الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكال فلا تأخذ مما يكال إلا التمر، فقلت: فإن فضل لي عنده الكسر؟ ، قال: فأعطه أنت الكسر، وخذ منه الدرهم، قال: فرجعت، فإذا عكرمة يطلبني، فقال: إن الذي قلت لك: هو حلال؛ هو حرام» (1).
وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:
1 -
عدم صحة قول سعيد لمولاه: «لا تكذب علي، كما يكذب عكرمة على ابن عباس» ، وقد نص على ذلك ابن حجر وغيره.
2 -
ما ورد في الروايات الأخرى التي كذب فيها ابن المسيب عكرمة محمولة على التكذيب في وقائع خاصة تكلم فيها عكرمة فكذبه فيها، ولا يراد به العموم، وهذا الاحتمال ظاهر في تكذيب ابن جبير ومجاهد وعطاء (2).
ولذا يرد عن بعض من كذبه تصوبيه في مواطن أخرى، ومن ذلك أن مجاهداً بعث رجلاً إلى عكرمة يسأله عن قول الله لأيوب:{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} (3)، فقال: قيل له: إن أهلك لك في الآخرة، فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا، فقال: يكونون لي
(1) الكامل لابن عدي (1/ 127).
(2)
انظر هدي الساري (ص 427).
(3)
سورة الأنبياء من الآية (84).
في الآخرة، وأوتي مثلهم في الدنيا، فرجع إلى مجاهد، فقال: أصاب (1).
بل إن سعيد بن جبير - وهو أحد من كذبه - لما قيل له: «تعلم أحداً أعلم منك؟ ، قال: نعم عكرمة» (2).
3 -
أن قوله وقول غيره في الروايات السابقة كذب هو بمعنى: أخطأ، وليس المراد أنه يتعمد الإخبار بخلاف الواقع.
4 -
أن تكذيب عكرمة لو صح عن ابن المسيب فهو مدفوع ومقابل بتوثيق الأئمة لعكرمة، وفيهم من هو أرفع منزلةً وأجل قدراً من ابن المسيب رحمه الله، فقد ثبت توثيق ابن عباس لتلميذه عكرمة وهو أدرى به من ابن المسيب، فعن عكرمة أنه قال لأبي أمامة رضي الله عنه:«يا أبا أمامة أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ ، فقال أبو أمامة: نعم» (3).
وقد ذكر بعض العلماء أنه «عدله أمة من التابعين، منهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد لكبير أحد من
(1) جامع البيان (16/ 365 - 366)، وانظر شواهد أخرى في (2/ 502، 18/ 386 - 387)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 230، 231).
(2)
الضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 374)، وتاريخ دمشق (41/ 87)، ووفيات الأعيان (3/ 265).
(3)
تاريخ دمشق (41/ 82)، وتاريخ ابن معين (3/ 259)، والتمهيد (2/ 31)، وهدي الساري (ص 428).
التابعين؛ على أن من جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه، ولم يستغن عن حديثه، وكان حديثه متلقى بالقبول قرناً بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين اخرجوا الصحيح، على أن مسلماً كان أسوأهم رأياً فيه، وقد أخرج له مع ذلك مقروناً» (1).
وابن سيرين مع قدحه في عكرمة - كما تقدم - يروي عنه وإن لم يسمه، فكان يقول: نبئت عن ابن عباس (2).
وقد أخرج له البخاري في صحيحه، ولكثرة من عدله حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك (3).
أما مقامه في تفسير القرآن فقد أثنى كثير من العلماء على تقدمه فيه:
فالشعبي مع ورعه الشديد عن التفسير يقول عنه: «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى من عكرمة» (4).
والحسن مع إمامته ترك كثيراً من تفسير القرآن حين قدم عكرمة البصرة كما حكاه أيوب وابن عيينة (5).
(1) هدي الساري (ص 429 - 430)، ونقله عن ابن منده.
(2)
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 215).
(3)
تهذيب التهذيب (3/ 138).
(4)
حلية الأولياء (3/ 326).
(5)
العلل لأحمد (1/ 164)، وتفسير ابن أبي حاتم (8/ 2747)، والكامل لابن عدي (6/ 473)، وتاريخ دمشق (41/ 91).
ويقول قتادة: «أعلم الناس بالتفسير عكرمة» (1).
وقال فيه: «لا تسألوا العبد إلا عن القرآن» (2).
ويقول سفيان الثوري (3): «خذوا التفسير من أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك بن مزاحم» (4).
وحين سئل أبو حاتم (5) عن عكرمة وسعيد بن جبير: أيهما أعلم بالتفسير؟
(1) الكامل لابن عدي (6/ 471)، وحلية الأولياء (3/ 326).
(2)
المعرفة والتاريخ (2/ 12).
(3)
هو الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، ولد سنة (97)، قال عنه ابن المبارك:«كتبت عن ألف ومائة شيخ؛ ما كتبت عن أفضل من سفيان» ، اختفى في آخر عمره من المهدي العباسي فتوفي بالبصرة عام (161).
انظر: التاريخ الكبير (2/ 2/92)، وتاريخ بغداد (9/ 151)، وتذكرة الحفاظ (1/ 203)، وتهذيب التهذيب (2/ 56).
(4)
الكامل لابن عدي (5/ 150)، وحلية الأولياء (3/ 329)، وتاريخ دمشق (41/ 92).
(5)
هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي، ولد عام (195)، وهو من كبار الحفاظ، روى عنه أبو داود والنسائي وأبو زرعة، توفي عام (277) عن (82) سنة.
انظر: الجرح والتعديل (3/ 2/204)، وتذكرة الحفاظ (2/ 567).
قال: «أصحاب ابن عباس عيال على عكرمة» (1).
وتصديق كلام أبي حاتم قول حبيب بن أبي ثابت (2): «اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبداً؛ عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا» (3).
وقال ابن حبان: «كان عكرمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن» (4).
(1) الجرح والتعديل (3/ 2/9).
(2)
هو حبيب بن قيس بن دينار أبو يحيى الأسدي الكوفي، روى عن ابن عباس وابن عمر، وعنه الأعمش والثوري، وهو من أصحاب الفتيا في الكوفة، حديثه في الكتب الستة، توفي في رمضان سنة (119). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 223)، والمعرفة والتاريخ (2/ 204)، وتهذيب التهذيب (1/ 347).
(3)
حلية الأولياء (3/ 326)، وتاريخ دمشق (41/ 91).
(4)
الثقات (5/ 229)، وانظر ثناء ابن عبد البر على عكرمة في جامع بيان العلم وفضله (2/ 155).