الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً
أثره في المتلقين
والمراد بهم من ينتقده الصحابة والتابعون رضي الله عنهم ممن يخطئ في فهم القرآن أو يضطرب في تأويله، كما يشمل من يستمع للنقد ويتلقاه من الطلاب والتلاميذ، فإن سماعهم للنقد يقوي ملكة النقد لديهم، ويدفعهم للنظر والتأمل في الأقوال والمرويات، وعرضها على الأصول والقواعد ثم رد ما يخالفها ويعارضها، ومر بنا شواهد كثيرة يعرض فيها الطلاب أقوالاً في التفسير على علمائهم فينتقدونها، وأحياناً يلفت الشيخ نظر الطالب إلى مأخذ النقد والسبب الذي من أجله ضُعِّفَ هذا القول أو ذاك.
وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:
الفائدة الأولى: أن نقد قوله وبيان ضعفه يؤدي به إلى تركه والإعراض عنه، والبحث عن التأويل الصحيح للآية، والرجوع عن الخطأ من أهم مقاصد النقد، وبخاصة إذا كان ينبني عليه عمل، كرجوع طاوس وعطاء عن قولهما بأن الذي بيده عقدة النكاح هو ولي المرأة، فرجعا عن ذلك بعد سماع نقد سعيد بن جبير لقولهما (1).
(1) انظر (ص 485).
ولم يقتصر أثر النقد على رجوع المخطئين في الفروع فقط، بل إن النقد المبني على أسس سليمة أدى إلى رجوع كثير من المبتدعة ممن انحرفوا في أصول الدين، فاشتدت فتنتهم واستطار شرهم بسبب فهمهم القاصر لنصوص الكتاب العزيز، وتقدم قبل قليل رجوع كثير من الخوارج عن بدعتهم حين نوقشوا في آيات انحرفوا في تأويلها.
الثانية: تثبيت اليقين في قلوب بعض الناس، وإزالة ما يقع في قلوبهم من الشك والريب حول القرآن نتيجة تعارض النصوص لديهم، فإذا عرضوها على النقاد بينوا لهم وجهها الصحيح، وكشفوا تعارضها وإشكالها، وتقدمت بعض الشواهد عند الكلام عن نقد تفسير المتشابه (1).
الثالثة: إزالة ما يقع في قلوب البعض من القلق والحزن والغم بسبب الخطأ في فهم بعض الآيات، وبنقده وبيان المعنى الصحيح تتبدل الحال وينقلب الحزن فرحاً.
وهذا الأثر قريب من الذي قبله في كون الاهتمام بنقد التفسير مؤثر في زيادة الإيمان بالقرآن واليقين به، والطمأنينة بتلاوته.
(1) انظر (ص 356).
ومن أمثلته:
1 -
سأل رجل سلمان رضي الله عنه فقال له: «يا أبا عبد الله، آيةٌ من كتاب الله قد بلغت منِّي كل مبلغ: {
…
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}؟ ! ، فقال سلمان: هو الشرك بالله تعالى ذكره، فقال الرجل: ما يسرُّني بها أنّي لم أسمعها منك، وأنّ لي مثل كل شيء أمسيتُ أملكه» (1).
2 -
3 -
وتقدم قول مسلم بن يسار لسعيد بن جبير: «يا أبا عبد الله آية بلغت مني كل مبلغ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} (5)، فهذا الموت
(1) جامع البيان (9/ 372).
(2)
سورة الأعراف آية (163).
(3)
سورة الأعراف من الآية (166).
(4)
جامع البيان (10/ 514)، والدر المنثور (3/ 138) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.
(5)
سورة يوسف من الآية (110).
أن تظن الرسل أنهم قد كُذِبُوا، أو نظن أنهم قد كُذِبُوا»، فلما بين له سعيد المعنى الصحيح للآية قام إليه مسلم واعتنقه، وقال:«فرَّج الله عنك كما فرَّجت عني» (1).
4 -
فكأن الرجل فهم من الآية ذم عموم الشعراء؛ سيما وأن الآية ذكرت صفاتهم السيئة، فبين له زيد بن أسلم أن من الشعراء من هو مستثنى بنص الآية، وهو كل من اتصف بالإيمان وعمل الصالحات .... (5).
(1) جامع البيان (13/ 388).
(2)
سورة الشعراء الآيات (224 - 226).
(3)
سورة الشعراء آية (227).
(4)
جامع البيان (17/ 678).
(5)
ولمزيد شواهد انظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 953)، وجامع البيان (22/ 530).