المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌رابعا: مع الاختلاف مودة وألفة

الآية، وإعطائها دلالة أوسع.

‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

.

لم يتخذ الاختلاف بين الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في التفسير شكلاً عنيفاً، أو يخرج عن مساره الشرعي، بل اتسم ببقاء المودة والألفة؛ إذ لم يكن فيه خصام أو تهاجر أو تقاطع أو اقتتال.

ولا يعني ذلك ألا يصدر من بعضهم ألفاظ شديدة على مخالفيه، فهم كغيرهم يعتريهم ما يعتري البشر من الغضب، وغالباً ما يكون دافع هذه الشدة النصيحة للمسلمين ومحبة الخير لهم، ورد المخطئ إلى الجادة، فيصدر عن بعضهم ألفاظ شديدة في حق المخالف، لكنها لا تؤدي إلى التهاجر والتقاطع (1)، ومن شواهد ذلك:

1 -

قول عائشة رضي الله عنها: «من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية» (2).

(1) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/ 229، 6/ 520).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (4/ 83)، وفي كتاب التفسير، باب تفسير سورة النجم (6/ 50)، ومسلم في كتاب الإيمان (1/ 159) برقم (287) واللفظ له.

ص: 162

وهذا القول قال به بعض الصحابة (1).

2 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (2)، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها» (3).

وكان مذهب أبي ذر رضي الله عنه تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يأمر بذلك، ويغلظ على من يخالفه مستدلاً بأدلة منها هذه الآية، فنهاه معاوية فلم ينته، وحصل بينهما هذا النقاش؛ حتى كتب فيه إلى عثمان رضي الله عنهم (4).

3 -

وعن القاسم بن أبي بزة (5) قال: «قال لي مجاهد: سل عكرمة عن قوله

(1) انظر: سنن الترمذي (9/ 28 - 30)، ومصنف ابن أبي شيبة (11/ 511)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (2/ 335)، وشرح النووي على مسلم (3/ 4)، وفتح الباري لابن حجر (8/ 608).

(2)

سورة التوبة من الآية (34).

(3)

رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز (2/ 111)، وفي كتاب التفسير، باب {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (5/ 203).

(4)

انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 84).

(5)

هو أبو عبد الله القاسم بن نافع بن يسار المدني المخزومي مولاهم، أشهر رواة التفسير عن مجاهد، روى عن أبي الطفيل وابن جبير، وعنه ابن جريج وشعبة، وكان قليل الحديث، توفي عام (114 أو 115).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 352)، والجرح والتعديل (3/ 2/122)، وتهذيب التهذيب (3/ 408).

ص: 163

تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (1) فسألته، فقال: الإخصاء، فقال مجاهد: ما له لعنه الله! ، فوالله لقد علم أنه غير الإخصاء، ثم قال لي: سله، فسألته، فقال عكرمة: ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (2) قال: لدين الله، فحدثت به مجاهداً، فقال: ما له أخزاه الله؟ ! »، وفي بعض الروايات أن مجاهداً قال: كذب العبد (3).

وقد يصل الأمر بالمختلفين إلى المباهلة، ومن شواهده:

1 -

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من شاء لاعنته ما نزلت: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (4) إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها، وإذا وضعت المتوفى عنها فقد حلت؛ يريد بآية المتوفى عنها: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}» (5).

(1) سورة النساء من الآية (119).

(2)

سورة الروم من الآية (30).

(3)

جامع البيان (7/ 495 - 496).

(4)

سورة الطلاق من الآية (4).

(5)

سورة البقرة من الآية (234)، وأثر ابن مسعود في: جامع البيان (23/ 54 - 55)، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في عدة الحامل (2/ 293)، والنسائي في السنن الكبرى، في كتاب الطلاق، باب ما استثني من عدة المطلقات (3/ 391)، وعبد الرزاق في المصنف (6/ 471)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 329)، وعزاه في الدر المنثور (6/ 235) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

ص: 164

2 -

واختلف الصحابة في توريث الإخوة مع وجود الجد، فكان علي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم لا يحجبون الإخوة به، وخالفهم ابن عباس رضي الله عنهما فحجبهم به، وكان يقول:«ليتق الله زيد أيجعل ولد الولد بمنزلة الولد، ولا يجعل أب الأب بمنزلة الأب؟ ! ، إن شاء باهلته عند الحجر الأسود» (1).

وفي رواية قال: «لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» (2).

3 -

وعن الشعبي رحمه الله قال: «من شاء حالفته لأنزلت النساء القصرى [يريد سورة الطلاق] بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة» (3).

وقد تبدو ألفاظ الروايات السابقة قاسية شديدة، إلا أنها بقيت في إطارها، ولم تخرج بالمختلفين عن الحد المعقول، وإذا قيست بالخلافات التي نشأت بعد ذلك

(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 107).

(2)

مصنف عبد الرزاق (10/ 255)، وهو بنحوه في سنن سعيد بن منصور (3/ 1/61) ط. الدار السلفية، وسنن الدارمي (2/ 813)، وانظر في خلاف الصحابة في الجد مع الإخوة: مصنف ابن أبي شيبة (11/ 292، 318)، وسنن الدارمي (2/ 809 - 814).

(3)

جامع البيان (23/ 56)، ولمزيد شواهد انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 107)، والدر المنثور (5/ 198).

ص: 165

تبين مفارقتها لها من حيث الكثرة والشدة.

وقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أن الخلاف بعدهم سيتخذ أشكالاً أخطر، ولعلهم فهموا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لبعض المختلفين في وقته:«قد اختلفتم وأنا بين أظهركم، فأنتم بعدي أشد اختلافاً» (1).

ومما جاء عن الصحابة في ذلك:

1 -

قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب الناس، وذكر اختلافهم في الأحاديث التي يروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«إنكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافاً» (2).

2 -

واستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه المهاجرين والأنصار في الاغتسال من الإكسال (3)، فاختلفوا، فقال عمر: «هذا وأنتم أصحاب بدر، فمن بعدكم أشد

(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (11/ 389 - 390)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 135)، ونعيم بن حماد في الفتن (ص 408) من حديث الحسين بن علي، قال الهيثمي في المجمع (8/ 5):«رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح» ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (7/ 2/771).

(2)

ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 2 - 3) من مراسيل ابن أبي مليكة.

(3)

المراد به مجامعة الرجل أهله دون إنزال، انظر: معجم مقاييس اللغة (ص 892)، والنهاية في غريب الحديث (4/ 174) مادة " كسل ".

ص: 166

اختلافاً» (1).

3 -

وقال عثمان للصحابة رضي الله عنهم: «إني أرى أن أجمع الناس على مصحف واحد لا يختلفون بعدي، فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافاً» (2).

وفي بعض الروايات أن عثمان رأى اختلاف القراء عنده في المدينة، فخطب وقال:«أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافاً» (3).

فالصحابة كانوا مدركين أن الاختلاف بعدهم سيكون أشد، لبعده عن عصر النبوة، فإن العصر كلما كان أشرف كان الاجتماع والائتلاف أقوى (4)، ولذلك علم عثمان رضي الله عنه أن الاختلاف في الأمصار النائية أشد منه في المدينة؛ لكثرة العلماء فيها من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، أما الأمصار التي يقل فيها الصحابة فالاختلاف سيكون فيها أعظم وأكثر.

وأما قول سعيد بن المسيب: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في

(1) مصنف ابن أبي شيبة (1/ 87، 88).

(2)

أخبار المدينة لابن شبة (3/ 213)، والشريعة للآجري (ص 607).

(3)

جامع البيان (1/ 57)، والمصاحف لابن أبي داود (1/ 204).

(4)

مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 332)، وانظر بحوث في أصول التفسير ومناهجه د. الرومي (41 - 42).

ص: 167