الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً
نقد التفسير بذكر ما يترتب عليه
ينتقد العلماء تفسير الآية بذكر ما يلزم عليه من لوازم باطلة، ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:
1 -
فاستدل ابن عباس على ضعف تفسير الطوفان بالموت بأنه لو كان الأمر كذلك فلمن يُرْسَل موسى بالآيات الأربع المذكورة في سورة الأعراف بعد الطوفان في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} ؟ (3)، وكأن ابن عباس يرى الترتيب بين الآيات المذكورة، واستدل ابن عباس على صحة تفسير الطوفان بالماء بما ذكره الله تعالى من
(1) سورة العنكبوت من الآية (14).
(2)
جامع البيان (10/ 395).
(3)
سورة الأعراف آية (133).
إغراق قوم نوح عليهم السلام بالطوفان، وهو الماء إجماعاً.
ويحتمل أن يكون مراد ابن عمر أن يسلط الموت عليهم، لكن لا يفنيهم، بل يبقى منهم بقية، والله أعلم.
2 -
اختلف سعيد بن جبير مع مجاهد وطاوس، فعن أبي بشر عن سعيد قال:«{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}: هو الزوج، وقال مجاهد وطاوس: هو الولي، قال: قلت لسعيد: فإن مجاهداً وطاوساً يقولان: هو الولي؟ قال سعيد: فما تأمرني إذاً؟ ، ثم قال: أرأيت لو أن الولي عفا وأبت المرأة، أكان يجوز ذلك؟ ، فرجعت إليهما فحدثتهما، فرجعا عن قولهما وتابعا سعيداً» (2).
ورأي ابن جبير قال به جماعة من أهل العلم (3)، واستدل ابن جبير على ضعف قول مجاهد وطاوس بأن المرأة لو أبت التنازل عن حقها في الصداق لم يكن للولي إجبارها على ذلك، فالولي لا يستقل وحده بالعفو عن الصداق.
(1) سورة البقرة من الآية (237).
(2)
سنن سعيد بن منصور (3/ 887)، وجامع البيان (4/ 329) واللفظ له، والسنن الكبرى للبيهقي (7/ 251).
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 426)، وفتح القدير (1/ 254).
3 -
وفي رواية فقال سعيد بن جبير: «أرأيت لو أن رجلاً فاته يوم عرفة، أكان يفوته الحج؟ ، وإذا فاته يوم النحر فاته الحج» (3).
(1) جامع البيان (4/ 332)، وانظر الجامع لأحكام القرآن (2/ 1015).
(2)
ابن عبد المطلب القرشي الهاشمي، ولد سنة (40) وروى عن أبيه وأبي هريرة، وهو أصغر ولد أبيه، وكان يلقب بالسجاد لكثرة صلاته، وكان أجمل قريش، توفي بالشام عام (118)، وقيل غير ذلك.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 229)، ووفيات الأعيان (3/ 274)، وتهذيب التهذيب (3/ 180).
(3)
جامع البيان (11/ 328).
وإذا كان الحج لا يفوت بفوات يوم عرفة فلا يصح أن يكون هو يوم الحج الأكبر، وينبغي حمل كلام ابن جبير بأن الحج لا يفوت بفوات يوم عرفة، لأن الوقوف بعرفة يمتد إلى فجر يوم النحر، وقد بين ذلك عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فقال:«الحج يفوت بفوت يوم النحر، ولا يفوت بفوت يوم عرفة، إن فاته اليوم لم يفته الليل، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر» (1).
والقول بأن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر هو الراجح، وهو ما رجحه الطبري، وأشار إلى دليل ابن جبير، فقال:«إنما يحج الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوف بعرفة غير فائت إلى طلوع الفجر، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحج، فأما يوم عرفة فإنه وإن كان الوقوف بعرفة، فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحج كله يوم النحر» (2)، ورجحه كذلك ابن تيمية والشوكاني والشنقيطي (3)، والله أعلم.
4 -
وفي قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (4).
(1) المصدر السابق (11/ 335).
(2)
المصدر السابق (11/ 336).
(3)
مجموع الفتاوى (24/ 227)، وفتح القدير (2/ 333)، وأضواء البيان (2/ 383).
(4)
سورة الكهف من الآية (28).
تأولها بعض الناس بأن المراد بالذين يدعون ربهم بالغداة والعشي القُصَّاص.
وأنكر أبو جعفر ذلك؛ معللاً بأن الآية تخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن يكون المراد القُصَّاص، لأنه لا يتصور أن يقص أحد على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال منكراً هذا المعنى:«كان يقرئهم القرآن، من الذي يقص على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! » (1).
(1) جامع البيان (9/ 268)، وعلق عليه الشيخ شاكر في (11/ 386) ط. دار المعارف، فقال:«وهذه حجة مبينة في فساد من تأول الآية على غير الوجه الصحيح الذي أجمعت عليه الحجة» .