الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: ظهور الفتن والبدع
.
أحدثت الفتن التي ظهرت في عصر الصحابة رضي الله عنهم بلبلة فكرية بين أوساط كثير من الناس، فضعف تمييزهم بين الحق والباطل، والتبس عليهم فهم نصوص الكتاب والسنة، مما هيأ أرضاً خصبة لنشوء البدع والأهواء، فبدأت البدع بالظهور والتنامي، وأصبح لها أربابها ومنظروها، ولكي تجد تلك البدع والأهواء رواجاً بين الناس اجتهد أصحابها في تأييدها، ولم يجدوا لتأييدها أفضل من القرآن الكريم لأسبابٍ من أبرزها: ما يحظى به القرآن الكريم من المكانة العظيمة في قلوب الناس عامة، وأيضاً ما يجده أهل البدع في القرآن من الآيات المتشابهة، التي تخفى على العامة فيتأثرون بها.
ومما هيأ للبدع أن تجد قبولاً بين الناس قوة أربابها أحياناً واشتداد شوكتهم في بعض الأمصار، فقوي تأثيرهم في الناس، أضف إلى ذلك انتساب بعض المبتدعة للعلم واجتهادهم في العبادة، وظهورهم بمظهر الصالحين مما أسهم في انخداع كثير من الناس بمظهرهم مما أوجب على العلماء التصدي لهم والرد عليهم.
وفيما يتعلق بالقرآن الكريم، فقد اتخذ المبتدعة طرقاً مختلفة في تأييد بدعهم بالقرآن، مما استدعى يقظة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فقاموا بالرد عليهم سواءٌ فيما يتعلق بانحراف منهجهم في الاستدلال بالقرآن، كقول ابن عمر عن الخوارج:
«انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين» (1).
أم فيما يتعلق بكشف الشبه التي يلقيها أهل البدع في القرآن، وبيان الآيات المتشابهة التي يعترضون بها لزعزعة عقائد أهل السنة ومسلماتهم، ومن أمثلته ما جاء عن نافع بن الأزرق (2)
أنه سأل ابن عباس فقال: «يا بن عباس قولَ الله تبارك وتعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (3)، وقوله:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (4)؟ ، فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئاً إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نقل، فيسألهم فيقولون:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} ، قال: فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت
(1) انظر (ص 289).
(2)
هو أبو راشد نافع بن الأزرق الحروري الحنفي، من رؤوس الخوارج، وإليه تنسب طائفة الأزارقة، خرج بالعراق في أواخر دولة يزيد بن معاوية، فاشتدت شوكته بالبصرة إلى أن قتل سنة (65).
انظر: المعارف (ص 622)، والفرق بين الفرق (ص 82)، ولسان الميزان (6/ 173).
(3)
سورة النساء آية (42).
(4)
سورة الأنعام من الآية (23).