الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرة للصحابة والتابعين رضي الله عنهم في شتى العلوم الشرعية؛ في التفسير والحديث والفقه، بعضها صادر عن كبارهم، فقد ذكر ابن القيم مراجعات كثيرة لبعض الصحابة - وعلى رأسهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما عندما خفي عليهم بعض ما قضى الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض تلك المراجعات يخفى عليهم الحق فيستشيرون من يحضرهم من الصحابة، وفي بعضها يقولون بقول يظهر لهم أنه خلاف السنة فيرجعون عنه، ولما ذكر ابن القيم تلك المراجعات عقب بقوله:«وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفراً كبيراً» (1).
ومن تلك المراجعات:
1 -
اختلف تلاميذ ابن عباس في المراد بقوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (2)، فقال سعيد بن جبير: «هو الزوج، وقال مجاهد وطاوس: هو الولي، قال أبو بشر (3) - الراوي للخبر - فقلت لسعيد: فإن مجاهداً وطاوساً يقولان: هو الولي، قال سعيد: أرأيت لو أن الولي عفا، وأبت المرأة، أكان يجوز ذلك؟ ،
(1) إعلام الموقعين (2/ 271 - 272).
(2)
سورة البقرة من الآية (237).
(3)
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية اليشكري الواسطي، روى عن الصحابي عباد بن شراحيل، وعطاء ومجاهد، وعنه الأعمش وشعبة، وحديثه في الكتب الستة، توفي في الطاعون سنة (123 أو 124).
انظر: التاريخ الكبير (1/ 2/186)، وتهذيب التهذيب (1/ 300).
فرجعت إليهما فحدثتهما، فرجعا عن قولهما وتابعا سعيداً» (1).
2 -
وفي هذه الآية أيضاً اختلف الشعبي والقاضي شريح (2)، حين رفعت قضية إلى شريح في رجل طلق زوجته قبل الدخول بها، فعفا أخوها عن المهر، فأجاز ذلك شريح، وقال: أنا أعفو عن نساء بني مرة، فقال الشعبي: لا والله ما قضي قضاء قط أحمق منه أن يجيز عفو الأخ! ، ثم رجع شريح، فجعل الذي بيده عقدة النكاح الزوج (3).
3 -
وعن الشعبي أنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، فجاءت منه بحمل، فانتفى منه، فقال: يلاعنها، فقال رجل: يا أبا عمرو إن الله قال في كتابه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (4) أفتراها له زوجة وقد طلقها ثلاثاً؟ ! ، فقال الشعبي: إني لأستحي إذا رأيت الحق أن رجع إليه (5).
(1) جامع البيان (4/ 329)، والمحلى لابن حزم (9/ 624)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 251).
(2)
هو أبو أمية شريح بن الحارث الكندي الكوفي القاضي، أدرك الجاهلية، واستقضاه عمر على الكوفة؛ فبقي بها خمساً وسبعين سنة، ثم استعفى من الحجاج فأعفاه، توفي سنة (79 أو 80) وقيل غير ذلك.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 90)، ووفيات الأعيان (2/ 460)، وسير أعلام النبلاء (4/ 100).
(3)
جامع البيان (4/ 319 - 320)، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 251).
(4)
سورة النور من الآية (6).
(5)
مصنف عبد الرزاق (7/ 104)، وسنن سعيد بن منصور (3/ 1/409) برقم (1576) ط. الدار السلفية، واللفظ له، ومصنف ابن أبي شيبة (10/ 101)، وفيه:«إني لأستحي إذا رأيت الحق إلا رجعت إليه» .
ويبلغ التواضع للحق بأحدهم إلى أن يصوب من هو دونه، ويرجع عن قوله، فقد جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي، فتجهمه ابن عمر وأفف منه، ثم أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال له: أهد مائة بدنة، ثم أتى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (1) رحمه الله، فقال له: أرأيت لو نذرت أن لا تكلم أباك أو أخاك؟ إنما هذه خطوة من خطوات الشيطان استغفر الله وتب إليه، ثم رجع إلى ابن عباس فأخبره، فقال: أصاب عبد الرحمن، ورجع ابن عباس عن قوله (2).
(1) هو أبو محمد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي القرشي المدني، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، من كبار التابعين، روى عن عمر وعثمان وعلي، وعنه ابنه أبو بكر وأبو قلابة وعكرمة، عينه عثمان لكتابة المصحف، توفي في خلافة معاوية.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 1)، وسير أعلام النبلاء (3/ 484)، وتهذيب التهذيب (2/ 497).
(2)
المغني (13/ 478).