الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكريم بمثابة الرواية عن الله، جعل الكذب فيه أخطر وأعظم من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فعنه قال:«لأن أكذب مائة كذبة على محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أكذب في القرآن كذبة، إنما يفضي الكاذب في القرآن إلى الله» (1).
وجاء عنه قوله: «من كذب على القرآن، فقد كذب على الله» (2).
ومراد الشعبي بالكذب في القرآن الكذب في تفسيره، فقد اشتهر بتعظيم التفسير وشدة التحرز منه، ويوضحه الرواية السابقة عنه:«إن الذي يفسر القرآن برأيه إنما يرويه عن ربه» .
فالمخطئ في التفسير قائل على الله بلا علم، والقول على الله بلا علم قرين الشرك في قوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3).
ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك
.
ومن شدة تعظيم الصحابة والتابعين لتفسير القرآن وتهيبهم منه، يتجاهل بعضهم أسئلة التفسير كأنه لم يسمعها، وفي أحيان أخرى ينهى عن إثارة الأسئلة المتعلقة بالتفسير مع إذنه بأسئلة العلوم الأخرى، فقد سئل سعيد بن المسيب عن آية
(1) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 59) في باب ما جاء فيمن قال في القرآن برأيه.
(2)
حلية الأولياء لأبي نعيم (4/ 312)
(3)
سورة الأعراف آية (32).
من القرآن، فقال للسائل: لا تسألني عن القرآن (1).
وسيأتي أنه يسأل في الحلال والحرام فيجيب، فإذا سئل عن التفسير سكت كأن لم يسمع، وكان بعض السلف يمنع من يثير أسئلة التفسير من مجالسته، فقد جاء عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه (2) أن طلق بن حبيب (3) سأله عن آية فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت عني، أو قال: أن تجالسني (4).
وطلق رمي بالإرجاء (5)،
فقد يكون أثار سؤالاً عن آية تتعلق بهذا المذهب،
(1) مصنف ابن أبي شيبة (10/ 511)، وجامع البيان (1/ 81).
(2)
هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي، وقد ينسب إلى جده فيقال: ابن سفيان، قال عن نفسه: كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً حزوراً، سكن الكوفة ثم انتقل منها إلى البصرة، وأدرك زمن ابن الزبير.
انظر: التاريخ الكبير (1/ 2/221)، وأسد الغابة (1/ 360)، والإصابة (2/ 104).
(3)
هو طلق بن حبيب العنزي البصري، عابد رمي بالإرجاء، روى عن ابن عباس وابن الزبير، وعنه عمرو بن دينار والأعمش، أخرج له الستة إلا البخاري، سجنه الحجاج، ثم أخرج وتوفي بعد ذلك.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 1/165)، وحلية الأولياء (3/ 63)، وتهذيب التهذيب (2/ 245).
(4)
جامع البيان (1/ 80).
(5)
الإرجاء يراد به إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، وهو مأخوذ إما من التأخير، وهو تأخير العمل عن الإيمان، وإما من إعطاء الرجاء، والمرجئة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم أصناف: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، ومرجئة أهل السنة.
انظر عنهم: مقالات الإسلاميين (ص 132)، والفرق بين الفرق (ص 202)، والملل والنحل (1/ 139).
فكره جندب رضي الله عنه سؤاله، وأمره بمفارقة مجلسه، وقد جاء عن أيوب السختياني (1) أنه قال:«ما رأيت أعبد من طلق بن حبيب، فرآني سعيد بن جبير (2) جالساً معه، فقال: ألم أرك مع طلق؟ ! ، لا تجالس طلقاً، وكان طلق يرى الإرجاء» (3).
أما إذا كان قصد السائل إثارة مشكل الآيات، والبحث عن متشابهها، فقد يصل الأمر إلى تأديبه، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صَبِيْغِ بن عِسْل (4) عندما
(1) هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري، روى عن أبي العالية وابن جبير، وعنه شعبة والسفيانان، وقال عنه الحسن:«أيوب سيد شباب البصرة» ، توفي بالطاعون في البصرة عام (131).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/14)، وتهذيب الكمال (3/ 457)، وتذكرة الحفاظ (1/ 130).
(2)
هو أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي الوالبي الكوفي، أكثر عن ابن عباس، وروى عن ابن عمر، وعنه أيوب والأعمش، خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج عام (95)، وله تسع وأربعون سنة.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 178) ، وتذكرة الحفاظ (1/ 76)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 188).
(3)
التاريخ الكبير (2/ 2/359)، والطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 1/166)، وسنن الدارمي (1/ 115)، وكتاب ما جاء في البدع لابن وضاح (ص 113).
(4)
كذا جاء ضبطه في الاشتقاق لابن دريد (ص 228)، والمشتبه للذهبي (ص 414)، وتبصير المنتبه لابن حجر (3/ 855)، وفي لسان العرب (4/ 2397) "صبغ":«وصِبْغ اسم رجل كان يعنت الناس بسؤالات في مشكل القرآن» ، وفي القاموس المحيط (ص 1013) "صبغ":«صبيغ كأمير ابن عُسيل» ، وضبطه في تاج العروس (8/ 19) "صبغ": عِسل بكسر العين، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في الإصابة (5/ 168) في القسم الثالث؛ فيمن ذكر في بعض الكتب المؤلفة في الصحابة ممن أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا رأوه، سواء أسلموا في حياته أم لا، قال:«وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق من أهل العلم بالحديث» ، ثم ذكر أنه تميمي، ثم ذكر قصته مع عمر رضي الله عنه. انظر عنه أيضاً: الاشتقاق لابن دريد (228)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (23/ 408)، والوافي بالوفيات للصفدي (16/ 283).
سأل عن متشابه القرآن كقوله تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} (1)،
عند ذلك ضربه عمر وحبسه، ثم منع الناس من كلامه، حتى أظهر التوبة والرجوع (2).
وكذلك فعل مع رجل آخر حين سأله عن آية، فكره سؤاله، وضربه
(1) سورة الذاريات الآيات (1 - 3) ..
(2)
أخرج القصة: ابن وهب في الجامع (1/ 95)، والدارمي في سننه (1/ 58 - 60)، وابن وضاح في ما جاء في البدع (ص 121)، وابن بطة في الإبانة، كتاب " الإيمان "(1/ 414 - 415) برقم (329، 330)، والآجري في الشريعة (ص 80)، وأخرجها ابن عساكر مطولةً في تاريخ دمشق (23/ 408)، وأخرجها البزار في مسنده (1/ 423) عن سعيد بن المسيب، وفيها رفع تفسير الذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أن فيه أبا بكر بن أبي سبرة وهو لين الحديث، وسعيد بن سلام، ولم يكن من أصحاب الحديث، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 113):«فيه أبو بكر بن أبي سبرة وهو متروك» ، وذكر ابن كثير في تفسيره (7/ 391) حديث سعيد وعلق عليه بقوله:«فهذا الحديث ضعيف رفعه، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر» ، وذكر أن قصة صبيغ مع عمر مشهورة، وينظر مسند الفاروق لابن كثير (2/ 606)، وكذا ذكر ابن حجر في الإصابة (5/ 168) أن القصة مشهورة، وذكر أن الأنباري أخرجها عن السائب بن يزيد عن عمر بسند صحيح.