المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌رابعاً مخالفة التاريخ يعتبر التاريخ من العلوم النقلية، ولا يخفى على من - نقد الصحابة والتابعين للتفسير

[عبد السلام بن صالح الجار الله]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌رابعاً مخالفة التاريخ يعتبر التاريخ من العلوم النقلية، ولا يخفى على من

‌رابعاً

مخالفة التاريخ

يعتبر التاريخ من العلوم النقلية، ولا يخفى على من له أدنى اطلاع أهميته وفائدته في الوصول إلى الحقائق العلمية (1)، لأجل ذلك اهتم به العلماء، فالمحدثون - على سبيل المثال - رجعوا إلى التاريخ في قضايا كثيرة، كرجوعهم إليه عند تعارض الأحاديث، وعدم إمكان الجمع بينها، ثم الحكم على المتقدم بالنسخ، فالتاريخ أحد الطرق التي يعرف بها الناسخ من المنسوخ (2).

ويصل الأمر بالمحدثين إلى رد بعض الأحاديث، والحكم بوهم أحد رواتها وغلطه حين لا تتفق مع الحقائق التاريخية الثابتة، فمخالفة التاريخ إحدى الأمارات التي يستدل بها على وضع الحديث (3).

(1) أفاض السخاوي في الكلام حول فوائد التاريخ في كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ (ص 17 - 86).

(2)

انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 468)، وتدريب الراوي (2/ 646).

(3)

انظر: الموضوعات لابن الجوزي (3/ 32)، والمنار المنيف (ص 102)، والسنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (ص 100)، ومقاييس نقد متون السنة (ص 183 - 191).

ص: 539

واستخدم المحدثون التاريخ للكشف عن حال الرواة وإمكان روايتهم عن شيوخهم، فيعرفون صحة رواية الطالب عن شيخه بالنظر في تاريخ ولادة التلميذ ووفاة شيخه الذي يروي عنه، وبذا يسهل اكتشاف من يكذب في الرواية عن غيره، يقول سفيان الثوري:«لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ» (1).

ولا تقل عناية المفسرين بالتاريخ عن غيرهم، وينقسم انتقاد الصحابة والتابعين التفسير بالتاريخ إلى قسمين:

القسم الأول: الاستدلال بتاريخ نزول الآية، فتفسير الآية بأمر لم يقع إلا بعد نزولها قرينة تدل على أن ذلك الأمر الذي فسرت به ضعيف، وهذا أهم القسمين، وسبيل الوصول إليه معرفة المكي والمدني، ومن ثم اعتنى العلماء به وأفردوه بالتصنيف.

والمراد بالمكي: ما نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، والمدني ما نزل بعدها (2).

وانتقاد تفسير بعض الآيات وتضعيفها بالنظر في تاريخ نزولها من القواعد

(1) الكفاية للخطيب (ص 193)، ومقدمة ابن الصلاح (ص 643)

(2)

هذا أحسن التعريفات، وهناك تعريفات أخرى، انظرها في: البرهان للزركشي (1/ 273)، ومناهل العرفان (1/ 186).

ص: 540

المقررة لدى المفسرين:

- ففي قوله تعالى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} (1)، أورد ابن جرير قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (2) أنه قال في تفسيرها:«قال الله عز وجل حين رجع من غزوه: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} (3) أرادوا أن يغيروا كلام الله الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ويخرجوا معه، وأبى الله ذلك عليهم ونبيه صلى الله عليه وسلم» .

فابن زيد فسر آية الفتح بآية التوبة، وأن المراد بتبديلهم كلام الله ما جاء في سورة التوبة، فرد ابن جرير ذلك بقوله: «وهذا الذي قاله ابن زيد قول لا وجه له، لأن قول الله عز وجل:{فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} إنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، وعُني به الذين تخلفوا عنه حين توجه إلى تبوك لغزو الروم، ولا اختلاف بين أهل العلم بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة أيضاً، فكيف يجوز أن يكون الأمر

(1) سورة الفتح من الآية (15).

(2)

العدوي مولاهم المدني، روى عن أبيه وابن المنكدر، وهو ضعيف الحديث، وله اهتمام بالتفسير، وصنف فيه، وله أيضاً الناسخ والمنسوخ، توفي سنة (182).

انظر: ميزان الاعتدال (3/ 278)، وتهذيب التهذيب (2/ 507)، طبقات المفسرين للداودي (1/ 271).

(3)

(83) من سورة التوبة.

ص: 541

على ما وصفنا معنياً بقول الله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ؟ ! ، وهو خبر عن المتخلفين عن المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص معتمراً يريد البيت، فصده المشركون عن البيت، الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك، وغزوة تبوك لم تكن كانت يوم نزلت هذه الآية، ولا كان أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:{فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} » (1).

- ورد ابن عطية على من قال: إنه يراد بالحق في قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (2) الزكاة المفروضة، وقال:«وهذا ضعيف، لأن السورة مكية، وفرض الزكاة بالمدينة» (3).

- وفي قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (4) أورد القرطبي قولاً في أن المراد بالرؤيا: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل مكة عام الحديبية، وتعقبه بقوله:«وفي هذا التأويل ضعف؛ لأن السورة مكية وتلك الرؤيا كانت بالمدينة» (5)

(1) جامع البيان (21/ 263).

(2)

سورة الذاريات آية (19).

(3)

المحرر الوجيز (15/ 207)، وانظر (7/ 49) من الكتاب نفسه.

(4)

سورة الإسراء من الآية (60).

(5)

الجامع لأحكام القرآن (5/ 3898)، وانظر نقد القرطبي لتفاسير أخرى بتاريخ النزول في هذا الكتاب:(3/ 2509، 5/ 3903، 6/ 4774).

ص: 542

- ويقول ابن كثير في قوله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} (1): «قيل: نزلت في اليهود، إذ أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام بلاد الأنبياء، وترك سكنى المدينة، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذه الآية مكية، وسكنى المدينة بعد ذلك» (2).

ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

1 -

في قول الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (3).

جاء عن بعض الصحابة والتابعين أن المقصود بمن عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام رضي الله عنه.

فعن عبد الله بن سلام نفسه قال: «نزلت فيَّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}» (4).

(1) سورة الإسراء آية (76).

(2)

تفسير القرآن العظيم (5/ 97)، وانظر مواطن أخرى في:(5/ 115، 463، 6/ 186، 580، 8/ 463) من الكتاب نفسه.

(3)

سورة الرعد من الآية (43).

(4)

سنن الترمذي، أبواب التفسير، باب ومن سورة الأحقاف (9/ 10)، وجامع البيان (13/ 582)، والشريعة (ص 688).

ص: 543

وقال بهذا القول مجاهد وقتادة (1).

وأنكر بعض التابعين ذلك: فقد قيل لسعيد بن جبير: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} «أهو عبد الله بن سلام؟ ، قال: هذه السورة مكية، فكيف يكون عبد الله بن سلام؟ ! » (2).

قال ابن كثير منتقداً كونه ابن سلام: «وهذا القول غريب؛ لأن هذه الآية مكية، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة» (3).

2 -

وفي قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} (4).

جاء عن بعض الصحابة والتابعين أن المقصود بالشاهد عبد الله بن سلام رضي الله عنه:

(1) جامع البيان (13/ 582، 583).

(2)

جامع البيان (13/ 586)، والناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (2/ 479)، والدر المنثور (4/ 69).

(3)

تفسير القرآن العظيم (4/ 394)، وانظر نحواً من هذا الكلام للقرطبي في الجامع لأحكام القرآن (4/ 3565)، ولابن عاشور في التحرير والتنوير (12/ 212).

(4)

سورة الأحقاف من الآية (10).

ص: 544

فعنه قال: «نزلت فيَّ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}» (1).

وعن سعد بن أبي وقاص قال: «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}» (2).

وقال بهذا القول مجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة (3).

وأنكر بعض التابعين ذلك:

فعن مسروق قال: «كان إسلام ابن سلام بالمدينة، ونزلت هذه السورة بمكة، إنما كانت خصومة بين محمد عليه الصلاة والسلام وبين قومه، فقال:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} ، قال: التوراة مثل الفرقان، وموسى مثل محمد، فآمن به واستكبرتم، ثم قال: آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه، واستكبرتم أنتم، فكذبتم أنتم نبيكم وكتابكم {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي}

إلى قوله: {هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} (4)».

(1) سنن الترمذي، أبواب التفسير، باب ومن سورة الأحقاف (9/ 10)، وجامع البيان (21/ 127).

(2)

صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه (4/ 229)، وهو في صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة (4/ 1930) برقم (2483)، لكن دون قوله: وفيه نزلت ..

(3)

انظر جامع البيان (21/ 128 - 129)، والدر المنثور (6/ 39)، ونَسَبَ هذا القول لجمهور المفسرين الآلوسي في روح المعاني (13/ 170)، والشنقيطي في أضواء البيان (7/ 381).

(4)

سورة الأحقاف آية (11).

ص: 545

وعن الشعبي قال: «إن ناساً يزعمون أن الشاهد على مثله: عبد الله بن سلام، وأنا أعلم بذلك، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة، وإنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه، فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} يعني الفرقان {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} فمثل التوراة الفرقان، التوراة شهد عليها موسى، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم» (1).

وعن عكرمة قال: «ليس بعبد الله بن سلام؛ هذه الآية مكية» (2).

وقد حكى بعض العلماء الإجماع على أن سورة الأحقاف مكية (3).

وأما من يرى أن الآية نزلت في ابن سلام رضي الله عنه فيمكن توجيه قوله بأمرين:

أ - أن السورة مكية والآية مدنية، وجاء هذا عن ابن سيرين (4).

ب - أن قوله: نزلت فيه، يراد به أن الآية تشمله ويدخل في معناها، لا أنها وقت نزولها أرادت ابن سلام، قال ابن تيمية: «وقولهم: نزلت هذه الآية في كذا

(1) هذا الأثر والذي قبله في جامع البيان (21/ 125 - 126).

(2)

الدر المنثور (6/ 39) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(3)

انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/ 5998)، وفتح القدير (5/ 16).

(4)

الدر المنثور (6/ 39)، واختاره الشوكاني في فتح القدير (5/ 16، 19)، والشنقيطي في أضواء البيان (7/ 381).

ص: 546

يراد به تارة أنه سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب كما تقول: عنى بهذه الآية كذا» (1).

وهذا الجوابان يمكن الإجابة بهما عن آية الرعد السابقة.

3 -

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (2).

جاء عن جمع من الصحابة والتابعين أن المراد بالسبع المثاني السبع الطوال، منهم: ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد (3).

وأنكر ذلك أبو العالية، فقال في السبع المثاني: فاتحة الكتاب، فلما قيل له: إن الضحاك بن مزاحم يقول: هي السبع الطول، قال:«لقد نزلت هذه السورة سبعاً من المثاني وما أنزل شيء من الطول» (4).

وعن أبي جعفر الرازي (5)،

عن الربيع، عن أبي العالية، في قول الله تعالى:

(1) مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 339)، وانظر فتح الباري لابن حجر (7/ 130).

(2)

سورة الحجر آية (87).

(3)

انظر: جامع البيان (14/ 107)، والدر المنثور (4/ 105).

(4)

جامع البيان (14/ 116).

(5)

هو عيسى بن أبي عيسى ماهان الرازي التميمي، أصله من البصرة، ولد في حدود سنة (90)، روى عن عطاء وقتادة، وعنه شعبة وغيره، وكان عالماً بتفسير القرآن، توفي في حدود سنة (160).

انظر: تاريخ بغداد (11/ 143)، وسير أعلام النبلاء (7/ 346)، وتهذيب التهذيب (4/ 503).

ص: 547

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات، فقال أبو جعفر للربيع: إنهم يقولون: السبع الطول، فقال: لقد أنزلت هذه، وما أنزل من الطول شيء» (1).

قال الشنقيطي: «وبه تعلم أن قول من قال: إنها السبع الطوال غير صحيح، إذ لا كلام لأحد معه صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على عدم صحة ذلك القول: أن آية الحجر هذه مكية، وأن السبع الطوال ما أنزلت إلا بالمدينة، والعلم عند الله تعالى» (2).

4 -

وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (3).

جاء أن المراد بالآية الجهاد في سبيل الله، فأنكر ذلك بعض الصحابة والتابعين، فعن مقاتل بن سليمان (4)

أنه قال في هذه الآية: بلغنا أنه في القتال، قال

(1) جامع البيان (14/ 116)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/ 357 - 358)، والدر المنثور (4/ 105)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.

(2)

أضواء البيان (3/ 176)، والقول بأن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب رجحه كثير من المفسرين، انظر: جامع البيان (14/ 121)، والتفسير الكبير للرازي (7/ 159)، والجامع لأحكام القرآن (4/ 3671)، والبحر المحيط (5/ 465)، والتحرير والتنوير (13/ 64).

(3)

سورة الحجر آية (24).

(4)

هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي الخراساني البلخي، روى عن مجاهد وعطاء، وأثنى عليه الشافعي في التفسير، لكنه متروك الحديث، صنف التفسير والوجوه والنظائر، توفي عام (150).

انظر: تاريخ بغداد (13/ 160)، ووفيات الأعيان (5/ 255)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 330).

ص: 548

معتمر بن سليمان (1): فحدثت أبي، فقال: لقد نزلت هذه الآية قبل أن يفرض القتال (2).

والراجح وهو الذي عليه جمهور المفسرين أن الآية عامة، فالمستقدمون عموم من يهلك من لدن آدم عليه السلام، والمستأخرون عموم من سيأتي إلى يوم القيامة، وهذا اختيار ابن جرير وغيره (3).

5 -

وفي قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (4).

(1) هو أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي البصري الحافظ، ولد سنة (106)، حدث عنه أحمد وابن معين، وكان موصوفاً بالإتقان والعبادة والورع، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (187).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/45)، وتذكرة الحفاظ (1/ 266)، وتهذيب التهذيب (4/ 117).

(2)

الدر المنثور (4/ 97)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وجاء إنكار أن تكون الآية نازلة في القتال في سبيل الله عن سهل بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه، فقد قال:«أتدرون فيم أنزلت {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}؟ ، فقيل له: في سبيل الله، قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة» ، الدر المنثور (4/ 97).

(3)

انظر: جامع البيان (14/ 54)، والمحرر الوجيز (10/ 123)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 449).

(4)

سورة الأنعام من الآية (141).

ص: 549

جاء عن بعض الصحابة والتابعين أن المراد بالآية الزكاة المفروضة:

فعن ابن عباس قال: «العشر ونصف العشر» .

وعن أنس قال: «هي الزكاة المفروضة» .

وعن الحسن وجابر بن زيد وطاوس وقتادة قالوا: هو الزكاة (1).

وأنكر ذلك بعض التابعين:

فعن عطاء قال: «ليس بالزكاة، ولكن يطعم من حضره ساعتئذٍ حصيده» (2).

وعن إبراهيم النخعي قال: «هذه السورة مكية، نسختها العشر ونصف العشر، فقيل له: عمن؟ ، قال: عن العلماء» (3).

وقوله: هذه السورة مكية، يريد به الرد على من قال: إنها في الزكاة، والزكاة إنما فرضت بالمدينة، وهذه السورة مكية، وهذا الأمر ظاهر جداً، فإن الآية لا يمكن أن توجب شيئاً لم يفرض إلا في المدينة.

قال ابن عطية رداً على من قال إنها الزكاة المفروضة: «وهذا قول معترض

(1) انظر هذه الأقوال في: مصنف عبد الرزاق (4/ 145)، وجامع البيان (9/ 595) وما بعدها، وتفسير ابن أبي حاتم (5/ 1398)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (2/ 324 - 425).

(2)

جامع البيان (9/ 601).

(3)

المصدر السابق (9/ 610).

ص: 550

بأن السورة مكية، وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة» (1).

وجاء عن بعض التابعين التصريح بأن الآية نزلت قبل فرض الزكاة، فعن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية:«كان هذا قبل الزكاة، للمساكين القبضة، والضغث لعلف دابته» (2).

وعن السدي قال: «أما {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، فكانوا إذا مر بهم أحد يوم الحصاد أو الجداد أطعموه منه، فنسخها الله عنهم بالزكاة، وكان فيما أنبتت الأرض العشر ونصف العشر» (3).

(1) المحرر الوجيز (6/ 164).

(2)

جامع البيان (9/ 607)، والناسخ والمنسوخ للنحاس (2/ 322)

(3)

جامع البيان (9/ 610)، واختار القول بالنسخ ابن جرير في تفسيره (9/ 611)، والشوكاني في فتح القدير (2/ 169) واستدل بدليل إبراهيم النخعي، وعزا القول بالنسخ إلى جمهور العلماء من السلف والخلف، وكذا اختار الشنقيطي في أضواء البيان (2/ 190) القول بنسخ الآية، وأن الأمر فيها على سبيل الندب.

ومن الشواهد على نقد التفسير بتاريخ النزول:

إنكار علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ابن عباس تفسيره للعاديات بأنها الخيل حين تغير للجهاد؛ مستدلاً بأنه لم يكن لدى المسلمين خيل وقت نزول الآية، انظر: جامع البيان (24/ 573 - 574)، والمستدرك (2/ 105)، والدر المنثور (6/ 383).

وإنكار السدي أن يكون المراد بالإنفاق في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: آية 215] الزكاة المفروضة؛ معللاً ذلك بأنها لم تفرض وقت نزول الآية. انظر: جامع البيان (3/ 642).

ص: 551

القسم الثاني: أن تفسر الآية بشيء يدل التاريخ على خلافه، ومن شواهده:

1 -

قال الله تعالى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (1).

جاء عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: «هي أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}» (2).

وأنكر ذلك كعب الأحبار مستدلاً بالتاريخ بين موسى عليه السلام ومريم، فعن ابن سيرين قال:«نبئت أن كعباً قال: إن قوله: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} ليس بهارون أخي موسى، فقالت له عائشة: كذبت، فقال: يا أم المؤمنين، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر، وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة، فسكتت» (3).

ولا يُظن بعائشة رضي الله عنها أنها تجهل عدم إمكانية أن يكون هارون المذكور أخا موسى حقيقة، وإنما أرادت أنها كانت من نسله، كما يقال: يا أخا تميم أي من نسله،

(1) سورة مريم آية (28).

(2)

سورة القصص من الآية (11)، والأثر عزاه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (5/ 221) إلى ابن أبي حاتم.

(3)

جامع البيان (15/ 523)، ونقل إنكار أن يكون أخو موسى عن قتادة أيضاً.

ص: 552

وقد أورد ابن عطية قول عائشة تحت هذا القول (1)، وكان كعب ينكر أن يكون هارون أخو موسى مطلقاً، ويستدل بالتاريخ، ويرى أن هارون المذكور في الآية رجل صالح من بني إسرائيل ينسب إليه من يعرف بالصلاح (2).

وقد سبق في التمهيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حين عرض عليه هذا الإشكال بين أن بني إسرائيل كانوا يسمون على أسماء أنبيائهم وصالحيهم (3).

وأما قول محمد بن كعب فقد قال عنه ابن كثير بأنه خطأ محض (4).

2 -

وفي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (5).

جاء عن بعض التابعين أن المراد بالآية: الصبر والمصابرة والمرابطة في الجهاد.

فعن زيد بن أسلم قال: «اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوكم، ورابطوا على عدوكم» ، وهذا قول جمهورالمفسرين (6).

(1) المحرر الوجيز (11/ 27).

(2)

النكت والعيون (3/ 368).

(3)

انظر (ص 62).

(4)

تفسير القرآن العظيم (5/ 221).

(5)

سورة آل عمران آية (200).

(6)

المحرر الوجيز (3/ 328)، وفتح القدير (1/ 415).

ص: 553

ويرى آخرون أن المراد المرابطة في الصلاة، وينتقدون من يرى أنها في الجهاد، فعن داود بن صالح (1) قال:«قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن (2): يا بن أخي، هل تدري في أي شيء أنزلت هذه الآية: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا}؟ ، قلت: لا، قال: إنه لم يكن يا بن أخي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يُرَابَطُ فيه، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة» (3).

ويشهد لهذا التأويل حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ » ، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد

(1) ابن دينار التمار المدني، روى عن أبي أمامة بن سهل والقاسم.

انظر: الجرح والتعديل (2/ 1/415)، وتهذيب التهذيب (1/ 564).

(2)

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، اسمه كنيته، وقيل اسمه: عبد الله، من كبار التابعين، روى عن أبيه وعثمان، وروى عنه الزهري وقال: أربعة وجدتهم بحوراً، وعده منهم، توفي عام (94).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 115)، وتذكرة الحفاظ (1/ 63)، وتهذيب التهذيب (4/ 531).

(3)

الزهد لابن المبارك (ص 115)، وجامع البيان (6/ 334 - 335)، وأسباب النزول للواحدي (ص 104)، والتمهيد (20/ 224)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 301) عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

ص: 554

الصلاة، فذلكم الرباط» (1).

ومراد أبي سلمة رحمه الله أن الآية حين نزلت لم تأمر المسلمين بالرباط في سبيل الله، لأنه لا يمكن أن يؤمروا بشيء لم يفرض عليهم بعد، وإنما أمروا وقت نزولها بالرباط الذي هو انتظار الصلاة بعد الصلاة، وهو الواجب عليهم حينئذ، وكلام أبي سلمة سليم من هذه الجهة.

أما من جهة كون الجهاد داخل في عموم الرباط المأمور به فلا ريب في ذلك، سيما وأن الآية لم تحدد الشيء المأمور بالمرابطة فيه، وإنما أطلقت الأمر بالمرابطة، وبهذا الجواب يجاب عما سبق في قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} ونفي أن تكون في الجهاد في سبيل الله (2).

(1) صحيح مسلم، كتاب الطهارة (1/ 219) برقم (251).

(2)

ومن شواهد نقد التفسير بالتاريخ: إنكار الحسن أن يكون المراد بابني آدم في قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: آية 27] ابني آدم لصلبه، وكان يقول: إنهما من بني إسرائيل، معللاً ذلك بأن القُربان لم يوجد إلا في بني إسرائيل، انظر: جامع البيان (8/ 324)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 85).

ص: 555