المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

فقد فهم عدي رضي الله عنه من الربوبية المذكورة في الآية أنها عبادة الصلاة والسجود والركوع، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعم، فتشمل طاعة الأحبار والرهبان في التحريم والتحليل.

‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

مع قلة الأحاديث النقدية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنها تركت آثارها على الصحابة رضي الله عنهم؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم والمربي الذي ينظر لتعليماته وتوجيهاته بتعظيم، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم سباقين إلى امتثالها والتزامها.

ويمكن إبراز أثر النقد النبوي على الصحابة فيما يأتي:

الأول: تحذيره صلى الله عليه وسلم من بعض طرق تفسير القرآن الكريم دفع الصحابة إلى البعد عنها والتحذير منها، فلهم مواقف مشابهة من التفسير بالرأي، والإسرائيليات، وتفسير المتشابه؛ تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى.

ومما يشار إليه هنا على سبيل التمثيل ما ذكره ابن تيمية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتفع من غضب النبي صلى الله عليه وسلم عليه حينما رأى في يده صحيفة من التوراة، فقد أُخبر - وهو خليفة - أن رجلاً يحدث ببعض كتب أهل الكتاب، فاستدعاه، وتلا عليه قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ

ص: 55

كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (1).

ثم ضربه ثلاث ضربات، فقال الرجل: مرني بأمرك، فقال له: اذهب فامحه ولا تَقرأه ولا تُقرئه أحداً من الناس، فلئن بلغني أنك قرأته، أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة (2).

الثاني: قد يفهم بعض الصحابة من آية شيئاً غير مراد، فتشتد عليه ويغتم منها، فإذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وبين له خطأ فهمه، وكشف له المعنى الصحيح للآية، زال همه، ومن أمثلته:

1 -

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (3)، قلنا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ ، قال: «ليس كما تقولون {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بشرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (4)» (5).

(1) سورة يوسف الآيات (1 - 3).

(2)

ستأتي القصة في (ص 75)، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (17/ 41).

(3)

سورة الأنعام من الآية (82).

(4)

سورة لقمان من الآية (13).

(5)

أخرجه البخاري في مواضع عدة من صحيحه؛ منها كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (4/ 112)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان (1/ 114) برقم (197).

ص: 56

قال ابن القيم: «أنكر على من فهم من قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أنه ظلم النفس بالمعاصي، وبين أنه الشرك، وذكر قول لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} مع أن سياق اللفظ عند إعطائه حقه من التأمل يبين ذلك، فإن الله سبحانه لم يقل: ولم يظلموا أنفسهم، بل قال: {آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، ولبس الشيء بالشيء تغطيته به وإحاطته به من جميع جهاته، ولا يغطي الإيمان ويحيط به ويلبسه إلا الكفر» (1).

2 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2) بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها» (3).

وفي بعض الأحاديث أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية، فكل سوء عملناه جزينا به؟ ! ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ، ألست تنصب، ألست تحزن؟ ، ألست تصيبك اللأواء (4)؟ » ، قال: بلى، قال:«فهو ما تجزون به» (5).

(1) إعلام الموقعين (1351 - 352)، وانظر الصواعق المرسلة (3/ 1057).

(2)

سورة النساء من الآية (123).

(3)

أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب (4/ 1993) برقم (2574).

(4)

اللأواء: الشدة وضيق المعيشة، النهاية في غريب الحديث (4/ 221) مادة "لأواء".

(5)

أخرجه الثوري في تفسيره (ص 97)، وأحمد في المسند (1/ 11)، وابن جرير في جامع البيان (7/ 521)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1071)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (4/ 249)، والحاكم في المستدرك (3/ 74 - 75)، وقال:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 339).

ص: 57

وعن عائشة رضي الله عنها «أن رجلاً تلا هذه الآية، فقال: إنا لنجزى بما عملنا هلكنا إذاً» (1).

وما تقدم يفيد أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا من الآية حين نزولها أن المجازاة بالذنوب ما يقع من العقوبات في الآخرة، وأنّ الآية تفيد أنّ كل ذنب يعمله المرء يجازى عليه في الآخرة، فاغتموا لهذا الأمر، لكثرة ذنوب العباد، وحينما بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المجازاة لا يلزم أن تكون أخروية فقط، فمنها ما يقع في الدنيا من المصائب التي لا ينفك عنها أحد، كالأمراض والهموم والأحزان، وهذا من الجزاء المعجل الذي يخفف الجزاء المؤجل (2).

الثالث: من آثار النقد النبوي على الصحابة أنه صحح لهم أعمالهم الخاطئة التي بنوها على فهم غير صحيح للنصوص القرآنية، كما حصل مع عدي بن أبي حاتم رضي الله عنه.

(1) أخرج هذه الرواية أحمد في المسند (6/ 65 - 66)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 12):«رجاله رجال الصحيح» .

(2)

انظر: إعلام الموقعين (1/ 351)، والصواعق المرسلة (3/ 1056).

ص: 58

الرابع: استعمل الصحابة رضي الله عنهم نقد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يفهم بعض الناس من آية قرآنية فهماً انتقده النبي صلى الله عليه وسلم، ويتكرر هذا الأمر مع أحد الصحابة، فيستعمل نقد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلته:

1 -

عن طارق بن شهاب (1): «أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نجران، فسألوه وعنده أصحابه، فقالوا: أرأيت قوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (2)، فأين النار؟ ، فأحجم الناس، فقال عمر: أرأيتم إذا جاء الليل، أين يكون النهار؟ ، وإذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ ، فقالوا: نزعت مثلها من التوراة» .

2 -

وأتى رجل من أهل الكتاب ابن عباس فقال: «تقولون: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، فأين النار؟ ، فقال ابن عباس: أرأيت الليل إذا جاء، أين يكون النهار؟ ، وإذا جاء النهار، أين يكون الليل؟ » (3).

وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بنفس هذا الجواب عندما سئل هذا السؤال.

(1) هو أبو عبد الله طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وروى عن الخلفاء الأربعة، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (83 أو 84).

انظر: التاريخ الكبير (2/ 2/352)، والإصابة (5/ 213).

(2)

سورة آل عمران من الآية (133).

(3)

أخرج الأثرين ابن جرير في جامع البيان (6/ 55 - 56).

ص: 59

3 -

وسأل رجل أبي بن كعب رضي الله عنه (1)،

فقال: «قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2)، والله إن كان كل ما عملنا جزينا به هلكنا؟ ! ، فقال أبيّ: والله إن كنت لأراك أفقه مما أرى! ، لا يصيب رجلاً خدش ولا عثرة إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، حتى اللدغة والنفحة» (3).

وجواب أبيّ هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كما تقدم.

4 -

وسأل آخر سلمان الفارسي رضي الله عنه (4)، فقال: «يا أبا عبد الله، آية من كتاب الله قد بلغت مني كل مبلغ:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (5)، فقال سلمان: هو الشرك بالله تعالى، فقال الرجل: ما يسرني بها أني لم أسمعها منك وأن لي

(1) هو أبو المنذر أُبي بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري، شهد العقبة الثانية وبدراً والمشاهد كلها، وهو من كتَّاب الوحي وقرَّاء الصحابة، كان عمر يسميه سيد المسلمين، توفي بالمدينة عام (22 أو 23).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 2/59)، والتاريخ الكبير (1/ 2/39)، والإصابة (1/ 26).

(2)

سورة النساء آية (123).

(3)

جامع البيان (7/ 516)، وأشار إليه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 1/268)، والنفحة من نفحت الدابة برجلها إذا رمحت برجلها وضربت بحد حافرها، لسان العرب (6/ 4493) مادة "نفح".

(4)

هو أبو عبد الله يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وشهد الخندق وما بعدها، ثم نزل الكوفة، وتوفي بالمدائن عام (35).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 9)، والتاريخ الكبير (2/ 2/135)، وأسد الغابة (2/ 417).

(5)

سورة الأنعام من الآية (82).

ص: 60

مثل كل شيء أمسيت أملكه» (1).

5 -

وسأل رجل حذيفة رضي الله عنه (2)،

فقال: «يا أبا عبد الله! أرأيت قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (3)، أكانوا يعبدونهم؟ ، قال: لا، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه» (4).

وهذا هو جواب النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه.

الخامس: قد يتلقى الصحابة رضي الله عنهم بعض الشبهات من أهل الكتاب تتعلق بما جاء في القرآن، فيستعينون بالنبي صلى الله عليه وسلم لنقدها وكشفها.

فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (5) قال: «لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون:

(1) جامع البيان (9/ 372)، ووقع نحو ذلك لعمر مع أبيّ بن كعب كما في المصدر السابق، والجامع لابن وهب (2/ 105)، والمستدرك للحاكم (3/ 305).

(2)

هو أبو عبد الله حذيفة بن حسيل وهو " اليمان " بن جابر العبسي حليف الأنصار، شهد أحداً وما بعدها، وهو صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، تولى فتح بلاد عدة في فارس، وتوفي بالمدائن عام (36).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/64)، وأسد الغابة (1/ 468)، والإصابة (2/ 223).

(3)

سورة التوبة من الآية (31).

(4)

تفسير عبد الرزاق (1/ 245)، وجامع البيان (11/ 418)، وتفسير ابن أبي حاتم (6/ 1784).

(5)

هو أبو عبد الله المغيرة بن شعبة الثقفي، أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية، وولاه عمر على البصرة ثم الكوفة، وتوفي بها عام (50).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 12)، والتاريخ الكبير (4/ 1/16)، وأسد الغابة (5/ 247).

ص: 61

{يَاأُخْتَ هَارُونَ} (1)، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ ! ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال:«إنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» (2).

فأهل نجران فهموا - خطأً - أن هارون المذكور في الآية هو أخو موسى عليهما السلام فأرادوا التوصل بذلك إلى الطعن في القرآن الكريم؛ لأن المتقرر أنّ بين موسى وعيسى عليهما السلام مئات السنين، فكيف يقال في القرآن: إن مريم أم عيسى هي أخت هارون، ومن ثم فهذا الكتاب الذي بأيدي المسلمين غير صحيح، فلما عرض المغيرة هذه الشبهة على النبي صلى الله عليه وسلم أبطل فهمهم للآية، فيبطل ما بني عليه، فليس هارون المذكور في الآية هو أخو موسى، وإنما سمي به جرياً على عادة الناس في التسمي بأسماء الأنبياء والصالحين، وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم» (3).

(1) سورة مريم من الآية (28).

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الآداب (3/ 1685) برقم (2135).

(3)

أخرجها الترمذي في أبواب التفسير، باب ومن سورة مريم (8/ 304 - 305)، والإمام أحمد في المسند (4/ 252).

ص: 62