الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقوله: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} (1)، وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العَمْد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمّد مأثوم، والمخطئ غير مَلُوم» (2).
الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى
.
ومن أمثلة هذه الصورة:
1 -
ردَّ ابن عباس على من زعم أنه لا يجوز للمجاهد أن يقاتل الأعداء إذا كانوا أكثر من اثنين في مقابل الواحد، وأن من أقدم على القتال فهو آثم، مستدلاً بقوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} (3)، يقول ابن عباس في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} الآية (4): «إن الله كان جعل على كل رجل من المسلمين عشرة من العدو يغريهم بذلك، ليوطنوا أنفسهم على الغزو، وأن الله ناصرهم على العدو، ولم يكن أمراً عزمه الله عليهم ولا أوجبه، ولكن كان تحريضاً ووصية أمر الله بها نبيه، ثم خفف عنهم فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ
(1) سورة المائدة من الآية (95).
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 183 - 184).
(3)
سورة الأنفال من الآية (66).
(4)
(65) من سورة الأنفال.
عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} (1)، فجعل على كل رجل رجلين بعد ذلك تخفيفاً، ليعلم المؤمنون أن الله بهم رحيم، فتوكلوا على الله وصبروا وصدقوا، ولو كان عليهم واجباً كفروا إذن؛ كل رجل من المسلمين نكل عمن لقي من الكفار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم، فلا يغرنك قول رجال، فإني قد سمعت رجالاً يقولون: إنه لا يصلح لرجل من المسلمين أن يقاتل حتى يكون على كل رجل رجلان، وحتى يكون على كل رجلين أربعة، ثم بحساب ذلك، وزعموا أنهم يعصون الله إن قاتلوا حتى يبلغوا عدة ذلك، وإنه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتى يبلغوا عدة أن يكون على كل رجل رجلان، وعلى كل رجلين أربعة، وقد قال الله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (2)، وقال الله:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (3)،
فهو التحريض الذي أنزل الله عليهم في "الأنفال"، فلا تعجزن، قاتل قد سقطت بين ظهري أناس كما شاء الله أن يكونوا» (4).
2 -
وقيل لأبي العالية: «إن أناساً يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب قال: ولم ذاك؟ ، قالوا: يتأولون هذه الآية: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
(1) سورة الأنفال من الآية (66).
(2)
سورة البقرة آية (207).
(3)
سورة النساء من الآية (84) ..
(4)
جامع البيان (11/ 264 - 265).
حَسَنَاتٍ} (1)، فقال أبو العالية: وكان إذا أخبر بما لا يعلم قال: آمنت بما أنزل الله من كتاب، ثم تلا هذه الآية:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} » (2).
فهذه الآية تخبر بمدى إشفاق المرء يوم القيامة من ذنوبه، وتمنيه أن يكون بينه وبينها أمداً بعيداً، وهذا يمنع محبة المسلم الاستكثار من السيئات، فالاستدلال بآية الفرقان على الاستكثار من الذنوب غير صحيح، فتبديل السيئات حسنات مشروط بالتوبة منها قبل الموافاة، كما دل عليه سياق الآية:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .
3 -
وعن محمد بن كعب القرظي قال: «إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل، وإنا لنجد ذلك في كتاب الله، في قصة الخبر عن إبراهيم وما أمر به من ذبح ابنه أنه إسماعيل، وذلك أن الله يقول حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (3)، ثم يقول:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (4) يقول: بابن وابن ابن، فلم يكن يأمر بذبح إسحاق وله فيه من
(1) سورة الفرقان من الآية (70).
(2)
سورة آل عمران من الآية (30)، والأثر في: تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2733)، والدر المنثور (5/ 80) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(3)
سورة الصافات آية (112).
(4)
سورة هود من الآية (71).
الله موعود بما وعده، وما الذي أُمر بذبحه إلا إسماعيل» (1).
قال الرازي (2) في الحجج على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام: «الحجة الرابعة: قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ، فنقول: لو كان الذبيح إسحاق لكان الأمر بذبحه إما أن يقع قبل ظهور يعقوب منه أو بعد ذلك، فالأول: باطل لأنه تعالى لما بشرها بإسحاق، وبشرها معه بأنه يحصل منه يعقوب، فقَبْل ظهور يعقوب منه لم يجز الأمر بذبحه، وإلا حصل الخُلْف في قوله:{وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} ، والثاني: باطل
…
فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحاق» (3).
وقال ابن كثير: «ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق؛ لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده؟ ! ، ووعد الله حق لا خُلْفَ فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة
(1) جامع البيان (19/ 596)، والمستدرك (2/ 555) واللفظ له، والدر المنثور (5/ 281) وعزاه لعبد بن حميد.
(2)
هو محمد بن عمر بن الحسين التيمي الرازي الشافعي، يلقب بفخر الدين، ويعرف بابن الخطيب، ولد سنة (544)، من مصنفاته: المحصول، وشرح المفصل، ومناقب الشافعي، وتوفي بهراة عام (606).
انظر: وفيات الأعيان (4/ 248)، وطبقات الشافعية للسبكي (8/ 81)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 100).
(3)
التفسير الكبير (9/ 347) باختصار.
هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه، ولله الحمد» (1).
(1) تفسير القرآن العظيم (4/ 266)، وقال في (7/ 30):«والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى، والله أعلم» ، وانظر: فتح القدير (4/ 404)، وأضواء البيان (6/ 392 - 393).