الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان بعض التابعين يتحدث والقاص يقص؛ إشارة إلى عدم الاهتمام به (1).
دواعي نقد القصاص
(2):
ومن أهمها:
أولاً: اشتمال مجالس القصاص على بعض البدع والحوادث، فقد مر ابن عمر بقاص، وقد رفعوا أيديهم، فقال:«اللهم اقطع هذه الأيدي» (3).
ثانياً: ما اتصف به كثير من القُصَّاص من عدم الوعي وقلة الفقه، والبعد الظاهر عن العلم وأهله، وترتب على ذلك ضعف التحصيل العلمي لمن يجلس إليهم، ومن شواهده:
(1) الحوادث والبدع للطرطوشي (ص 109).
(2)
انظر في هذه الدواعي كتاب القصاص لابن الجوزي (ص 66).
(3)
تحذير الخواص (ص 259) وعزاه لابن الإمام أحمد في زوائد الزهد، وانظر أثراً آخر عن ابن مسعود في مصنف عبد الرزاق (3/ 221)، وعن الحسن البصري في تحذير الخواص (ص 275)، وعقد ابن الجوزي في كتاب القُصَّاص (ص 145) باباً في " التحذير من أقوام تشبهوا بالمذكرين فأحدثوا وابتدعوا حتى أوجب فعلهم إطلاق الذم للقُصَّاص ".
1 -
قول أبي إدريس الخولاني رحمه الله (1):
«لأن أرى في طائفة المسجد ناراً تتقد أحب إلي من أرى فيها رجلاً يقص ليس بفقيه» (2).
2 -
وعن أبي قلابة رحمه الله قال: «ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجل القاص سنة فلا يتعلق منه بشيء، ويجلس إلى العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء» (3).
ولقصور علم القصاص وقلة فقههم يقع منهم تحريف الأحاديث التي يروونها عمداً أو سهواً، فعن أيوب قال:«ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص» (4).
ولهذا السبب امتنع بعض المحدثين عن تحديثهم، فقد سأل أحد الناس شعبة
(1) هو عائذ بن عبد الله الدمشقي، عالم أهل الشام، ولد عام حنين، وسمع معاذاً وأبا الدرداء وأبا هريرة، وروى عنه الزهري ومكحول، عزله عبد الملك عن القصص وأقره على القضاء، توفي سنة (80).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/157)، وتاريخ دمشق (26/ 137)، وتذكرة الحفاظ (1/ 56).
(2)
حلية الأولياء (5/ 124)، والقصاص والمذكرين (ص 181).
(3)
حلية الأولياء (2/ 287)، والقصاص والمذكرين (ص 182)، وجاء نحو هذا الكلام عن أيوب السختياني في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 164).
(4)
حلية الأولياء (3/ 11)، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 164)، والقصاص والمذكرين (ص 153).
عن حديث فقال: أقاص أنت؟ قال: نعم، قال: اذهب، فإنا لا نحدث القصاص، فقال له رجل: لم يا أبا بسطام؟ ! ، فقال شعبة: يأخذون الحديث منا شبراً فيجعلونه ذراعاً (1).
ثالثاً: مخالفة بعض القصاص لما يأمرون به أو ينهون عنه، ومن شواهده:
1 -
قيل لعلقمة: «ألا تقص؟ ، فقال: إني أكره أن آمركم بما لا أفعل» (2).
2 -
رابعاً: أن طريقة القصاص سبب للشهرة، وتدعو صاحبها إلى حب الظهور، ويحتمل أن بعض الصحابة شعر بذلك، فقد استأذن رجلٌ عمر رضي الله عنه في أن
(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 164)، والقصاص والمذكرين (ص 152).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (8/ 747).
(3)
سورة البقرة من الآية (44).
(4)
سورة الصف الآيتان (2، 3).
(5)
سورة هود من الآية (88)، والأثر ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/ 313)، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (1/ 250) ط. دار طيبة.
يقص، فكره ذلك له، وقال:«أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا، فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك» (1).
ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقاص، فقال:«ما كنيتك؟ قال: أبو يحيى، فقال: بل أنت أبو اعرفوني» (2).
ومر بآخر فقال: «ما هذا؟ ، فقالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان بن فلان فاعرفوني» (3).
هذه أبرز أسباب انتقاد الصحابة والتابعين رضي الله عنهم للقصاص، ولا يفهم منه ذم القصاص بعامة، وإنما ذم من اتصف بهذه الصفات ونحوها مما يقدح في القاص ويفقده مصداقيته، ويقلل من تأثيره في الناس، وأكثر النقد الوارد عن الصحابة والتابعين معلل بما تقدم، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر القصاص ذم نوعاً واحداً منهم، ولو كان صنيع القصاص مذموماً بإطلاق لما أذن عمر رضي الله عنه لتميم الداري وغيره.
(1) مسند أحمد (1/ 18)، وتحذير الخواص (ص 233).
(2)
مصنف عبد الرزاق (3/ 221).
(3)
الناسخ والمنسوخ للنحاس (1/ 410)، وانظر الاعتبار للحازمي (ص 6)، وتحذير الخواص (ص 241)، وجاء نحوه عن ابن عمر عند الطبراني في المعجم الكبير (12/ 205)، وانظر: مجمع الزوائد (1/ 189)، والباعث على الخلاص (ص 84)، وتحذير الخواص (ص 228).
إن القصص بمعناه العام الذي يشمل الوعظ والتذكير حين ينضبط بضوابطه ويبتعد عن المحاذير الشرعية فلا وجه للقول بمنعه، وقد فعله كبار الصحابة والتابعين، وأورد ابن الجوزي (1) عنهم آثاراً كثيرة، ومنهم من روي عنه ذم القصاص (2)، وأثنى مجاهد مرةً على أحد القصاص، وقال:«كان يوافق قوله فعله» (3).
ولما ذم بعض السلف القصاص، قيل له:«أليس كان ابن مسعود يذكر؟ ، فقال: إنما أراد بذلك التواضع ومنفعة المسلمين، ولم يكن يكذب على الله ورسوله» (4).
(1) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي التيمي البغدادي الحنبلي، فقيه واعظ مفسر، زادت تصانيفه على الألف في شتى العلوم، منها: زاد المسير، والمنتظم، والموضوعات، توفي سنة (597).
انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 365)، والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (1/ 399)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 50).
(2)
القُصَّاص والمذكرين (ص 99 - 137).
(3)
مصنف ابن أبي شيبة (8/ 745).
(4)
تحذير الخواص (ص 276).