المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثالثا: اختلاف تنوع لا تضاد

علمناها ما حل لنا أن نكتمكموها» (1).

وهذا المنهج العام الذي اتبعه الصحابة والتابعون في الامتناع عن الإفتاء في مسائل لم تقع، أو إبداء الرأي في أمر اجتهادي قد يخطئ وقد يصيب قلل من المسائل الخلافية بينهم، وقلل من حديثهم في المسائل التي لا طائل تحتها.

والأقوال السابقة وإن كانت تتعلق بالفتيا فإنها تعطينا تصوراً واضحاً عن مدى الجدية التي كان عليها الصحابة والتابعون، واهتمامهم بالأمور النافعة المثمرة، وهذا المنهج الذي اتبعوه أثر في موقفهم من تفسير بعض الآيات، ومن ذلك الخوض في تفسير بعض الآيات التي لا فائدة تعود من الكلام في تفاصيلها؛ كالتفاصيل الدقيقة لما وقع للأمم الماضية مما أعرض القرآن الكريم عن ذكره؛ لأجل ذلك أعرض الصحابة والتابعون في الجملة عن الخوض فيها، وعاملوها معاملة المسائل التي لم تقع.

‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

.

ومن السمات البارزة لما وقع بين الصحابة والتابعين من الاختلاف في التفسير اعتبار أكثره من اختلاف التنوع الذي يمكن الجمع بين أقواله، وهذا النوع من الاختلاف أشار إليه ابن تيمية، وجاء في كلام المتقدمين ما يدل عليه، فقال أبو

(1) سنن الدارمي (1/ 53).

ص: 154

الدرداء رضي الله عنه (1): «لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة» (2).

وعن سفيان بن عيينة (3) قال: «ليس في تفسير القرآن اختلاف، إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا» (4).

وهذا النوع أحد نوعي الخلاف اللذين ذكرهما ابن تيمية في تفسير السلف.

والنوع الثاني خلاف التضاد، والمقصود به: القولان المتنافيان الذي يلزم من

(1) هو عويمر بن عامر وقيل ابن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي، تأخر إسلامه قليلاً فأسلم يوم بدر وشهد أحداً وما بعدها، انتقل إلى الشام وولاه معاوية قضاءها، وتوفي بدمشق في خلافة عثمان عام (32).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/117)، وأسد الغابة (6/ 97)، والإصابة (7/ 182).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 255)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 2/114)، والإمام أحمد في الزهد (ص 134)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 211)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 173)، وانظر فتح الباري لابن حجر (13/ 383).

(3)

هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي الكوفي، ولد سنة (107)، روى عن عمرو بن دينار والزهري، وعنه الأعمش والشافعي وأحمد، قال الشافعي:«لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز» ، توفي عام (198).

انظر: التاريخ الكبير (2/ 2/94)، وتذكرة الحفاظ (1/ 262)، وتهذيب التهذيب (2/ 59).

(4)

سنن سعيد بن منصور (5/ 312) برقم (1061)، والسنة للمروزي (ص 7)، والدر المنثور (1/ 15، 3/ 306).

ص: 155

القول بأحدهما نفي القول الآخر (1)، وذكر ابن تيمية أن هذا النوع موجود بين السلف (2)، إلا أن غالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف التنوع (3).

والمراد باختلاف التنوع: ما لا تنافي بين الأقوال، فيمكن حمل الآية على جميع ما قيل فيها من غير تعارض (4).

وذكر الشاطبي من ضروب الخلاف الذي لا يعتد به «ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة؛ فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالاً مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل، فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه» (5).

وهذا النوع من الاختلاف له صور، منها:

1 -

أن يعبر كل واحد من السلف عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل

(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 151)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (19/ 139).

(2)

مجموع الفتاوى (13/ 343).

(3)

المصدر السابق (13/ 333).

(4)

انظر المصدر السابق (19/ 139).

(5)

الموافقات (5/ 210).

ص: 156

على معنى في المسمّى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمّى، فهي في حقيقتها ترجع إلى شيء واحد، لكن يوهم نقلها على اختلاف اللفظ على أنه خلاف محقق (1).

مثل اختلاف عبارات السلف في المراد بالصراط المستقيم، فعن علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما أن الصراط المستقيم كتاب الله تعالى.

ورواية أخرى عن ابن مسعود وجابر وابن عباس رضي الله عنهم أنه الإسلام.

وعن أبي العالية والحسن قالا: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده» (2).

وعند تأمل هذه الأقوال نجدها متفقة، فكلها من الصراط المستقيم، فالإسلام لا يكون إلا بإتباع القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن تيمية بعدما ذكر الأقوال في معنى الصراط المستقيم: «فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها» (3).

2 -

أن يذكر كل واحد منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، ومن أمثلته:

(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 333)، والموافقات (5/ 211).

(2)

جامع البيان (1/ 173 - 175)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 30).

(3)

مجموع الفتاوى (13/ 336).

ص: 157

الخلاف في معنى المنّ الوارد في قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (1).

فعن بعض السلف أنه كان ينزل عليهم مثل الثلج.

وعن آخرين: أنه مثل العسل، وقيل: خبز الرقاق مثل الذرة، وقيل: الزنجبيل (2).

قال الشاطبي معلقاً على هذا الاختلاف: «فهذا كله يشمله اللفظ؛ لأن الله منَّ به عليهم، ولذلك جاء في الحديث: «الكمأة من المنِّ الذي أنزله الله على بني إسرائيل» (3)، فيكون المنُّ جملة نعم، ذكر الناس منها آحاداً» (4).

3 -

ومنها أن يكون اللفظ المفسر محتملاً للأمرين، كأن يكون مشتركاً

(1) سورة البقرة من الآية (57).

(2)

انظر: جامع البيان (1/ 700 - 703)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 115، 5/ 1591 - 1592).

(3)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه؛ في كتاب الأشربة (3/ 1620) برقم (2049) عن سعيد بن زيد رضي الله عنه وتمامه: «وماؤها شفاء للعين» ، وأخرجه البخاري عنه بلفظ:«الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين» . صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} (5/ 148).

(4)

الموافقات (5/ 211).

ص: 158

لفظياً، أو متواطئاً (1).

مثال المشترك: لفظ "قسورة" في قوله تعالى: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (2)، فعن ابن عباس وأبي موسى ومجاهد وعكرمة أن المراد به الرماة.

وعن أبي هريرة ورواية عن ابن عباس، وهو قول زيد بن أسلم (3) أن المراد به الأسد (4).

ومثله لفظ "عسعس" في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (5)، فعن علي وابن عباس وقتادة والضحاك أن المراد به إدبار الليل، وعن الحسن أنه إقباله (6).

(1) اللفظ المشترك هو: اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعاً أولاً من حيث هما كذلك، وأما المتواطئ فيطلق على أشياء متغايرة بالعدد متفقة بالمعنى الذي وضع الاسم عليها، انظر في تعريفهما: المستصفى للغزالي (1/ 31)، وروضة الناظر (1/ 100)، والتعريفات للجرجاني (ص 252، 269).

(2)

سورة المدثر آية (51).

(3)

هو أبو عبد الله زيد بن أسلم القرشي العدوي، مولى عمر بن الخطاب، روى عن ابن عمر وجابر وأنس، وروى عنه الثوري وابن عيينة، وكانت له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، توفي عام (136).

انظر: التاريخ الكبير (2/ 1/387)، وتذكرة الحفاظ (1/ 132)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 182).

(4)

انظر: جامع البيان (23/ 455 - 460)، والدر المنثور (6/ 286).

(5)

سورة التكوير آية (17).

(6)

جامع البيان (24/ 159 - 161).

ص: 159

قال ابن تيمية: «فمثل هذا قد يجوز أن يراد به كل المعاني التي قالها السلف» (1).

ومثال المتواطئ الاختلاف في عود الضمير إذا احتمل شيئين كقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (2)، فعن ابن عباس أن الذي دنا هو الرب جل وعلا، وعن الحسن وقتادة أنه جبريل عليه السلام (3).

4 -

ومن صور اختلاف التنوع أن يرد عن السلف في تفسير الآية ألفاظ متقاربة، فيحكيها بعض الناس عنهم على أنها اختلاف، يقول الزركشي حين ذكر تفاسير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم: «يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافاً فيحكيه أقوالاً، وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً، والمراد الجميع، فليتفطن لذلك، ولا

(1) مجموع الفتاوى (13/ 341).

(2)

سورة النجم الآيتان (8 - 9).

(3)

جامع البيان (22/ 14 - 15)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 341).

ص: 160

يفهم من اختلاف العبارات اختلاف المرادات» (1).

ومن أمثلته لفظ "تبسل" في قوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} (2)، فمن عبارات السلف في معناها: تُرتهن، وقيل بمعنى: تُحبس، وقيل: تُسلم، وقيل: تُؤخذ.

وقد علق ابن كثير على هذه الأقوال بقوله: «وكل هذه العبارات متقاربة في المعنى؛ وحاصلها الإسلام للهلكة والحبس عن الخير، والارتهان عن درك المطلوب، كما قال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} (3)» (4).

وبهذا التفصيل يمكن تصنيف كثير من اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير على أنه من اختلاف التنوع، وأن الخلاف الحقيقي المعتبر مما له ثمرة قليل.

وبتصنيف أكثر تفسير الصحابة والتابعين على أنه من اختلاف التنوع يمكن القول بأن اختلافهم يفيد المفسر في فهم القرآن الكريم، فهو يثري معارفه ويعطيه مجالات أرحب في فهم الآيات؛ لأن حقيقة هذا الاختلاف زيادة في إيضاح معنى

(1) البرهان (2/ 301)، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 341).

(2)

سورة الأنعام من الآية (70).

(3)

سورة المدثر الآيتان (38، 39).

(4)

تفسير القرآن العظيم (3/ 274)، وانظر: جامع البيان (9/ 320 - 322)، وتفسير ابن أبي حاتم (4/ 1318)، والجامع لأحكام القرآن (3/ 2452)، وبحوث في أصول التفسير ومناهجه د. الرومي (ص 44).

ص: 161