الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النزول.
رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ
.
ومعرفته من الشروط التي تجب على المفسر؛ ولذا «قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ» (1).
ومن الشواهد عن الصحابة في بيان أهميته لمن أراد تفسير القرآن:
1 -
مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قاص يقص، فقال له:«أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ ، قال: لا، قال: هلكت وأهلكت» (2).
وفي بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه قال للقاص: «اخرج من مسجدنا، ولا تذكر فيه» (3).
2 -
وجاء عن ابن عباس نحو فعل علي رضي الله عنهم فقد مر بقاص، فقال له:
(1) البرهان (2/ 158)، وانظر بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (1/ 117).
(2)
مصنف عبد الرزاق (3/ 220 - 221)، ومصنف ابن أبي شيبة (8/ 746)، وفهم القرآن للمحاسبي (ص 327)، والناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (1/ 411)، والعلم لأبي خيثمة (ص 53)، والسنن الكبرى للبيهقي (10/ 117)، والفقيه والمتفقه (1/ 244)، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي (ص 6).
(3)
الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (1/ 410).
«أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال ابن عباس: هلكت وأهلكت» (1).
وإنما سأل علي وابن عباس رضي الله عنهم القاص عن معرفته بالناسخ والمنسوخ؛ لأن من شأن القاص أنه يعظ الناس ويذكرهم، ويحتاج في ثنايا وعظه إلى بيان ما يحل ويحرم، وقد يستدل على ما يذكره بالقرآن الكريم ويقوم بتفسيره، أو يستدل به على أمر معين، فإذا لم يكن عالماً بالناسخ والمنسوخ فقد يستدل بآية منسوخة، فيقع في الخطأ في فهم القرآن، فبينا له أهمية العلم بالناسخ والمنسوخ لئلا يقع في الخطأ فيضل ويُضل.
3 -
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه، قالوا: ومن ذاك؟ ، قال: عمر بن الخطاب، قال: وأمير لا يخاف، أو أحمق متكلف» (2).
والمفتي إذا لم يكن عالماً بالناسخ والمنسوخ قد يفهم من آية منسوخة دلالتها على أمر معين، فيفتي به مع كون الآية منسوخة.
ولا تقتصر أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ على المفسر فقط، بل هو ضروري لكل من تكلم في شيء من أمور الشريعة كالقضاء والإفتاء، قال الشافعي: «لا يحل
(1) المصدر السابق (1/ 414)، والاعتبار (ص 7).
(2)
سنن الدارمي (1/ 66)، ومصنف عبد الرزاق (11/ 231)، والناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (1/ 415)، والفقيه والمتفقه (2/ 331)، والاعتبار (ص 7).
لأحد يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله؛ ناسخه ومنسوخه» (1).
ومن المهم هنا معرفة مفهوم السلف للنسخ، إذ يختلف عن المفهوم الذي اصطلح عليه المتأخرون، فالنسخ عند السلف أعم من النسخ الاصطلاحي، الذي يراد به رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه (2)، فيشمله ويشمل كل تغير يطرأ على النص بدليل آخر.
قال ابن تيمية: «والمنسوخ يدخل فيه في اصطلاح السلف العام كل ظاهر تُرك ظاهره لمعارض راجح، كتخصيص العام وتقييد المطلق» (3).
وقال ابن القيم معلقاً على قول حذيفة رضي الله عنه: «مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة؛ إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه» (4).
(1) الفقيه والمتفقه (2/ 331).
(2)
انظر في تعريفه: المستصفى (1/ 106)، وروضة الناظر (1/ 283)، والإحكام للآمدي (3/ 104)، وشرح مختصر الروضة (2/ 251)، وشرح الكوكب المنير (3/ 526)، وإرشاد الفحول (ص 184).
(3)
مجموع الفتاوى (13/ 272)، وانظر:(13/ 29، 14/ 101) من الكتاب نفسه.
(4)
إعلام الموقعين (1/ 35)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (1/ 454)، والموافقات (3/ 344).