الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها (1)، وهذا واقع فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل أهل الكتاب عما في التوراة كتموا، ووضع أحدهم يده مخفياً ما في التوراة (2).
الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:
1 -
أن كعب الأحبار قال: «إن قوله: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} (3) ليس بهارون أخي موسى، فقالت له عائشة: كذبت، فقال: يا أم المؤمنين إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله، فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة فسكتت» (4).
2 -
وجاء رجل إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال له: «من أين جئت؟ ، قال: من الشام قال: من لقيت؟ ، قال: لقيت كعباً، فقال: ما حدثك كعب؟ ، قال: حدثني أن السموات تدور على منكب ملك، قال: فصدقته أو كذبته؟ ، قال: ما صدقته ولا كذبته، قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، وكذب كعب! إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}» (5).
(1) انظر فتح الباري (13/ 334).
(2)
انظر تفصيل القصة في صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب قوله تعالى:{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (5/ 170).
(3)
سورة مريم من الآية (28).
(4)
جامع البيان (15/ 523)، وانظر (ص 552).
(5)
سورة فاطر من الآية (41)، والأثر أخرجه ابن جرير في جامع البيان (19/ 391).
3 -
وكان ابن مسعود رضي الله عنه شديد الإنكار لما يأتي به كعب، فقد كان يوماً هو وجماعة في المسجد، فأتاهم رجل وقال:«إن أخاكم كعباً يقرئكم السلام، ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (1)، فقال له عبد الله: وأنت فأقره السلام، وأخبره أنها نزلت وهو يهودي» (2).
4 -
وسأل معاوية رضي الله عنه كعب الأحبار عن قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (3)، وقال:«تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ ! ، قال له كعب: إن كنت قلت ذاك فإن الله قال: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}» (4).
وكان معاوية رضي الله عنه يقول عنه: إن كنا لنبلوا عليه الكذب (5).
وقد علق ابن كثير على قصة معاوية مع كعب بقوله: «وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار» (6).
ولا يفهم من تكذيب ابن مسعود ومعاوية لكعب أنه متعمد للكذب لا يوثق
(1) سورة آل عمران من الآية (187).
(2)
جامع البيان (6/ 296).
(3)
سورة الكهف من الآية (84).
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (6/ 2383).
(5)
صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» (8/ 160).
(6)
تفسير القرآن العظيم (5/ 186).
بروايته مطلقاً، وإنما أرادا أنه يخطئ أو ينقل عن أهل الكتاب ما هو كذب، فتكذيبهما في الحقيقة تكذيب للروايات الإسرائيلية التي غالبها محرف مبدل
قال ابن كثير معلقاً على قول معاوية: إن كنا لنبلوا عليه الكذب: «يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحيفته، ولكن الشأن في صحيفته أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق» (1).
ومما يؤكد ذلك أن معاوية أثنى على كعب في كلامه المتقدم، فقال:«إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب» .
ومراده بالمحدثين: أنداد كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم، فكان يحدث عنهم، وكان كعب أشد منهم بصيرة وأعرف بما يتوقاه (2).
وقال عنه أيضاً: «ألا إن كعب الأحبار أحد العلماء، إن كان عنده لعلم كالثمار، وإن كنا فيه لمفرِّطين» (3).
(1) تفسير القرآن العظيم (5/ 186)، وانظر فتح الباري (13/ 335)، ونقل ابن حجر في المصدر السابق (13/ 334) عن ابن عباس أنه قال في حق كعب الأحبار: بدل من قبله فوقع في الكذب، وقال ابن كثير (6/ 206) فيه وفي وهب بن منبه:«سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ، وقد أغنانا الله - سبحانه - بما هو أصح منه، وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة» .
(2)
فتح الباري لابن حجر (13/ 334).
(3)
الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 2/115).