الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته، وإن الآخر دعاه ليحاكمه إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر حتى تدافعوا، وحتى تناول بعضهم بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف، فأمر الله أن تقاتل حتى تفيء إلى كتاب الله وإلى حكم نبيه صلى الله عليه وسلم، وليست كما تأولها أهل الشبهات وأهل البدع وأهل الفرى على الله وعلى كتابه أنه المؤمن يحل لك قتله، فو الله لقد عظم الله حرمة المؤمن حتى نهاك أن تظن بأخيك إلا خيراً، فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الآية» (1)(2).
القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار
.
يحكم الخوارج بالخلود في النار لكل من دخلها حتى لو كان مسلماً، فجعلوا المسلم كالكافر الأصلي، وحملوا النصوص الواردة في تخليد الكفار عليه، ومن شواهد نقد هذا الأصل لديهم:
1 -
قال نافع بن الأزرق لابن عباس رضي الله عنهما: «يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم أن قوماً يخرجون من النار، وقد قال الله جل وعز: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} (3)؟ ، فقال ابن عباس: ويحك اقرأ ما فوقها! هذه للكفار» (4).
فأبطل ابن عباس رضي الله عنه استدلاله بالآية بكون سياق الآيات يدل على خلافه،
(1) سورة الحجرات من الآية (10).
(2)
جامع البيان (21/ 361).
(3)
سورة المائدة من الآية (37).
(4)
جامع البيان (8/ 407).
فالآيات تتحدث عن الكفار، فإن الله تعالى قال في الآية التي قبلها:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (1).
2 -
ومما جرى بينه وبين ابن عباس أنه ناظره في معنى الورود الوارد في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (2)، وكان نافع يرى أن الورود ليس بمعنى الدخول ليتفق مع مذهبه القائل بخلود من دخل النار، وعدم خروجه منها، فقال له ابن عباس:«الورود الدخول، فقال نافع: لا، فقرأ ابن عباس: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (3)، وقال له: أورود هو أم لا؟ ، وقرأ قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} (4)، وقال: أورود هو أم لا؟ ، ثم قال: أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟ ، وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك، فضحك نافع، فقال ابن عباس: ففيم الضحك إذاً؟ ! » (5).
- وفي بعض الروايات أن ابن عباس لما ذكر له أن الورود بمعنى الدخول تلا
(1) سورة المائدة الآيتان (36، 37).
(2)
سورة مريم آية (71).
(3)
سورة الأنبياء آية (98).
(4)
سورة هود آية (98).
(5)
تفسير عبد الرزاق (2/ 11)، وجامع البيان (15/ 591).