الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالدرة، فسأله آخر عن هذه الآية:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} (1)، فقال:«عن مثل هذا فسلوا، ثم قال: هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها، فيتزوج المرأة الشابة، يلتمس ولدها فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز» (2).
ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى
.
يلتقي حذر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وورعهم عن تفسير القرآن، مع حذرهم وورعهم عن الفتيا والكلام في الأحكام الشرعية، فقد كانوا حذرين متورعين عن الكلام فيها خاصة حين يكون مصدرها الرأي، وقد جاء عنهم نصوص كثيرة مما جعل بعض المصنفين يعقد لذلك أبواباً، فقد بوب الدارمي (3) في سننه باباً في التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، وباباً في كراهية الفتيا، وباباً فيمن هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع، وباباً في الفتيا وما فيه من الشدة، وباباً في كراهية الأخذ
(1) سورة النساء من الآية (128).
(2)
جامع البيان (7/ 550).
(3)
هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي السمرقندي، ولد عام (181)، روى عن يزيد بن هارون، وعنه مسلم والترمذي، أظهر علم الحديث ببلده، قال عنه أحمد: إمام، توفي عام (255).
انظر: تاريخ بغداد (10/ 29)، وتذكرة الحفاظ (2/ 534)، وتهذيب التهذيب (2/ 372).
بالرأي (1).
ومما جاء عن الصحابة والتابعين في الورع عن الفتيا:
1 -
قول عبد الرحمن بن أبي ليلى (2): «لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فتيا إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا» (3).
2 -
ويقول الأعمش: «ما سمعت إبراهيم] يعني النخعي (4) [يقول برأيه
(1) سنن الدارمي (1/ 49 - 68، 72)، وانظر جامع بيان العلم وفضله (2/ 139، 163) ومابعدها.
(2)
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار الأنصاري الأوسي الكوفي الفقيه، رأى عمر وروى عن عثمان وعلي، استعمله الحجاج على قضاء الكوفة ثم عزله، خرج مع ابن الأشعث، وقتل عام (82) أو (83).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 74)، والمعرفة والتاريخ (2/ 617)، وتذكرة الحفاظ (1/ 58).
(3)
سنن الدارمي (1/ 56)، والعلم لأبي خيثمة (ص 15)، والفقيه والمتفقه (2/ 23).
(4)
هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، أبو عمران، أحد فقهاء الكوفة، دخل على عائشة وهو صبي، وروى عن علقمة ومسروق، لما مات قال الشعبي: لم يخلف خلفه مثله، توفي عام (95) أو (96).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 188)، والتاريخ الكبير (1/ 1/333)، وتذكرة الحفاظ (1/ 73).
في شيء قط» (1).
3 -
وعن يحيى بن سعيد (2) قال: «قلت للقاسم بن محمد: ما أشد عليّ أن تسأل عن الشيء لا يكون عندك، وقد كان أبوك إماماً، قال: إن أشد من ذلك عند الله وعند من عقل عن الله أن أفتي بغير علم، أو أروي عن غير ثقة» (3).
4 -
وسئل عطاء (4) عن شيء، فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ قال: إني لأستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي (5).
ومن اشتهر من السلف بورعه عن الرأي والفتيا، فلا غرابة إذا تورع عن
(1) سنن الدارمي (1/ 50)، والعلم لأبي خيثمة (ص 20).
(2)
هو يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري النجاري المدني، روى عن أنس وأبي أمامة، وعنه شعبة ومالك، تولى قضاء المدينة، قال أيوب:«ما خلفت بالمدينة أحداً أفقه من يحيى بن سعيد» ، توفي عام (143).
انظر: التاريخ الكبير (4/ 2/275)، والمعرفة والتاريخ (1/ 648)، وتذكرة الحفاظ (1/ 137).
(3)
مقدمة مسلم لصحيحه (1/ 16)، وسنن الدارمي (1/ 52) واللفظ له.
(4)
هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح مولى آل أبي خثيم القرشي الفهري، ولد في خلافة عمر، وسمع أبا هريرة وابن عباس وجابراً، وكان مفتي مكة ومحدثهم ومن أعلمهم بالمناسك، توفي عام (114)، وقيل (115).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 344)، والتاريخ الكبير (3/ 2/463)، وتذكرة الحفاظ (1/ 98).
(5)
سنن الدارمي (1/ 51)، والإبانة لابن بطة "الإيمان"(1/ 423).
الخوض في التفسير، بل إن ورع السلف عن الكلام في التفسير أشد وأعظم من ورعهم عن غيره من العلوم الشرعية، فهم يرون الكلام في الحلال والحرام أخف وأسهل من الكلام في التفسير، ومما يدل على ذلك أنهم إذا سئلوا عن الأحكام الفقهية ونحوها أجابوا، فإن تعلق السؤال بكتاب الله ومعانيه أحجموا وتوقفوا، ومن الشواهد في ذلك:
1 -
عن يزيد بن أبي يزيد (1) قال: «كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع» (2).
2 -
وتقدم قول الشعبي: «لأن أكذب مائة كذبة على محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أكذب في القرآن كذبة، إنما يفضي الكاذب في القرآن إلى الله» .
3 -
وعن ابن جريج (3) قال: «كنت أسأل عطاء عن كل شيء يعجبني، فلما
(1) هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي مولاهم البصري، يلقب بالرشك؛ معربة عن الفارسية وتعني الغيور، روى عن ابن المسيب ومطرف، وعنه شعبة ومعمر، حديثه في الكتب الستة، توفي عام (130).
انظر: الجرح والتعديل (4/ 2/297)، وميزان الاعتدال (6/ 118)، وتهذيب التهذيب (4/ 434).
(2)
جامع البيان (1/ 80 - 81).
(3)
هو أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى القرشيين، ولد بمكة سنة (80)، وروى عن عطاء وابن دينار ونافع، وعنه الثوري والأوزاعي، من أوائل من صنف الكتب، توفي سنة (150). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 361)، وتاريخ بغداد (10/ 400)، وتذكرة الحفاظ (1/ 169).