الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الثاني: سوء فهم القرآن الكريم، وهذا يوقع في مزالق خطيرة وأمور منكرة، وذكر ابن تيمية أن بدعة الخوارج إنما وقعت بسبب «سوء فهمهم للقرآن؛ لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن براً تقياً، فهو كافر وهو مخلد في النار، ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله» (1).
منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:
يجتهد أهل البدع في تقرير عقائدهم والاستدلال لها من القرآن الكريم، ولا يترددون عن سلوك أي منهج يحقق مقصدهم ويقوي بدعتهم، ويكون سبباً في إقناع الآخرين بها بغض النظر عن صحته، وتبعاً لذلك وقع المبتدعة في انحرافات منهجية خطيرة؛ هذه أبرز سماتها:
أولاً: اتباع المتشابه من القرآن الكريم، والاعتراض به على المخالفين فراراً من إلزامهم بالآيات المحكمات، وقد أدى هذا المنهج في طلب تأويل المتشابه إلى نتيجة أخرى وهي:
ثانياً: ضرب القرآن بعضه ببعض والجدال في آياته، وسيأتي حديث مفصل
(1) مجموع الفتاوى (13/ 30 - 31)، وانظر (17/ 446) من الكتاب نفسه.
عن هذه القضية والتي قبلها، وذكر ما ورد عن الصحابة والتابعين في نقدهما.
ثالثاً: التمسك بالآيات العامة، ومواجهة الخصوم بها من غير نظر في مخصصاتها ومقيداتها، والإعراض عن الجمع بين الآيات والتوفيق بينها، وكذلك إهمال ما يبين معنى الآية كسبب النزول، فبسبب أن الآية تتفق مع معتقداتهم يتشبثون بها متجاهلين ما جاء في بيان معناها، كتمسك الخوارج بقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (1)، والاستدلال بها على تكفير كل من لم يحكم بما أنزل الله دون النظر في الأدلة الأخرى، فقد جاء ناس من الخوارج (2) إلى أبي مجلز رحمه الله (3)، وقالوا له: «يا أبا مجلز أرأيت قول الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أحق هو؟ ، قال: نعم! ، قالوا:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (4) أحق هو؟ ، قال: نعم! ، فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ ، قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه
(1) سورة المائدة من الآية (44)، وانظر: الملل والنحل (1/ 117)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 208).
(2)
وفي بعض الروايات أنهم من الإباضية كما في جامع البيان (8/ 458).
(3)
هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، اشتهر بكنيته، روى عن ابن عمر وابن عباس، وعنه قتادة وسليمان التيمي، وهو من الثقات المخرج لهم في الكتب الستة، توفي سنة (106 وقيل 109).
انظر: التاريخ الكبير (4/ 2/258)، والجرح والتعديل (4/ 2/124)، وتهذيب التهذيب (4/ 335).
(4)
سورة المائدة من الآية (45).
يقولون، وإليه يدعون، فإن هم تركوا شيئاً منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً، فقالوا: لا والله ولكنك تفرق! » (1).
وقصارى القول فإن نظرة أهل البدع للآيات نظرة ضيقة لا تعدو النظر إلى ظاهرها دون تدبر أو تمعن، ثم الحكم ببادئ الرأي والقطع بما فهموه من غير رجوع للأدلة الأخرى، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عن الخوارج:«يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (2)، وهذه النظرة الضيقة للنصوص تحجبهم عن فهم القرآن وتصدهم عن اتباع الحق (3).
رابعاً: حشد الآيات الموافقة لمعتقداتهم والاحتجاج بها على المخالفين، وفي المقابل الإعراض التام عن الآيات والأحاديث الصحيحة التي تخالف مذهبهم، ولذلك يعرض الخوارج عن السنة حين تخالف ظاهر القرآن عندهم، فلا رجم للزاني المحصن، ولا نصاب للسرقة مع ثبوتهما في السنة (4)، ومن الشواهد:
1 -
قال طلق بن حبيب: «كنت من أشد الناس تكذيباً للشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار» .
(1) أي: تخاف، والأثر في جامع البيان (8/ 457 - 458).
(2)
تقدم تخريجه (ص 49).
(3)
انظر الموافقات (5/ 149).
(4)
انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 48 - 49).
2 -
ووقع لجابر بن عبد الله مع يزيد الفقير (1) مثلما وقع له مع طلق، فعندما ذكر جابر أن بعض الناس يخرج من النار بعد دخوله فيها؛ اعترض عليه يزيد بالآيات التي تذكر خلود الكفار في النار (2).
خامساً: اقتطاع النص القرآني، والأخذ منه بالقدر المتفق مع أهوائهم والإعراض عن سائره، وعزله عن سياقه - سباقاً ولحاقاً - فيستدلون بأوله ويتركون آخره أو العكس، ومن شواهده:
1 -
قول محمد بن كعب القرظي عن القدرية: «لا تخاصموا هؤلاء القدرية ولا تجالسوهم، والذي نفسي بيده لا يجالسهم رجل لم يجعل الله عز وجل له فقهاً في دينه وعلماً في كتابه إلا أمرضوه، والذي نفس محمد بيده لوددت أن يميني هذه تقطع على كبر سني، وأنهم أتوا من كتاب الله عز وجل آية، ولكنهم يأخذون بآخرها ويتركون أولها» (3).
فالقدرية يستدلون لإثبات استقلال العبد بفعله بقول الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ، ويعرضون عما بعده: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ
(1) هو يزيد بن صهيب أبو عثمان الكوفي، روى عن ابن عمر وأبي سعيد، ثقة أخرج له البخاري ومسلم.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 213)، وتهذيب التهذيب (4/ 418).
(2)
ستأتي هذه القصة والتي قبلها قريباً.
(3)
كتاب القدر للفريابي (ص 172)، والشريعة (ص 234)، والإبانة لابن بطة "القدر"(2/ 211).
الْعَالَمِينَ} (1).
2 -
وسيأتي أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله عنهما: «يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم أن قوماً يخرجون من النار، وقد قال الله جل وعز: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (2)؟ ، فقال ابن عباس: ويحك اقرأ ما فوقها! هذه للكفار» .
سادساً: تنزيل الآيات التي أنزلت في الكفار على أهل الإيمان، وتعميم حكمها عليهم، ومن شواهده:
1 -
قول ابن عمر رضي الله عنهما عن الخوارج: «انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» (3).
2 -
وجاء رجل من الخوارج إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (4) أليس كذلك؟ قال: نعم، فانصرف عنه الرجل، فقال له علي: ارجع، فرجع، فقال: أي فل إنما أنزلت في أهل الكتاب، وهم الذين بربهم يعدلون (5).
(1) سورة التكوير الآيتان (28، 29).
(2)
سورة المائدة من الآية (37).
(3)
صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم (8/ 51).
(4)
سورة الأنعام آية (1).
(5)
تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1260).
3 -
وجاء آخر إلى ابن أبزى (1)، فقرأ عليه:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، وقال:«أليس الذين كفروا بربهم يعدلون؟ ، قال ابن أبزى: بلى، فانصرف عنه الرجل، فقال له رجل من القوم: يا بن أبزى إن هذا قد أراد تفسير هذه على غير هذا؛ إنه رجل من الخوارج، فقال: ردوه علي، فلما جاءه قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟ ، قال: لا، قال: إنها نزلت في أهل الكتاب؛ اذهب ولا تضعها على غير حدها» (2).
4 -
وسئل الشعبي عن قول الله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (3)، فقيل له:«تزعم الخوارج أنها في الأمراء؟ ، قال: كذبوا؛ إنما أنزلت هذه الآية في المشركين كانوا يخاصمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: أما ما قتل الله فلا تأكلوا منه، يعني الميتة، وأما ما قتلتم أنتم فتأكلون منه، فأنزل الله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى قوله: {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} قال: لئن أكلتم الميتة وأطعتموهم إنكم لمشركون» (4).
* وقد تبلغ الجرأة بالخوارج وقلة الأدب إلى مواجهة الصحابة رضي الله عنهم بالآيات
(1) هو عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم، ذكر البخاري وغيره أن له صحبة، وأكثر روايته عن عمر وأبي بن كعب، سكن الكوفة واستعمله عليٌ على خراسان.
انظر: التاريخ الكبير (3/ 1/245)، وأسد الغابة (3/ 422)، والإصابة (6/ 258).
(2)
جامع البيان (9/ 148)، والدر المنثور (3/ 4).
(3)
سورة الأنعام من الآية (121).
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (4/ 1380)، ولمزيد شواهد انظر تفسير القرآن لابن المنذر (1/ 121).
التي نزلت في الكفار، ومن شواهده:
1 -
نادى رجل من الخوارج علياً رضي الله عنه وهو في صلاة الفجر فقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (2).
2 -
ومر خارجي بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال له: هذا من أئمة الكفر، يشير إلى قوله تعالى:{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (3)، فقال سعد رضي الله عنه: كذبت أنا قاتلت أئمته (4).
* وقد يأتي عن بعض الصحابة والتابعين أن آية كذا نزلت في الخوارج، مثل ما جاء عن بكر بن عبد الله المزني (5) أن قوله تعالى:{وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} (6) نزلت في الخوارج (7).
(1) سورة الزمر آية (65).
(2)
سورة الروم آية (60)، والأثر أخرجه الطبري في جامع البيان (18/ 530)، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 332)، وانظر: مصف ابن أبي شيبة (15/ 307).
(3)
سورة التوبة من الآية (12).
(4)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 59)، والدر المنثور (3/ 215).
(5)
هو أبو عبد الله البصري، سمع ابن عمر وأنساً، وروى عنه ثابت البناني وقتادة، وكان ثقة ثبتاً كثير الحديث فقيهاً، معدود في مجابي الدعوة، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (108 أو 106).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 1/152)، والتاريخ الكبير (1/ 2/90)، وتهذيب التهذيب (1/ 244).
(6)
سورة محمد من الآية (22).
(7)
النكت والعيون (5/ 302).
وما جاء عن قتادة في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (1) أنه قال: «إن لم يكونوا الحرورية والسبائية فلا أدري من هم؟ » (2).
ومن المعلوم أن آية آل عمران نزلت في وفد نجران كما تقدم، ومراد قتادة ومن قبله أن الآية تشملهم ويدخلون في عمومها (3).
سابعاً: التكذيب بآيات الله تعالى وردها والطعن بها وبدلالتها على المراد عندما تكون صريحة في إبطال معتقداتهم التي قرروها وأصلوها، في حين أنهم يتعلقون بالآيات التي توافق أهواءهم، فأهل البدع يقررون عقائدهم أولاً، فإذا جاء في القرآن ما يبطلها كذبوه وردوه، ولذا جاء وصفهم بأنهم يكذبون بالقرآن (4)، وصنيعهم هذا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض المذموم فاعله في قوله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (5)، وهو أيضاً من الخوض في آيات الله تعالى الوارد ذمه في قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
(1) سورة آل عمران من الآية (7).
(2)
جامع البيان (5/ 207)، ومعالم التنزيل (2/ 9).
(3)
انظر الاعتصام (1/ 103).
(4)
كتاب القدر للفريابي (ص 157).
(5)
سورة البقرة من الآية (85).
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (1).
وقد جاء في معناه أنه التكذيب بالقرآن (2).
ومما جاء في وصف أهل الأهواء وخوضهم في آيات الله:
1 -
قول محمد بن سيرين رحمه الله: «إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به» (3).
وعنه في رواية أخرى: «كنا نعدهم أصحاب الأهواء» (4).
وصدق رحمه الله، فقد جاء رجل إلى عمرو بن عبيد فقال: «إن فلاناً يقول: إن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} (5)، وقوله:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ، و {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} (6) إن هذا ليس في أم الكتاب! ، والله يقول:{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (7)،
(1) سورة الأنعام آية (68).
(2)
انظر: جامع البيان (9/ 313)، والتحرير والتنوير (6/ 151).
(3)
جامع البيان (20/ 361)، وانظر: السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 432)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 630).
(4)
الإبانة لابن بطة "كتاب الإيمان"(2/ 496).
(5)
سورة المسد آية (1).
(6)
سورة المدثر الآيتان (11، 26).
(7)
سورة الزخرف الآيات (1 - 4).
فما الكفر إلا هذا يا أبا عثمان؟ ! ، فسكت عمرو هنية، ثم أقبل عليه، فقال: والله لو كان الأمر كما يقول ما كان على أبي لهب من لوم، ولا على الوليد من لوم» (1).
وقال له آخر: أخبرني عن قوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} كانت في اللوح المحفوظ؟ ، فقال عمرو: ليست هكذا كانت، فقال له الرجل: فكيف كانت؟ ، قال: تبت يدا من عمل بمثل عمل أبي لهب، فقال: هكذا ينبغي لنا أن نقرأ إذا قمنا إلى الصلاة؟ ، فغضب عمرو (2).
وعمرو بن عبيد عاصر التابعين كالحسن وابن سيرين وقتادة وأيوب وغيرهم، وقد تكلموا فيه وردوا عليه (3).
2 -
وعن أبي جعفر (4)
قال: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنهم الذين
(1) المعرفة والتاريخ (2/ 262)، وكتاب القدر للفريابي (ص 211)، والكامل لابن عدي (6/ 183)، والإبانة لابن بطة " القدر "(2/ 303)، وتاريخ بغداد (12/ 171)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 738).
(2)
السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 438).
(3)
انظر: المعرفة والتاريخ (2/ 259)، والسنة لعبد الله بن أحمد (2/ 434)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 737)، وتاريخ بغداد (12/ 170).
(4)
هو محمد بن علي بن الحسين القرشي الهاشمي أبو جعفر الباقر، روى عن أبيه وجابر، وروى عنه ابنه جعفر وعمرو بن دينار، غلا فيه الروافض، فجعلوه أحد أئمتهم الاثني عشر، توفي عام (114 أو 117).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 235)، وتذكرة الحفاظ (1/ 124)، والبداية والنهاية (13/ 72).
يخوضون في آيات الله» (1).
وقال لرجل من أصحابه: «لا تخاصم؛ فإن الخصومة تكذب القرآن» (2).
ثامناً: ومن سمات بعض المبتدعة في تعاملهم مع القرآن الكريم، والتي قد تؤثر في نظرة الناس إليهم ما يُرى من شدة تعظيمهم للقرآن بكثرة تلاوته ودعوتهم للتحاكم إليه، إضافة إلى ما هم عليه من الاجتهاد في العبادة كالصلاة والصيام، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المسلك حين وصف للخوارج بقوله:«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم» (3)، وهذا المظهر الخارجي قد يشكل على بعض المسلمين، فيلتبس عليه أمرهم، وقد يكون سبباً في الانسياق خلف معتقداهم والتأثر بها، وقبول آرائهم حول معاني القرآن، وقد عجب بعض التابعين من هذا المظهر الخارجي الذي عليه أهل الأهواء، فنقلوا ذلك إلى الصحابة فحذروا منهم، ومن الشواهد على ذلك:
1 -
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إنكم ستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 236)، وسنن الدارمي (1/ 76، 116)، وجامع البيان (9/ 314)، والإبانة لابن بطة " الإيمان"(2/ 441، 495)، وحلية الأولياء (3/ 184).
(2)
الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 236)، والإبانة " الإيمان"(2/ 495).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 179)، ومسلم في كتاب الزكاة (2/ 744) برقم (1064/ 148) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ..
والتبدع، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق» (1).
2 -
وعن ابن عباس أنه ذكر له الخوارج واجتهادهم وصلاحهم، فقال رضي الله عنه:«ليسوا هم بأشد اجتهاداً من اليهود والنصارى، وهم على ضلالة» (2).
وذكر له مرة ما يصيبهم عند قراءة القرآن، فقال:«يؤمنون عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه» (3).
قال الآجري (4) تعليقاً على قول ابن عباس: «فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام: عدلاً كان الإمام أم جائراً، فخرج وجمع جماعة وسلَّ سيفه واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه ولا بحسن ألفاظه في العلم إذا كان مذهبه
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 252)، والدارمي في سننه (1/ 58) واللفظ له، وابن وضاح في ما جاء في البدع (ص 64)، ومحمد بن نصر في السنة (ص 29 - 30)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 170)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 87)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 193).
(2)
مصنف عبد الرزاق (10/ 120، 153)، ومصنف ابن أبي شيبة (15/ 313)، والشريعة للآجري (ص 30) واللفظ له.
(3)
مصنف ابن أبي شيبة (15/ 313)، وجامع البيان (5/ 214)، والشريعة للآجري (ص 30)، وانظر ما يأتي (ص 330).
(4)
هو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي، كان صاحب سنة واتباع، من مؤلفاته: الأربعين، وتحريم النرد، وأخلاق العلماء، انتقل إلى مكة، وبها توفي سنة (360).
انظر: تاريخ بغداد (2/ 243)، وسير أعلام النبلاء (16/ 133).