المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌أولا: مخالفة اللغة العربية

‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

وفيه:

‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

.

ثانياً: اشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم.

ثالثاً: مخالفة الواقع.

رابعاً: معارضة التفسير بالقياس.

خامساً: أن يكون التفسير غير مفيد.

سادساً: نقد التفسير بذكر ما يترتب عليه.

أولاً

مخالفة اللغة العربية

ص: 559

من الأمور الضرورية للمفسر الإلمام باللغة العربية، لأن النتيجة الحتمية للجهل بها وإهمال تعلمها وقوع الخلل في فهم القرآن، وهذا الأمر أشبه بقاعدة مقررة في التفسير:

يقول الشاطبي: «كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي، فليس من علوم القرآن في شيء، لا مما يستفاد منه، ولا مما يستفاد به، ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعواه مبطل» (1).

ويقول الزركشي عن أهمية اللغة: «وهذا الباب عظيم الخطر، ومن هنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن، وتركوا القول فيه حذراً أن يزلوا فيذهبوا عن المراد، وإن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين» (2).

ويقول ابن عاشور (3): «إن القرآن كلام عربي، فكانت قواعد العربية طريقاً لفهم معانيه، وبدون ذلك يقع الغلط وسوء الفهم لمن ليس بعربي بالسليقة» (4).

(1) الموافقات (4/ 224 - 225).

(2)

البرهان (1/ 398).

(3)

هو محمد الطاهر بن عاشور المالكي، ولد بتونس عام (1296) وتعلم بها، ودرَّس في جامع الزيتونة وتولى مشيخته، وتولى رئاسة الإفتاء بتونس، من آثاره التحرير والتنوير، توفي بتونس عام (1393).

انظر: الأعلام (6/ 174)، ومعجم المفسرين (2/ 541).

(4)

التحرير والتنوير (1/ 16)، وانظر في خطورة جهل المفسر باللغة العربية: التفسير اللغوي (ص 41) وما بعدها، وأسباب الخطأ في التفسير (2/ 988) وما بعدها.

ص: 560

وما قرره العلماء من خطورة الجهل باللسان العربي على المفسر لم يغب عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فقد تقدم بيان اهتمامهم باللغة العربية للوصول إلى فهم صحيح للقرآن، وجاء عن بعض التابعين التحذير من خطورة الجهل بالعربية لمن أراد فهم القرآن:

فقد سأل رجل الحسن البصري رحمه الله فقال: «يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته؟ ، قال: حسن يا بن أخي فتعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية، فيعيى بوجهها فيهلك» (1).

ولما ذكر عنده الاختلاف في التفسير قال: «إنما أتي القوم من قبل العجمة» (2).

وعنه قال: «أهلكتهم العجمة يتأولون القرآن على غير تأويله» (3).

وجاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء رحمه الله فقال: «يا أبا عمرو يخلف الله وعده؟ ، قال: لا، قال: أفرأيت إن وعده على عمل عقاباً يخلف وعده؟ ، فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت يا أبا عثمان! إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تَعُدُّ خلفاً ولا عاراً أن تَعِدَ شراً ثم لا تفعله؛ ترى أن ذاك كرماً وفضلاً، إنما الخلف أن تَعِدَ

(1) الجامع لابن وهب (3/ 43)، وفضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 179)، وسنن سعيد بن منصور (1/ 167)، والفقيه والمتفقه (1/ 198).

(2)

السنة للمروزي (ص 8).

(3)

الجامع لابن وهب (3/ 44)، وهو في التاريخ الكبير (3/ 1/93)، وخلق أفعال العباد للبخاري (ص 101) مختصراً.

ص: 561

خيراً ثم لا تفعله، قال: فأوجدني هذا في كلام العرب؟ ، قال: أما سمعت إلى قول الأول:

لا يرهب ابن العم ما عشت صولتي صولتي صولتي

ولا أختشي من خشية المتهدد

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي» (1)

والجهل باللغة العربية يشمل علوم اللسان العربي كالصرف والنحو والمعاني والبيان وأساليب العرب في كلامهم ونحو ذلك (2).

والأمثلة النقدية عن الصحابة والتابعين التي سأذكرها كلها عن ابن عباس رضي الله عنهما عدا المثال الأخير:

1 -

قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (3).

ذهب جمهور الصحابة ومن بعدهم إلى أن لفظ الإخوة في الآية يشمل الاثنين

(1) تاريخ بغداد (12/ 175 - 176)، والإبانة لابن بطة " كتاب القدر "(2/ 301)، وإعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه (1/ 54)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (2/ 104)، ومعالم التنزيل (2/ 267)، والبيتان نسبهما ابن منظور في لسان العرب (2/ 1099)، والزبيدي في تاج العروس (1/ 60) لعامرِ بن الطُّفَيل، وانظر ديوانه (ص 191).

(2)

التحرير والتنوير (1/ 16).

(3)

سورة النساء من الآية (11).

ص: 562

فصاعداً (1)، وأنكر ابن عباس ذلك، ودخل على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وقال له:«لم صار الأخوان يردان الأم إلى السدس؟ ، وإنما قال الله: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ}، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة، فقال عثمان رضي الله عنه: هل أستطيع نقض أمر كان قبلي، وتوارثه الناس ومضى في الأمصار؟ » (2).

فابن عباس ضعف القول بأن لفظ الآية يشمل الاثنين لأن لفظه لفظ الجمع، وعلل ابن عباس تضعيفه لهذا القول بأنه ليس معروفاً في لغة قريش، وقد ذكر ابن القيم أن رأيه أقرب إلى ظاهر اللفظ، ورأي جمهور الصحابة أقرب إلى المعنى وأولى به، ثم أفاض القول في ترجيح رأي الجمهور (3).

ويفهم من كلام عثمان موافقة ابن عباس في قوله: إن الأخوين ليسا بجمع، ولذا لم ينكر عليه، وإنما تمسك بما أجمع عليه الناس ومضى في الأمصار.

قال الرازي: «واعلم أن في هذه الحكاية دلالة على أن أقل الجمع ثلاثة؛ لأن ابن عباس ذكر ذلك مع عثمان، وعثمان ما أنكره، وهما كانا من صميم العرب، ومن علماء اللسان، فكان اتفاقهما حجة في ذلك» (4).

(1) جامع البيان (6/ 464)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 198).

(2)

جامع البيان (6/ 465)، والمستدرك (4/ 335)، والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 227)، والمحلى لابن حزم (9/ 315). قال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

(3)

إعلام الموقعين (1/ 359).

(4)

التفسير الكبير (3/ 517)، ونحو هذا الكلام لابن حزم في المحلى (9/ 315).

ص: 563

وهذا يؤكد ما ذكره ابن القيم من أن مذهب ابن عباس أقرب إلى اللفظ، لكنَّ الأمر استقر وأجمعت الأمة على معاملة الاثنين معاملة الثلاثة فأكثر في المواريث، كميراث الأختين والبنتين، «وهذا هو القياس الصحيح والميزان الموافق لدلالة الكتاب وفهم أكابر الصحابة» (1).

وجاء عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ما يفيد بأن الإخوة في كلام العرب يشمل الأخوين أيضاً، فعنه قال:«الإخوة في كلام العرب أخوان فصاعداً» (2).

وهذا الكلام كله إذا أخذنا بتصحيح أثر ابن عباس كما فعل الحاكم، فإن بعض العلماء ذكر أن فيه نظراً (3).

2 -

وعن سعيد بن جبير قال: «بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس: أتاه

(1) إعلام الموقعين (1/ 360)، وانظر التفسير الكبير (3/ 517)، وهذه المسألة مرتبطة بمسألة أصولية، وهي أقل الجمع، انظر فيها: المستصفى (2/ 91)، والإحكام للآمدي (2/ 222)، وروضة الناظر (2/ 688)، وشرح الكوكب المنير (3/ 144).

(2)

المستدرك للحاكم (4/ 335)، وانظر نحواً من هذا الكلام لزيد في السنن الكبرى للبيهقي (6/ 227).

(3)

قال ابن كثير في تفسيره (2/ 199): «وفي صحة هذا الأثر نظر، فإن شعبة هذا [الراوي عن ابن عباس] تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحاً عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه» ، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 85) عن تصحيح الحاكم:«وفيه نظر، فإن فيه شعبة مولى ابن عباس، وقد ضعفه النسائي» .

ص: 564

رجلٌ فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس - أو يا أبا الفضل - ألا تشفيني عن آية المحيض؟ ، قال: بلى، فقرأ:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (1) حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، من ثَمَّ أُمرت أن تأتي، فقال له الرجل: يا أبا الفضل، كيف بالآية التي تتبعها:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2)؟ فقال: إي ويحك! وفي الدُّبر من حرث؟ ! ، لو كان ما تقول حقًّا، لكان المحيض منسوخاً، إذا اشتغل من ههنا، جئتَ من ههنا، ولكن:{أَنَّى شِئْتُمْ} من الليل والنهار» (3).

وفي قوله: وفي الدبر من حرث؛ إشارة إلى بطلان ما فهمه الرجل من الآية، وهو جواز إتيان المرأة في الدبر، لأن الآية نصت على أن النساء حرث للرجال، والدبر ليس محلاً للحرث في لغة العرب.

وجاء عنه ما يوضح ذلك، فإنه قال في هذه الآية:«إنما المحترث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض، وكان ينهى عن إتيان المرأة في دبرها، ويقول: إنما نزلت هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: من أي وجه شئتم» (4).

(1) سورة البقرة من الآية (222).

(2)

سورة البقرة من الآية (223).

(3)

جامع البيان (3/ 750)، وتفسير ابن أبي حاتم (2/ 402).

(4)

أخرجه ابن جرير في جامع البيان (3/ 748)، وروى عن عطاء إنكار هذا الفهم أيضاً.

ص: 565

قال الشوكاني: «لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة؛ إذ هو مزدرع الذرية، كما أن الحرث مزدرع النبات، فقد شبه ما يُلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه» (1).

3 -

وعن سعيد بن جبير قال: «ذكروا اللمس، فقال ناس من الموالي: ليس بالجماع، وقال ناس من العرب: اللمس الجماع، قال: فأتيت ابن عباس فقلت: إن ناساً من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس، فقالت الموالي: ليس بالجماع، وقالت العرب: الجماع، قال: من أي الفريقين كنت؟ ، قلت: كنت من الموالي، قال: غُلب فريق الموالي، إن المس واللمس والمباشرة: الجماع، ولكنَّ الله يكني ما شاء بما شاء» .

وفي رواية قال: «غُلب فريق الموالي، وأصابت العرب، هو الجماع، ولكنَّ الله يعف ويكني» .

وفي ثالثة: «أخطأ الموليان وأصاب العربي، الملامسة النكاح، ولكنَّ الله يكني ويعف» (2).

(1) فتح القدير (1/ 226).

(2)

الأثر برواياته في جامع البيان (7/ 63 - 65)، وانظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 134)، وسنن سعيد بن منصور (4/ 1262)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 125)، وهو في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 167) مختصراً.

ص: 566

ووصف ابن عباس أحد الفريقين بالموالي، والآخر بالعرب، يشير - والله أعلم - إلى أن سبب خطأ الموالي وإصابة العرب المعرفة باللغة العربية.

4 -

وسئل ابن عباس عن هذه الآية: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1) فقال: «إن أول ما خلق الله عز وجل القلم، ثم النون وهي الدواة، ثم خلق الألواح، فكتب الدنيا وما يكون فيها حتى تفنى من كل خلق مخلوق أو عمل معمول من بر أو فجور، وما كان من رزق حلال أو حرام، ومن كل رطب ويابس، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه، دخوله في الدنيا وبقاؤه فيها، ثم وكل بذلك الكتاب ملكاً، ووكل بالخلق ملائكة، فتأتي ملائكة الخلق إلى ملائكة الكتاب، فينسخون ما يكون في يوم وليلة مقسوماً على ما وكلوا به، وتأتي ملائكة الخلق فيحفظون الناس بأمر الله، ويسوقونهم إلى ما في أيديهم من تلك النسخ، فإذا انتفت النسخ عن شيء لم يكن هاهنا بقاء ولا مقام، فقال رجل لابن عباس: ما كنا نرى هذا إلا تكتبه الملائكة في كل يوم وليلة، فقال: ألستم قوماً عرباً؟ ! {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب؟ ، وفي رواية: وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل» (2).

والرجل - كما يبدو من كلامه - فهم من الآية أن الملائكة تكتب عمل كل

(1) سورة الجاثية من الآية (29).

(2)

الإبانة لابن بطة " القدر "(1/ 340)، وجامع البيان (21/ 104).

ص: 567

يوم وليلة في وقتها، فبين ابن عباس أن لفظ {نَسْتَنْسِخُ} يبطل هذا الفهم، إذ المعلوم من لغة العرب أن الاستنساخ معناه النقل من أصل.

ففي لسان العرب: «النسخ اكتتابك كتاباً عن كتاب حرفاً بحرف، والأصل نسخة، والمكتوب عنه نسخة، لأنه قام مقامه والكاتب ناسخ ومنتسخ، والاستنساخ: كتب كتاب من كتاب، وفي التنزيل: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند الله» (1).

«وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقاً لما يعملونه» (2).

5 -

وسأل رجل أبا العالية عن قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (3) ما هو؟ ، فقال أبو العالية: هو الذي لا يدري عن كم ينصرف: عن

(1)(6/ 4407) مادة "نسخ"، وأوله منقول من تهذيب اللغة (7/ 182)، وهذا أحد معنيين مشهورين للنسخ، والمعنى الآخر: الإزالة، انظر تفصيل ذلك في: تهذيب اللغة (7/ 181)، والصحاح (1/ 433)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص 801)، والقاموس المحيط (ص 334) مادة "نسخ"، والناسخ والمنسوخ للنحاس (1/ 424)، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي (ص 47)، والمستصفى (1/ 107)، والإحكام للآمدي (3/ 102).

(2)

فتح القدير (5/ 11).

(3)

سورة الماعون آية (5).

ص: 568

شفع أو عن وتر؟ ، فقال الحسن: مه يا أبا العالية! ليس هكذا، بل الذين سهوا عن ميقاتها حتى تفوتهم، قال الحسن: ألا ترى قوله عز وجل: {عَنْ صَلَاتِهِمْ} (1).

قال الخطابي: «وإنما أتي أبو العالية في هذا حيث لم يفرق بين حرف "عن" و"في"، فتنبه له الحسن، فقال: ألا ترى قوله: {عَنْ صَلَاتِهِمْ} يؤيد أن السهو الذي هو الغلط في العدد إنما يعرض في الصلاة بعد ملابستها، فلو كان هو المراد لقيل: في صلاتهم ساهون، فلما قال: {عَنْ صَلَاتِهِمْ} دل على أن المراد به الذهاب عن الوقت» (2).

(1) بيان إعجاز القرآن للخطابي (ص 32)، وانظر: تفسير عبد الرزاق (2/ 108)، والدر المنثور (6/ 400).

(2)

بيان إعجاز القرآن (ص 33)، وانظر البرهان (1/ 398).

ص: 569