الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نافع قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} (1)، فقال ابن عباس:«ويلك أمجنون أنت؟ ! ، أين قوله: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}، وقوله: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} (2)، وقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}؟ ، والله إن كان من دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالماً، وأدخلني الجنة غانماً» (3).
القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار
.
ولأن الخوارج يعتقدون خلود من دخل في النار، فقد نفوا قبول الشفاعة فيمن دخلها، وردوا الأدلة الدالة على ذلك، وعارضوها بالآيات التي تدل على خلود الكفار في النار، ثم تأولوها على المؤمنين، ومن نقد هذا الأصل لديهم:
1 -
عن يزيد الفقير قال: «كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج (4)، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا
(1) سورة الأنبياء من الآية (102).
(2)
سورة مريم آية (86).
(3)
جامع البيان (15/ 591)، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (6/ 2081)، والتمهيد (6/ 354).
(4)
أي: أنه أحب رأي الخوارج القائل بتخليد أصحاب الكبائر في النار، شرح النووي على مسلم (3/ 50).
على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم؛ جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون؟ ! والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (1)، و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} (2)، فما هذا الذي تقولون؟ ! ، قال: فقال: أتقرأ القرآن؟ ، قلت: نعم، قال: فهل سمعت بمقام محمد عليه السلام؟ - يعني الذي يبعثه الله فيه - قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم المحمود الذي يخرج الله به من يخرج، قال: ثم نعت وضع الصراط ومرَّ الناس عليه، قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذاك، قال: غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم (3)، قال: فيدخلون نهراً من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه، فيخرجون كأنهم القراطيس، فرجعنا وقلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! ، فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد» (4).
2 -
وعن طلق بن حبيب قال: «كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، حتى لقيت جابر بن عبد الله، فقرأت عليه كل آية ذكرها الله عز وجل فيها خلود
(1) سورة آل عمران من الآية (192).
(2)
سورة السجدة من الآية (20).
(3)
السماسم جمع سمسم وهو هذا النبت المعروف، وعيدانه إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها صارت دقاقاً سوداً كأنها محترقة، فشبه بها هؤلاء، وقيل: لعله الساسم وهو عود أسود، انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 400) مادة "سمسم"، وشرح النووي على مسلم (3/ 51).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/ 179) برقم (191).
أهل النار، فقال: يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله مني، وأعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فاتضعت له، فقلت: لا والله بل أنت أقرأ لكتاب الله مني، وأعلم بسنته مني، قال: فإن الذي قرأت أهلها هم المشركون، ولكن قوم أصابوا ذنوباً فعذبوا بها، ثم أخرجوا، صمتا - وأهوى بيديه إلى أذنيه - إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يخرجون من النار» ، ونحن نقرأ ما تقرأ» (1).
وقد سبق أن طلقاً كان يرى الإرجاء، وهذا مما تكاد تجمع عليه المصادر التي ترجمت له، ولم يذكر أحد منهم أنه رجع عن مذهبه (2)، والأثر الذي بين أيدينا يدل على أنه يرى رأي الخوارج القائل بتخليد من دخل النار، فلعله - والله أعلم - رجع عن مذهب الخوارج بعد مناظرة جابر رضي الله عنه، لكنه وقع في الإرجاء، وفي الأثر ما يدل على رجوعه، فإنه قال: كنت من أشد الناس تكذيباً بالشفاعة، وكذا قوله: فاتضعت له، يشعر باقتناعه بكلام جابر رضي الله عنه، والله أعلم.
3 -
وقال رجل للحسن: «يا أبا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفاعة أحق هو؟ ، قال: نعم، فقال الرجل: أرأيت قول الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ
(1) أخرجه أحمد في المسند (3/ 330)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (3/ 66)، وابن الجعد في مسنده (ص 486)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (2/ 149 - 150)، وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 285)، وابن حبان في الثقات (6/ 336) مختصراً، وحكم عليه الألباني بالصحة في صحيح الأدب المفرد (ص 221).
(2)
انظر على سبيل المثال: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 1/165)، والتاريخ الكبير (2/ 2/359)، والمعارف (ص 468)، والجرح والتعديل (2/ 1/490)، والثقات لابن حبان (4/ 396)، وسير أعلام النبلاء (4/ 601)، وميزان الاعتدال (3/ 59)، وتهذيب التهذيب (2/ 245).