الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر في صفة القضاء
(761)
قال إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي (1)، ويحيى بن الرَّبيع المكي -واللفظ لإبراهيم-، كلاهما عن سفيان بن عيينة، حدَّثنا والد عبد الله بن
(1) وأخرجه -أيضًا- وكيع بن خَلَف في «أخبار القضاة» (1/ 70) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 492 رقم 535) من طريق إبراهيم بن بشَّار. والبيهقي (6/ 65) و (10/ 106، 119، 135، 182، 253) من طريق يحيى بن الربيع. والدارقطني (4/ 207) من طريق عبد الله بن الإمام أحمد. والهروي في "ذم الكلام"(4/ 5 رقم 716) من طريق ابن أبي عمر العَدَني. جميعهم (إبراهيم بن بشار، ويحيى، وعبد الله، والعَدَني) عن ابن عيينة، به.
قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 241): وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه مرسل؛ لأن سعيد بن أبي بُرْدة تابعي صغير، روايته عن عبد الله بن عمر مرسلة، فكيف عن عمرَ؟! لكن قوله:«هذا كتاب عمر» وِجادة، وهي وِجادة صحيحة من أصحِّ الوجادات، وهي حجَّة.
وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المحلى» (1/ 60) في معرض ردِّه على ابن حزم في تضعيفه لهذه الرسالة: وخير هذه الأسانيد -فيما نرى- إسناد سفيان بن عيينة، عن إدريس -وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأَودي، وهو ثقة- أنَّ سعيد بن أبي بُرْدة بن أبي موسى أراه الكتاب، وقرأه لديه، وهذه وِجادةٌ جيدةٌ في قوَّة الإسناد الصحيح، إن لم تكن أقوى منه، فالقراءة من الكتاب أوثق من التلقِّي عن الحفظ.
وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 196) بعد أنَّ ذكره من طريق الدارقطني والبيهقي: وساقه ابن حزم من طريقين، وأعلَّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوِّي أصل الرسالة، لا سيَّما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة.
وقال أبو العباس ابن تيميَّة في «منهاج السُّنة» (6/ 71): ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى تداولها الفقهاء، وبَنَوا عليها، واعتمدوا على ما فيها من الفقه، وأصول الفقه.
إدريس قال: أتيتُ سعيدَ بن أبي بُرْدة، فسألته عن رسائل عمرَ التي كان يكتب إلى أبي موسى، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بُرْدة، قال: فأخرَجَ إليَّ كُتُبًا، فرأيتُ في كتاب منها: أمَّا بعدُ، فإنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتبَعةٌ، فافهم إذا أُدلِيَ إليك، فإنَّه لا ينفعُ تَكلُّم بحقٍّ لا نفاذَ له.
آسِ بين الاثنين في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمعَ شريفٌ في حَيْفِك، ولا ييأس وَضِيعٌ -أو / (ق 289) قال: ضعيفٌ- في عدلك.
الفَهمَ الفَهمَ فيما يتلجلجُ في صدرك ويُشكِلُ عليك.
اعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم قِس الأمورَ بعضَها ببعض، وانظر أقربَها إلى الله، وأشبهها بالحقِّ، فاتَّبِعْه. وأعهد (1) إليك، ولا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعتَ فيه نفسَك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِك أن تُراجِعَ الحقَّ، فإنَّ مراجعة الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل.
(1) كذا ورد بالأصل. وعند وكيع في «أخبار القضاة» : «واعمِد إليه» .
المسلمون عُدُولٌ بعضُهم على بعض، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة زُور، أو ظِنِّينًا في وَلَاء، أو قَرَابة.
اجعل لمَن ادَّعى حقًّا غائبًا أمدًا يَنتهي إليه، أو بيِّنةً عادلةً، فإنَّه أَثبتُ في الحجَّة وأبلغُ في العذر، فإن أَحضَرَ بيِّنتَه، وإلَاّ وجَّهتَ عليه القضاء.
البيِّنة على من ادَّعى، واليمينُ على من أَنكر.
إنَّ الله تولَّى منكم السَّرائرَ، ودرأَ عنكم الشُّبهاتِ.
إيَّاك والقلقَ، والضَّجرَ، والتأذِّيَ بالناس، والتَّنكُرَ للخصم في مجالس القضاء.
إلى أن قال: والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً.
ومَن تَزيَّن للناس بما لم يعلم اللهُ منه شانَه اللهُ، فما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل دنيا وآجل آخرة.
هذا أثر مشهور، وهو من هذا الوجه غريب، ويسمَّى وِجاَدة (1)، والصحيح: أنه يحتجُّ بها إذا تحقِّق الخطُّ، لأنَّ أكثرَ كُتُب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك / (ق 290) الأقطار كذلك، وقد بَسَطتُ القولَ بصحَّتها في أوَّل شرح البخاري، ولله الحمد.
وقد ورد هذا الأثر من وجه آخر:
(1) الوجادة: عرَّفها المؤلِّف في «اختصار علوم الحديث» (1/ 367) فقال: صورتها: أن يجدَ حديثًا أو كتابًا بخطِّ شخص بإسناده، فله أن يَرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول: وَجَدتُ بخط فلان: حدثنا فلان، ويُسنِده، ويقع هذا أكثر في «مسند الإمام أحمد» ، يقول ابنه عبد الله: «وَجَدت بخطِّ أبي: حدثنا فلان
…
»، ويَسوق الحديث، وله أن يقول:«قال فلان» إذا لم يكن فيه تدليس يُوهم اللُّقي.
(762)
كما رواه الحافظ البيهقي في «سننه» (1) فقال: أنا الحاكم، أنا الأصمُّ، ثنا محمد بن إسحاق الصَّاغاني، ثنا محمد بن عبد الله بن كُناسة، ثنا جعفر بن بَرقان، عن معمر البصري، عن أبي العوَّام البصري قال: كَتَبَ عمرُ إلى أبي موسى: إنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمةٌ، وسُنَّةٌ مُتبعَةٌ، فعليك بالعقل والفَهم وكثرة الذِّكر، فافهم إذا أَدلى إليك الرَّجلُ الحُجَّةَ، فاقضِ إذا فَهِمتَ، وامضِ إذا قضيتَ، فإنَّه لاينفَع تكلَّم بحُكم لا نفاذ له.
وآسِ بين الناسِ في وجهِكَ، ومجلسِكَ، وقضائِكَ، حتى لا يَطمعَ شريفٌ في حَيفِكَ، ولا يَيأسَ ضعيفٌ من عدلِكَ.
والبيِّنةُ على مَن ادَّعى، واليمينُ على مَن أَنكَرَ.
والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أَحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً.
ومَن ادَّعى حقًّا غائبًا أو بيِّنةً، فاضرِبْ له أَمَدًا يَنتهي إليه، فإنْ جاء ببينتِهِ أعطيتَهُ حقَّهُ، وإنْ أَعجَزَهُ ذلك استَحْلَلتَ عليه القضيَّةَ، فإنَّ ذلك أبلغَ في العذرِ، وأجلى للعَمَى.
(1)(10/ 150).
وأَعلَّ هذه الطريق الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 242) فقال: وإسناده إلى أبي العوَّام صحيح، وأمَّا أبو العوَّام البصري، ففي الرواة ثلاثة كلُّهم يُكنى بهذه الكنية، وكلُّهم بصريون، وهم:
1 -
فائد بن كَيسان الجزار مولى باهلة.
2 -
عبد العزيز بن الرَّبيع الباهلي.
3 -
عمران بن داور القطان.
ولم أتبين أيُّهم المراد هنا، وثلاثتهم من أتباع التابعين، وكلُّهم ثقات إلا الأول، فلم يوثِّقه غير ابن حبان، ولم يُذكر في ترجمة أحد منهم أنه روى عنه معمر، والله أعلم، وعلى كلِّ حال، فهذه الطريق معضلة، وفيما قبلها كفاية. اهـ.
ولا يمنعك من قضاء قضيتَه اليوم فراجَعتَ فيه لرأيك، وهُدِيتَ فيه لرُشدِكَ أن تُراجِعَ الحقَّ، لأنَّ الحقَّ قديم، لا يُبطِلُ الحقَّ شيءٌ، ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل.
والمسلمون عُدُول بعضُهم على بعض في الشَّهادات، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة الزُّور، أو ظنِّينًا في وَلَاء
…
(1)، فإنَّ اللهَ تولَّى من عباده السرائر، وسَتَرَ عليهم الحدودَ إلا بالبيِّنات والأيمان.
والفهمَ الفهمَ فيما أُدلِيَ إليك ممَّا ليس في قرآن أو سُنَّة، ثم قايس الأمورَ عند ذلك، واعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم اعمد إلى أحبِّها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحقِّ.
وإيَّاك والغضب، والقلق، والضَّجر، والتأذِّي بالناس عند الخصومة والنظر، فإنَّ القضاء في مواطن الحقِّ يُوجِبُ اللهُ به الأجرَ، ويحسن به الذِّكر، فمَن خَلُصَت نيَّته في الحقِّ ولو على نفسه، كَفَاه الله ما بينه وبين الناس، ومَن تَزيَّن لهم بما ليس في قلبه شانَه اللهُ، فإنَّ الله لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصًا، وما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته.
ثم قال البيهقي: وقد رواه سعيد بن أبي بُرْدة.
وروى عن أبي المليح الهُذَلي أنه رواه (2).
وهو كتاب معروف مشهور، لابدَّ للقضاة من معرفته والعمل به.
(1) في هذا الموضع طمس بمقدار ثلاث كلمات.
(2)
ومن هذا الوجه: أخرجه الدارقطني (4/ 206) عن أبي جعفر محمد بن سليمان بن محمد النُّعماني، عن عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش، عن عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهُذَلي قال: كَتَب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى
…
وأعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 241) فقال: وعبيد الله بن أبي حميد متروك الحديث، كما قال الحافظ في «التقريب» .
أثر آخر
(763)
قال الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (2)، ثنا علي بن مُسْهِر، عن الشَّيباني، عن الشَّعبي، عن شُريح -يعني: ابن الحارث القاضي-: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه كَتَب إليه: إذا جاءك شيءٌ في كتاب الله فاقض به، ولا يغلبنَّك عليه الرِّجال، وإذا جاءك ما ليس في كتاب الله؛ فانظر سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن كان أمرًا ليس في كتاب الله، ولا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلَّم فيه قبلَك أحدٌ فاختر أيَّ الأمرين شئتَ، إن شئتَ أن تجتهدَ رأيَك وتُقدِمَ، فتقدَّم، وإن شئتَ أن تتأخَّر فتأخَّر، أَلا وإنَّ التأخُّر خيرٌ لك.
وأخرجه النسائي في «سننه» (3) بنحوه، عن بُندَار، عن أبي عامر، عن الثوري، عن الشَّيباني، به.
واختاره الحافظ الضياء في كتابه.
(1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 239 رقم 134) لكن سقط منه ذِكر شُريح.
(2)
وهو في «المصنَّف» (4/ 544 رقم 22980) في البيوع والأقضية، باب في القاضي ما ينبغي أن يبدأ به في قضائه.
(3)
(8/ 623 رقم 5414) في آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم.
وأخرجه -أيضًا- وكيع في «أخبار القضاة» (2/ 189 - 190) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 846 رقم 1595) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 421، 492 رقم 444، 534) من طريق سفيان، به.
وأخرجه الدارمي (1/ 265 - 266 رقم 169) في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة، ووكيع في «أخبار القضاة» (2/ 189، 190) والبيهقي (10/ 115) من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي، به.
أثر آخر
(764)
قال الحافظ أبو يعلى (1):
ثنا غسَّان بن الرَّبيع، عن حماد بن سَلَمة، عن عطاء بن السَّائب، عن / (ق 291) محارِب بن دِثَار (2)، عن عمرَ: أنَّه قال لرجل قاضٍ كان بدمشق: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإذا لم تجد؟ قال: أقضي بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا جاءك ما ليس في السُّنَّة؟ قال: أجتهد رأيي، وأُؤامِرُ جلسائي. قال: أحسنتَ. وقال: إذا جلستَ، فقل: اللهمَّ، إنِّي أسألك أن أُفتِيَ بعلم، وأقضي بحُكمٍ، وأسألك العدل في الغضب والرِّضا.
قال: فسار الرَّجلُ غيرَ بعيدٍ، ثم رجع، فقال لعمر: إنِّي رأيتُ كأنَّ الشَّمسَ والقمرَ يقتتلان، ومع كُلِّ واحد منهما جنودٌ من الكواكب. قال: مع أيِّهما كنتَ؟ قال: مع القمر. فقال عمرُ رضي الله عنه: يقول الله تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (3) لا تلي لي عملاً.
هذا أثر منقطع.
(1) لم أجده في المطبوع من «مسنده» ، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (68/ 103 - 104).
وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «الإشراف في منازل الأشراف» (ص 221 رقم 255) من طريق حماد بن سَلَمة، به.
وأعلَّه الحافظ ابن عساكر في «تاريخه» (68/ 105) فقال: لا أدري وجه هذا الحديث، فإنَّ أوَّل قاضٍ قَضَى على دمشق أبو الدرداء، ولم يزل عليها إلى خلافة عثمان، وهو غير خافٍ على عمرَ.
(2)
ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين محارب بن دِثار وعمر.
(3)
الإسراء: 12