1129) عن فَرَج بن فَضَالة، حدثني عمرو بن شَراحيل المعافري: أنَّ امرأةً سلَّت سيفًا، فوضعته على بطن زوجها، وقالت: والله لأنفذنَّك، أو لَتُطلِّقني. فطلَّقها ثلاثًا، فرُفِعَ ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمضى طلاقها.
وهذا منقطع أيضًا.
(2)
انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (3/ 488).
(3)
وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق (6/ 411 رقم 11424) و (10/ 193 رقم 18792) عن الثوري. والبيهقي (7/ 358 - 359) من طريق أبي شهاب، وأبي عَوَانة. ثلاثتهم (الثوري، وأبو شهاب، وأبو عَوَانة) عن سليمان الشيباني، عن علي بن حنظلة، عن أبيه قال: قال عمرُ: ليس الرجلُ أمينًا على نفسِهِ إذا أَجَعتَهُ، أو أَوثَقتَهُ، أو ضَرَبتَهُ.
وصحَّحه ابن القيم في «زاد المعاد» (5/ 208).
ويُروى عن عليٍّ (1)، وابن عباس (2)،
(1) أخرجه عبد الرزاق (6/ 409 رقم 11414) وابن أبي شيبة (4/ 84 رقم 18022) في الطلاق، باب من لم ير طلاق المكره شيئًا، والبيهقي (4/ 357) من طريق حماد بن سَلَمة، عن حميد الطويل، عن الحسن، عن عليٍّ رضي الله عنه: أنه كان لا يرى طلاقَ المُكرَه شيئًا.
وهذا منقطع بين الحسن وعليٍّ رضي الله عنه. انظر: «تهذيب الكمال» (6/ 97).
(2)
ذكره البخاري في «صحيحه» (9/ 388 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن عباس: طلاق السَّكران والمستكره، ليس بجائز.
ووَصَله سعيد بن منصور (1/ 278 رقم 1143) وابن أبي شيبة (4/ 84 رقم 18021) في الموضع السابق، والبيهقي (7/ 358) من طريق هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس لمكرهٍ ولا لمضطَّهدٍ طلاقٌ.
تنبيه: تحرَّف «أبو يزيد المديني» عند ابن أبي شيبة إلى: «ابن أبي يزيد» ! وجاء على الصواب في الطبعة المحققة (6/ 414 رقم 18213 - ط مكتبة الرشد).
وصرَّح هشيم بالسماع عند سعيد بن منصور، والبيهقي.
وفي إسناده: عبد الله بن طلحة الخزاعي، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى هشيم، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 124 رقم 366) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 88 رقم 404) وسكتا عنه.
وأما أبو يزيد المديني، فوثَّقه ابن معين، وسُئل عنه أبو حاتم، فقال: شيخ، سُئل مالك عنه، فقال: لا أعرفه. وقال ابن معين: وأبو يزيد ليس يُعرَف بالمدينة، والبصريون يروون عنه. وسُئل أحمد عنه، فقال: تسأَل عن رجل روى عنه أيوب؟!
قلت: وهذا من الإمام أحمد توثيق لهذا الراوي، وقد نصَّ ابن معين على سماعه من ابن عباس. انظر:«الجرح والتعديل» (9/ 458 رقم 2253) و «تهذيب الكمال» (34/ 409) و «تاريخ ابن معين» (2/ 732 رقم 4414 - رواية الدُّوري) و «معرفة الرجال» له (1/ 102 رقم 458 - رواية ابن محرز).
تنبيه: أورد الحافظ في «الفتح» (9/ 391) هذا الأثر من رواية ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وساق إسناده بإدخال عكرمة بين أبي يزيد المديني، وابن عباس، والذي في «المصنَّف» ، و «سنن سعيد» ليس فيه ذِكر لعكرمة، وكيفما كان؛ فالأثر ضعيف، لجهالة عبد الله بن طلحة.
وله طريق أخرى: أخرجها عبد الرزاق (6/ 407 رقم 11408) عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، [عن عكرمة] عن ابن عباس: أنه لم ير طلاقَ المكرهِ شيئًا.
وصحَّح إسنادَها الحافظ في «الفتح» (12/ 314).
وانظر: «تغليق التعليق» (5/ 261).
وابن عمر، وابن الزُّبير (1)، وعطاء (2)، وعبد الله بن عُبيد بن عُمَير (3):
(1) أثر ابن عمر وابن الزُّبير ذكره البخاري في «صحيحه» (12/ 311 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن عباس، فيمَن يُكرهه اللُّصوص فيطلِّق: ليس بشيء. وبه قال ابن عمر، وابن الزُّبير.
ووَصَلهما مالك في «الموطأ» (2/ 101) في الطلاق، باب جامع الطلاق، وعبد الرزاق (6/ 408 رقم 11410) عن عبيد الله بن عمر. كلاهما (مالك، وعبيد الله بن عمر) عن ثابت بن الأحنف: أنه تزَّوج أمَّ ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فجئته، فدَخَلتُ عليه، فإذا سياطٌ موضوعةٌ، وإذا قَيدان من حديد، وعبدان له قد أجلسهما، فقال: طلِّقها وإلَاّ! والذي يُحلَفُ به، فَعَلتُ كذا وكذا! قال: فقلتُ: هي الطلاقُ ألفًا. قال: فخَرَجتُ من عنده، فأَدركتُ عبد الله بن عمر بطريقِ مكةَ، فأَخبرتُهُ بالذي كان من شأني، فتغيَّظ عبد الله، وقال: ليس ذلك بطلاق، وإنهَّا لم تَحرم عليك، فارجِع إلى أهلِكَ. قال: فلم تُقررني نفسي حتى أتيتُ عبد الله بن الزُّبير، وهو يؤمئذٍ بمكةَ، أميرٌ عليها، فأَخبرتُهُ بالذي كان من شأني، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر، قال: فقال لي عبد الله بن الزُّبير: لم تَحرم عليك، فارجِع إلى أهلِكَ.
وهذا إسناد صحيح.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6/ 406 رقم 11400) وابن أبي شيبة (4/ 85 رقم 18037، 18038) في الطلاق، باب من لم ير طلاق المكره شيئًا.
(3)
لم أقف عليه.
أنهم كانوا يرون طلاقه غير جائز، وهو رأي أهل الحجاز، وكثير من غيرهم.
قلت: رواه ابن أبي أويس (1)،
عن عبد الملك بن قدامة، عن أبيه، عن عمرَ
…
، فذَكَره، فقال عمرُ: ارجع إلى أهلك، فليس هذا بطلاق.
وقد نقل هذا المذهب أبو عبد الله البخاري (2) عن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزُّبير، والشَّعبي، والحسن البصري، واختاره هو -أيضًا-، واحتجَّ عليه بحديث عمرَ رضي الله عنه:«إنمَّا الأعمالُ بالنيَّاتِ» (3)، يعني: والمكره لا نيَّة له، وإنما طلَّق لفظًا، ولم يُرد معناه.
وهذا قول جمهور العلماء (4) رحمهم الله، فيُشبه أن تكون هذه الرواية عن عمرَ هي الصحيحة، والله أعلم.
(1) أخرجه البيهقي (7/ 357) من طريق ابن أبي أويس. وابن حزم في «المحلى» (10/ 202) من طريق ابن مهدي. كلاهما (ابن أبي أويس، وابن مهدي) عن عبد الملك بن قدامة، به.
وأخرجه سعيد بن منصور (1/ 274 رقم 1128) عن إبراهيم بن قدامة، عن أبيه، به.
قال البيهقي: وهذا أشبه.
قلت: وهو ضعيف -أيضًا-؛ لانقطاعه بين قدامة بن إبراهيم وعمر.
(2)
في «صحيحه» (12/ 311 - فتح).
(3)
تقدم تخريجه (1/ 107 رقم 1).
(4)
انظر: «مواهب الجليل» (4/ 45) و «منهاج الطالبين» (2/ 532) و «الإقناع» للحجَّاوي (3/ 459).