الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً
أدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين
تقدم أن الاختلاف بين الصحابة والتابعين كان منضبطاً بضوابط الخلاف وآدابه، ومن أدبهم عند الاختلاف ما يأتي:
أولاً: احترام الرأي الآخر
.
ومن أوجه احترام الصحابة والتابعين للرأي الآخر:
الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد
، ومن الشواهد:
1 -
عن عمر رضي الله عنه أنه لقي رجلاً، فقال له: «ما صنعت؟ ، قال: قضى علي وزيد بكذا، قال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال: فما يمنعك والأمر إليك؟ ، قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم لفعلت، ولكني أردك إلى رأي
والرأي مشترك» (1).
فلما كان الأمر متعلقاً بالاجتهاد لم ينقض عمر ما قضى به علي وزيد، وعلل ذلك بأن الأمر مبناه على الرأي والاجتهاد، ولو كان في مخالفة نص من الكتاب والسنة لرده.
2 -
لما اختلف عثمان مع أبي ذر بخصوص معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} لم يلزم عثمان أبا ذر بالرجوع عن رأيه؛ لأن الأمر مبناه على الاجتهاد (2).
3 -
ولام علي بن أبي طالب عثمان رضي الله عنهما حين بلغه أنه منع من التمتع في الحج، فقال عثمان:«وهل نهيت عنها؟ ! إني لم أنه عنها، إنما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه» (3).
4 -
وتقدم قول علي لقضاته بأن يقضوا بما كانوا يقضون به، وإن كان مخالفاً لرأيه، كما جاء في سبب القصة، حيث كان يرى هو وعمر رضي الله عنهما في خلافة عمر عدم جواز بيع أمهات الأولاد، ثم رجع عن ذلك فرأى جواز بيعهن، فقال له عَبيدة السلماني:«رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة» ،
(1) جامع بيان العلم فضله (2/ 59).
(2)
فتح الباري لابن حجر (3/ 275).
(3)
مسند الإمام أحمد (1/ 92)، وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند (2/ 115).