الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان الخلل في فهم القرآن والخطأ في تفسيره يؤدي إلى الاختلاف والجدال، بين النبي صلى الله عليه وسلم المنهج السليم في تعامل المرء مع ما لا يعرف من معاني القرآن، وهو رده إلى عالمه فقال:«وما جهلتم فكلوه إلى عالمه» ، وهو الله تعالى، أو العلماء العارفون بكتاب الله، ولا يأت المرء بالمعنى من عند نفسه فيقع في الخطأ (1).
د - نقد التفسير بالرأي:
ورد في نقده بعض الأحاديث التي لا تخلو أسانيدها من مقال، لكن أخذ العلماء بمدلولها، وجاء عن الصحابة والتابعين ما يؤيدها.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار» .
وفي رواية: «من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار» (2).
(1) مرقاة المفاتيح (1/ 241).
(2)
أخرجه بالرواية الأولى: الترمذي، في كتاب التفسير، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه (8/ 146 - 147)، وقال:«هذا حديث حسن» ، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، في كتاب فضائل القرآن (5/ 31) برقم (8084، 8085)، والطبري في جامع البيان (1/ 71).
وأخرجه بالرواية الثانية: الترمذي والنسائي والطبري في المواضع السابقة، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح» ، وأخرجه كذلك الإمام أحمد في المسند (1/ 233، 269)، والحديث بكلا روايتيه عن ابن عباس، وصححه ابن القطان كما في النكت الظراف لابن حجر (4/ 423)، وحسنه البغوي في شرح السنة (1/ 257 - 258)، لكنَّ الحديث ضعيف فمداره في روايتيه على عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو ضعيف؛ ضعفه أحمد وأبو زرعة، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (2/ 465):«حسن له الترمذي، وصحح له الحاكم وهو من تساهله» ، وقال في تقريب التهذيب (ص 331):«صدوق يهم» ، وقد ضعف الألباني هذا الحديث في تعليقه على مشكاة المصابيح (1/ 79).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ» (1).
والمراد بالرأي الوارد في الحديثين الرأي الصادر عن هوى دون استناد لشيء صحيح، وهو من تفسير القرآن بغير علم كما تشير إليه الرواية الأخرى (2).
ومن صور الرأي المذموم المسارعة إلى تفسير القرآن بحسب ما يظهر للمرء دون روية أو رد إلى الأصول، وقد جاء في بعض الأحاديث ذم من فعل ذلك، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على
(1) أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب الكلام في كتاب الله بغير علم (3/ 320)، والترمذي في كتاب التفسير، باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه (8/ 147)، وقال:«هذا حديث غريب» ، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، في كتاب فضائل القرآن (5/ 31) برقم (8086)، كلهم من حديث جندب ابن عبد الله رضي الله عنه، وفي سنده سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف كما في تقريب التهذيب (ص 259)، وقد ضعف الحديث الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح (1/ 79).
(2)
انظر كلاماً بشأن الحديثين عند الطبري في جامع البيان (1/ 72 - 74)، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/ 27 - 28)، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (1/ 16).
غير تأويله» (1).
ومعنى: «ينثرونه نثر الدقل» أي: كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا حُرك، وهذا كناية عن سرعتهم في القراءة (2).
وهو يشير إلى عدم مبالاتهم بالقرآن الكريم، وضعف تدبرهم له، وقلة ورعهم، فلا عجب إذا فسروه بآرائهم على غير وجهه الصحيح، وكأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الأمة ممن هذه صفته، ويدعوهم لتوقي تأويلاته للقرآن، ولا يتأتى ذلك إلا بنقدها، وبيان أوجه الخلل فيها.
وهذه الصفة التي ذمها النبي صلى الله عليه وسلم من عدم تدبر القرآن المؤدي إلى الانحراف في تأويله تنطبق على صفة الخوارج (3) المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (4).
(1) أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 259):«هذا إسناد رواته ثقات» .
(2)
النهاية في غريب الحديث (5/ 15) مادة "نثر".
(3)
سموا بذلك لخروجهم على علي رضي الله عنه في حرب صفين بعدما رفضوا التحكيم، وأجمعوا على كفره، وكفروا بعض الصحابة، من أصولهم: تكفير مرتكب الكبيرة، وتخليده في النار، ومن فرقهم: المحكمة الأولى، والأزارقة، والنجدات، والإباضية.
انظر فيهم: مقالات الإسلاميين للأشعري (ص 86)، والفرق بين الفرق للبغدادي (ص 24، 72).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (4/ 108)، ومسلم في كتاب الزكاة (2/ 741) برقم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.