المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌سادسا: التدرج في تعلم التفسير

‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

.

اتبع الصحابة والتابعون في تعلم تفسير القرآن منهجاً فريداً، حيث كانوا يتعلمونه شيئاً فشيئاً، وآية آية، فكانوا لا يتجاوزون قدراً يسيراً من الآيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، ثم ينتقلوا إلى غيرها، وقد ساعدهم هذا التدرج على فهم القرآن والتأمل في آياته، والوقوف على المعاني الصحيحة لها، ويصف ابن مسعود رضي الله عنه هذه الطريقة بقوله:«كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن» (1).

وعن أبي عبد الرحمن السلمي (2): «حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم

(1) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (1/ 74) وصححه في (1/ 83)، والحاكم في المستدرك (1/ 557).

(2)

هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي الكوفي المقرئ، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ على عثمان وعلي وحدث عن عمر، وقرأ عليه عاصم وابن وثاب، أقرأ في خلافة عثمان إلى أن توفي عام (74 أو 73).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 119)، والمعرفة والتاريخ (2/ 589)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 52).

ص: 140

والعمل» (1).

وهذه الطريقة في تعلم القرآن لها أثر في فهمه، والإلمام بتفاصيل أحكامه، والوقوف على بديع أسراره ومعانيه، والإنسان إنما يُؤتى من قبل العجلة وعدم التريث في فهم النصوص.

ولكون هذه الطريقة هي المتبعة لديهم يمكث أحدهم في تعلم السورة الواحدة مدة طويلة (2)، فقد مكث ابن عمر رضي الله عنهما في سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها (3)، ويدل هذا على أن الأمر عندهم لم يكن مجرد حفظ للآيات دون فهم وتعلم لفقهها، وإلا لما بقي ابن عمر هذه المدة الطويلة في سورة واحدة مع ما مَنَّ الله عليهم من قوة الحفظ وحدة الذاكرة، فلم يكن صنيع ابن عمر لبطء حفظه أو ضعف ذاكرته، وإنما لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها (4).

(1) مسند الإمام أحمد (5/ 410)، ومصنف عبد الرزاق (3/ 380)، والطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 119)، ومصنف ابن أبي شيبة (10/ 460)، وجامع البيان (1/ 74).

(2)

مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 331).

(3)

رواه مالك بلاغاً كما في الموطأ، رواية يحيى الليثي (1/ 282)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 511)، ووصله ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 121)، لكن ذكر أنه تعلمها في أربع سنين، وفي شعب الإيمان للبيهقي (4/ 512) عن ابن عمر قال:«تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما أتمها نحر جزوراً» ، وانظر الدر المنثور (1/ 21).

(4)

تنوير الحوالك للسيوطي (1/ 208).

ص: 141

ولارتباط الحفظ بالفهم والعمل كان الصحابة ينظرون لمن يحفظ سورة البقرة وآل عمران نظرة إجلال وتقدير، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فينا، أي: عظم، وفي رواية أخرى: يعد فينا عظيماً (1).

سابعاً: التدبر لكتاب الله والتأمل في معانيه:

والتدبر للقرآن الكريم إلى جانب كونه يفيد القارئ في اتعاظه بالقرآن، وانتفاعه بأوامره ونواهيه وزواجره، فإنه يفتح له آفاقاً أوسع في فهم القرآن، ويطلع بسببه على معاني وفوائد وحكم لم تكن لتظهر له لولا تمهله في قراءته وتدبره لكتاب الله.

والتدبر في معناه اللغوي يعود إلى التأمل في الشيء، والنظر والتفكر في عاقبته (2)، وقد ذم الله تعالى الكفار على إعراضهم عن تدبر القرآن الكريم، مما ترتب

(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 120 - 121)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (2/ 62)، والبغوي في شرح السنة (13/ 305 - 306)، وقول أنس رضي الله عنه ورد في قصة النصراني الذي أسلم ثم ارتد ثم مات كافراً، والقصة دون الشاهد هنا في صحيح البخاري، في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 181)، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (4/ 2145) برقم (2781).

(2)

انظر الجامع لأحكام القرآن (3/ 1860)، والقاموس المحيط (ص 499) مادة "دبر".

ص: 142

عليه عدم فهم معانيه، حتى شبه الله قلوبهم التي لا تعي القرآن ولا تدرك معانيه بأنها كالقلوب التي عليها الأقفال قد أحكم غلقها، فلا يمكن أن يصل إليها شيء من معاني القرآن، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (1).

يقول قتادة عند هذه الآية: «إذاً والله يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك» (2).

ولما أمر تعالى بتدبر القرآن في سورة النساء، ذكر امتناع الاختلاف والاضطراب في القرآن؛ تنبيهاً على أن التدبر التام المفضي إلى فهم القرآن يمتنع معه وجود الاختلاف والتناقض، قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (3)، وبالمقابل عدم تدبر القرآن الكريم يؤدي إلى الخلل في فهمه، ومن ثم الظن بأن في القرآن اختلافاً وتناقضاً، فعلم بذلك أن الخطأ في فهم القرآن سببه عدم التدبر لآياته (4).

يقول القرطبي (5): «دلت هذه الآية على وجوب تدبر القرآن ليعرف

(1) سورة محمد آية (24)، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (6/ 203).

(2)

جامع البيان (21/ 216).

(3)

سورة النساء آية (82).

(4)

انظر البرهان (2/ 319).

(5)

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي فرح الأنصاري القرطبي المالكي المفسر، كتابه الجامع أشهر مصنفاته، وله: التذكرة، والتذكار في أفضل الأذكار، والكتاب الأسنى، توفي في شوال سنة (671).

انظر: الديباج المذهب (ص 406)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 79)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 69).

ص: 143

معانيه» (1).

ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

1 -

قال رجل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «قرأت المفصل البارحة، فقال: هَذَّاً كهَذِّ الشعر! ، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم» (2).

والمراد بقوله: هذاً كهذِّ الشعر؛ سرعة القراءة من غير تأمل كما ينشد الشعر (3).

2 -

وقال رجل لابن عباس: «إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول» (4).

(1) الجامع لأحكام القرآن (3/ 1860).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب فضائل القرآن، باب الترتيل في القراءة (6/ 109 - 110) واللفظ له، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/ 563) برقم (822).

(3)

فتح الباري لابن حجر (9/ 90).

(4)

فضائل القرآن لأبي عبيد (1/ 326)، وسنن سعيد بن منصور (2/ 477، 480)، وأخلاق حملة القرآن وأهله للآجري (ص 98)، والسنن الكبرى للبيهقي (2/ 396).

ص: 144

فالصحابة رضي الله عنهم عابوا السرعة في قراءة القرآن؛ لأنها تفضي إلى عدم التدبر، وما يترتب عليه من الخلل في فهم القرآن الكريم.

3 -

وعن محمد بن كعب قال: «لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بإذا زلزلت، والقارعة لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما وأتفكر، أحب إلي من أن أهذَّ القرآن ليلتي هَذَّاً، أو قال: أنثره نثراً» (1)، ولذلك انتفع بهذه القراءة المتدبرة، فقال عن أثرها:«إن عجائب القرآن تورد علي أموراً، حتى إنه لينقضي الليل، ولم أفرغ من حاجتي» (2).

ثامناً: سؤال المختصين بتفسير القرآن الكريم.

ومن الأمور التي عُني بها الصحابة والتابعون للوصول إلى الفهم السليم لمعاني القرآن الكريم أن أحدهم إذا مر بآية وأشكل عليه معناها سأل علماء التفسير؛ لأنهم هم المؤهلون للبت في معني الآيات، وبيان المعنى الصحيح، واللجوء إلى المتخصصين بتفسير القرآن هو السبيل الأمثل والطريق الأقصر لمعرفة المراد بآيات الكتاب العزيز، وشواهد هذا الأمر كثيرة جداً، وتقدم بعضها.

(1) الزهد لابن المبارك (ص 87)، وفضائل القرآن للفريابي (ص 222)، وحلية الأولياء (3/ 214).

(2)

حلية الأولياء (3/ 214)، وسير أعلام النبلاء (5/ 66).

ص: 145