المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثاأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم - نقد الصحابة والتابعين للتفسير

[عبد السلام بن صالح الجار الله]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثالثاأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

‌ثالثاً

أثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

ينقسم نقد المفسرين من حيث أثره على المنتقَد [بفتح القاف] وتفسيره إلى قسمين:

القسم الأول: نقد مؤثر؛ كانتقاد أبي صالح والكلبي، وبسبب جرحهما نزلت رتبة تفسيرهما عن غيرهما.

القسم الثاني: نقد غير مؤثر، أو أثره ضعيف، وثمة أمور وملابسات تقلل من أهمية النقد، وتضعف قيمته وأثره، ومنها ما يلي:

أولاً: جرح المفسر بأمور غير قادحة أو غير صحيحة، فإن المرء قد يجرح بما لا يجرح عند غيره، ومن أمثلة هذه الصورة انتقاد مجاهد وزيد بن أسلم بأنهما يفسران القرآن بالرأي، فمثل هذا النقد غير مؤثر؛ وبخاصة إذا علمنا أن رأيهما في معاني الآيات ليس مصدره الهوى والابتداع، وإنما يريان هما وغيرهما من أهل العلم أنه في حدود الرأي المسموح به.

ثانياً: تراجع الناقد عن نقده، كتراجع ابن عمر في انتقاده ابن عباس على

ص: 459

جرأته في التفسير، فقد جاءه رجل يسأله عن تفسير قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} (1)، فقال له:«اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله، ثم تعال فأخبرني ما قال، فذهب الرجل إلى ابن عباس فسأله، فقال ابن عباس: كانت السموات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات، فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال: إن ابن عباس قد أوتي علماً، صدق، هكذا كانتا، ثم قال ابن عمر: قد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علماً» (2).

فابن عمر رجع عن انتقاد ابن عباس لمّا رأى جرأته في محلها، إذ لم تكن سوى جرأة العالم المدرك لما يقول، ولذا جاء عن ابن عمر روايات تشيد بابن عباس وعلو شأنه في هذا العلم (3).

ثالثاً: اعتبار نقد بعض المفسرين من كلام الأقران بعضهم في بعض، وبخاصة عندما يقع نتيجة اختلاف حول معنى آية، ولذا ينبغي التأمل فيه، والتروي في قبوله، وقد تنبه العلماء لهذا الأمر ونبهوا عليه:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «خذوا العلم حيث وجدتم، ولا تقبلوا قول

(1) سورة الأنبياء آية (30).

(2)

حلية الأولياء (1/ 320)، وعزاه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (5/ 332) إلى ابن أبي حاتم.

(3)

انظر (ص 112).

ص: 460

الفقهاء بعضهم على بعض» (1).

وأفرد ابن عبد البر لهذا الأمر باباً خاصاً سماه "حكم قول العلماء بعضهم في بعض" واعتبر كلام ابن المسيب في عكرمة من هذا القبيل، وتقدمت الإشارة إليه قبل قليل.

والذهبي في عدة مواطن من كتبه ينقل جرح بعض العلماء، وينبه إلى أنه من قبيل كلام العلماء وقدحهم في أقرانهم، فعندما نقل ما وقع بين ابن أبي ذئب (2) والإمام مالك قال:«وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما رضي الله عنهما» (3).

ويقول في موضع آخر: «وما زال العلماء الأقران يتكلم بعضهم في بعض بحسب اجتهادهم، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم» (4).

(1) جامع بيان العلم وفضله (2/ 151)، ونقل عن مالك بن دينار نحوه.

(2)

هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة القرشي المدني، ولد سنة ثمانين، وروى عن عكرمة ونافع، وروى عنه الثوري، قال أحمد:«كان يُشبَّه بسعيد بن المسيب» ، قدم بغداد بأمر المهدي وحدث بها، ثم رجع فمات بالكوفة سنة (159).

انظر: تاريخ بغداد (2/ 296)، والمعارف (ص 485)، ووفيات الأعيان (4/ 183).

(3)

سير أعلام النبلاء (7/ 143).

(4)

ميزان الاعتدال (5/ 429)، وانظر أيضاً:(1/ 111، 4/ 419)، وتذكرة الحفاظ (2/ 772)، وسير أعلام النبلاء (4/ 558، 5/ 275، 7/ 40، 11/ 432، 12/ 61، 14/ 42).

ص: 461

رابعاً: مقابلة نقد بعض المفسرين بثناء من أثنى عليهم من العلماء، وقد يكون فيهم من هو أجل قدراً، وأرفع منزلة من الناقد، وقد يكون أعرف بالمنتقَد وأدرى به، ومن أمثلته:

ثناء ابن عباس على تلميذه عكرمة وتزكيته له في مقابل نقد ابن المسيب.

وثناء إسماعيل ابن أبي خالد على السدي في مقابل نقد الشعبي، وهذا يعود بنا إلى المسألة المشهورة في علم الجرح والتعديل، وهي تعارض الجرح والتعديل وأيهما يقدم؟ (1).

* ومن المهم قبل أن نختم هذا الفصل التنبيه على مسالة مهمة، وهي أن بعض العلماء تسامحوا في نقل التفسير عن رجال تكلم في عدالتهم وسماعهم من شيوخهم مع ترك الاحتجاج بهم في نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وممن أشار إلى ذلك يحيى بن سعيد القطان؛ أحد الأئمة في معرفة الرجال ونقدهم، يقول رحمه الله: «تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث، ثم ذكر ليث بن أبي سليم (2)،

(1) انظر الكلام عنها في: الكفاية (ص 175)، والمستصفى (1/ 163)، والإحكام للآمدي (2/ 87)،

والباعث الحثيث (ص 80)، وفتح المغيث للسخاوي (2/ 30)، وتدريب الراوي (1/ 364).

(2)

هو أبو بكر القرشي الكوفي، روى عن طاوس ومجاهد وعطاء، وعنه الثوري وشعبة، كان معلماً عابداً صالحاً، لكن حديثه اضطرب بسبب اختلاطه في آخر عمره، فتركه يحيى بن سعيد وابن مهدي وابن معين وأحمد، توفي سنة (138 وقيل 143).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 243)، والمجروحين (2/ 237)، وميزان الاعتدال (4/ 340).

ص: 462

وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب، وقال: هؤلاء لا يحمد أمرهم، ويكتب التفسير عنهم» (1).

وذكر الخطيب البغدادي (2)

«أن العلماء قد احتجوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مسند الأحاديث المتعلقة بالأحكام، وذلك لسوء حفظهم الحديث وشغلهم بالتفسير» ، ثم ذكر كلام يحيى بن سعيد (3).

وجاء في كلام الإمام أحمد ما يتفق مع كلام الخطيب، فإنه قال في جويبر بن سعيد:«ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وما كان يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو منكر» (4).

(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194).

(2)

هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، ولد سنة (392)، واشتغل منذ الصغر بعلم الحديث حتى برع فيه، وعامة مصنفاته فيه، منها: الكفاية، وشرف أصحاب الحديث، توفي في آخر سنة (463).

انظر: وفيات الأعيان (1/ 92)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1135).

(3)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194).

(4)

الجرح والتعديل (1/ 1/540)، ونقل ابن حجر في تهذيب التهذيب (1/ 321) عن أحمد بن سيار المروزي أنه قال في جويبر:«له رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير، وهو لين في الرواية» .

ص: 463

وهذا المنهج سلكه بعض المفسرين الذين اعتنوا بنقل الآثار كابن جرير وابن أبي حاتم، سيما من لم يكن الطعن فيه شديداً، كرواية الضحاك عن ابن عباس، ورواية أبي صالح عنه من غير طريق الكلبي.

وهذا الكلام يفيد أمرين:

الأول: أن بعض العلماء قد يجرح في جزئية من الجزئيات، ولا يعني بالضرورة جرحه من كل جهة، واطراحه من كل وجه، فيكون حجة في بعض العلوم التي صرف عنايته إليها، والجرح والتعديل الجزئي من منهج المحدثين، فينتقدون بعض الرواة أو يوثقونهم بالنسبة إلى شيخ أو بلد أو وقت (1)، ومن الأمثلة التوضيحية في غير التفسير:

1 -

عاصم بن أبي النجود رحمه الله (2)،

قال عنه الخطيب البغدادي: «احتج به في القراءات دون الأحاديث المسندات؛ لغلبة علم القرآن عليه فصرف عنايته إليه» (3).

(1) ونبه المعلمي في التنكيل (1/ 65 - 66) إلى أنه قد يُحكى التضعيف مطلقاً، فيتوهم البعض أن الراوي ضعيف في كل شيء، وكذلك الأمر في التوثيق.

(2)

هو أبو بكر عاصم بن بهدلة الأسدي الكوفي الإمام المقرئ، وأبو النجود كنية أبيه، قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش، وتصدى للإقراء فانتهت إليه الإمامة في القراءة بالكوفة، قرأ عليه الأعمش وشعبة وحفص، توفي سنة (127).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 224)، ومعرفة القراء (1/ 88)، وغاية النهاية (1/ 346).

(3)

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 194)، وذكره ابن حجر في التقريب (ص 285) وقال:«صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون» .

ص: 464

2 -

محمد بن إسحاق رحمه الله، قال الذهبي بعد ذكر ما كان بينه وبين الإمام مالك:«وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثَّر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك وصار كالنجم، والآخر فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكراً، هذا الذي عندي في حاله، والله أعلم» (1).

الثاني: أن نقد المفسر في روايته ونقله لا يعني بالضرورة أن تطرح آراؤه وأقواله في التفسير، فينبغي التفريق بين روايته ورأيه (2)، ولذا ذكرنا في آخر ترجمة المنتقدين ثناء العلماء عليهم في التفسير وعنايتهم به للإشارة إلى مكانتهم في هذا الفن ومنزلتهم فيه.

(1) سير أعلام النبلاء (7/ 41).

(2)

انظر مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير د. مساعد الطيار (ص 305).

ص: 465