الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً
الحث على ما يعين على فهم القرآن
من الأولويات لدى الناقد قبل القيام بنقد الأقوال وتصحيحها أن يبادر بالاحتراز من الأخطاء في التفسير قبل وقوعها، وهذا لا يتأتى إلا بمعرفة الطريقة الصحيحة لفهم القرآن؛ لذا يسعى الناقد جاهداً لتحقيق ذلك بوضع الضوابط والقواعد المعينة على فهم القرآن، وقد أولى العلماء هذا الأمر عناية خاصة، فأفردوا فيه كتباً تحت اسم أصول التفسير أو علوم القرآن، وكان للصحابة والتابعين أفضلية السبق في ذلك، فأرشدوا إلى القواعد والآداب التي تعين على فهم القرآن، ومنها:
أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات
.
فمما يعين المفسر على فهم القرآن نظره في سياق الآيات والموضوع الذي تتحدث عنه، وربط الآيات بما قبلها وما بعدها، فـ «السياق يرشد إلى تبيين
المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات» (1).
«والدلالة في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية» (2).
وقد اهتم الصحابة والتابعون بالسياق في تفسير القرآن، وحثوا على النظر فيما قبل الآية وما بعدها، فعن مسلم بن يسار (3)
قال: «إذا حدثت عن الله حديثاً، فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده» (4).
ولأهميته استعانوا به في تفسير الآيات، ومن أمثلة ذلك:
1 -
ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} (5) قال: «فمنهن: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} ، ومنهن: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ
(1) البحر المحيط في الأصول للزركشي (6/ 52).
(2)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/ 14).
(3)
هو أبو عبد الله مسلم بن يسار البصري الفقيه الزاهد، روى عن عبادة وابن عباس، وعنه ابن سيرين وقتادة وأيوب، وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز عام (100) أو (101).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 1/135)، وحلية الأولياء (2/ 290)، وتاريخ الإسلام حوادث سنة (81 - 100 ص 475).
(4)
فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 214)، ومصنف ابن أبي شيبة (14/ 25)، وحلية الأولياء (2/ 292).
(5)
سورة البقرة من الآية (124).
الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} (1)، ومنهن الآيات في شأن المنسك، والمقام الذي جعل لإبراهيم، والرزق الذي رزق ساكنو البيت، ومحمد بعث في ذريتهما صلى الله عليهم» (2).
وهذه التي ذكرها ابن عباس مذكورة في الآيات بعد قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} .
وجاء نحو ذلك عن مجاهد، فإنه قال في هذه الآية:«ابتلي بالآيات التي بعدها» (3).
2 -
وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} (4)، قال:«عيسى ناداها، أما تسمع الله يقول: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ}» (5).
3 -
وعن مجاهد أنه قال في قول الله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (6): هي: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
(1) سورة البقرة من الآية (127).
(2)
جامع البيان (2/ 503).
(3)
المصدر السابق (2/ 502).
(4)
سورة مريم من الآية (24).
(5)
سورة مريم من الآية (29)، والأثر في جامع البيان (15/ 504).
(6)
سورة الأنعام آية (83).