الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَلِيمٌ} (1)، فالآيات تتحدث عن الكفار.
4 -
ووقع لجابر رضي الله عنه نفس الشيء مع بعض الخوارج، فعن يزيد الفقير قال:«جلست إلى جابر بن عبد الله، وهو يحدث، فحدث أن أناساً يخرجون من النار، قال: وأنا يومئذٍ أنكر ذلك، فغضبت، وقلت: ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد! ، تزعمون أن الله يخرج ناساً من النار، والله يقول: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}، فانتهرني أصحابه، وكان أحلمهم، فقال: دعوا الرجل، إنما ذلك للكفار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} حتى بلغ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}» .
وفي رواية أن جابراً قال له: «اتل أول الآية» (2).
القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية
.
(1) سورة المائدة آية (36).
(2)
الشريعة للآجري (ص 349)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 99) واللفظ منه، وعزاه لابن مردويه وابن أبي حاتم، وعزاه في الدر المنثور (2/ 280) إلى ابن المنذر أيضاً، وحديث يزيد الفقير مع جابر أخرجه مسلم في صحيحه، وتقدم (ص 318)، ولمزيد أمثلة على نقد التفسير بسباق الآية انظر الدر المنثور (4/ 194).
ومن أمثلة هذا القسم:
1 -
لما قدم خراج العراق خرج عمر رضي الله عنه مع مولاه، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل يقول:«الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته، يشير إلى قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (1)، فقال عمر: كذبت! ليس هذا هو، يقول الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وهذا مما تجمعون» (2).
فاستدل عمر بآخر الآية: {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} على خطأ فهم مولاه، فالأموال التي قال فيها المولى: هذا والله من فضل الله ورحمته مما يجمع الناس، والآية تدل على أن المشار إليه، والذي أمرنا بالفرح به خير مما يجمعون، والمشار إليه هو قوله تعالى في الآية التي قبلها:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3).
2 -
وعن مصعب بن سعد (4)
قال: «كنت أقرأ على أبي حتى إذا بلغت هذه
(1) سورة يونس من الآية (58).
(2)
تفسير ابن أبي حاتم (6/ 1960)، ومسند الشاميين للطبراني (2/ 125)، والدر المنثور (3/ 309).
(3)
سورة يونس من الآية (57).
(4)
ابن أبي وقاص الزهري القرشي المدني، يكنى أبا زرارة، روى عن علي وطلحة، وعنه مجاهد والحكم، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (103).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 126)، وتهذيب التهذيب (4/ 84).
الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (1) قلت: يا أبتاه أهم الخوارج؟ ، قال: لا يا بني اقرأ الآية التي بعدها: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (2)، قال: هم المجتهدون من النصارى كان كفرهم بآيات ربهم بمحمد ولقائه، وقالوا: ليس في الجنة طعام ولا شراب، ولكن الخوارج هم الفاسقون الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» (3).
وفي رواية أن مصعباً لما سأل أباه عن هذه الآية، وقال له:«هم الحرورية؟ ، قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيْثَاقِهِ} (4)، وكان سعد يسميهم الفاسقين» (5).
والقول بأن الخوارج هم الأخسرون أعمالاً قال به علي رضي الله عنه، فقد سأله ابن
(1) سورة الكهف آية (103).
(2)
سورة الكهف آية (105).
(3)
المستدرك للحاكم (2/ 370).
(4)
سورة الرعد من الآية (25).
(5)
صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (5/ 235).
الكواء، فقال: من {
…
بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}؟ قال: ويلك، منهم أهل حروراء (1).
قال ابن حجر: «ولعل هذا هو السبب في سؤال مصعب أباه عن ذلك» (2).
وقد أنكر سعد رضي الله عنه أن يكون المراد بهم الخوارج مستدلاً بالآية التي بعدها، والتي بينت أن الأخسرين أعمالاً كافرون بآيات الله ولقائه، وبين وجه كفر المعنيين بها، فاليهود كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، والنصارى كفروا بالجنة، فنظر إلى الآيات متكاملة، ويبدو أنه كان لا يكفر الخوارج، ولذا جاء في رواية البخاري أن سعداً كان يسميهم الفاسقين.
وفي رواية أنه لما سئل هذا السؤال قال: «لا، ولكنهم أصحاب الصوامع، والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم» (3).
أما علي رضي الله عنه فنظر إلى عموم اللفظ من جهة أن «فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا، لأنهم يرتكبون أمراً شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة، فقد ضل سعيهم وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وإن كانوا في ذلك أقل
(1) تفسير عبد الرزاق (1/ 348)، وجامع البيان (15/ 426)، وفي الدر المنثور (4/ 253) أن علياً لما سئل قال:«لا أظن إلا أن الخوارج منهم» .
(2)
فتح الباري (8/ 425).
(3)
جامع البيان (15/ 424)، والمستدرك (2/ 370)، والدر المنثور (4/ 253).
من الكفار المجاهرين، لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب» (1).
3 -
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) قال: «الحصر حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو ضلال أو كسر فلا شيء عليه، إنما قال الله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}، فلا يكون الأمن إلا من الخوف» (3).
فذكر الأمن يفسر المقصود بالحصر في أول الآية، فلا يشمل المرض ونحوه، قال الشنقيطي (4):
«وقال قوم: المراد به ما يشمل الجميع من عدو ومرض ونحو ذلك، ولكن قوله تعالى بعد هذا:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو للمحرم، لأن الأمن إذا أطلق في لغة العرب انصرف إلى الأمن من الخوف لا إلى الشفاء من المرض ونحو ذلك، ويؤيده أنه لم يذكر الشيء الذي منه
(1) أضواء البيان (4/ 192)، وقال ابن حجر في فتح الباري (8/ 425):«وليس الذي قاله علي ببعيد، لأن اللفظ يتناوله وإن كان السبب مخصوصاً» .
(2)
سورة البقرة من الآية (196).
(3)
جامع البيان (3/ 346)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 336).
(4)
هو محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، ولد في شنقيط من مدن موريتانيا، ثم استقر بالمدينة بعد حجه عام (1367)، من كتبه: منع جواز المجاز، ومذكرة في أصول الفقه، توفي سنة (1393).
انظر: ترجمته بقلم تلميذه عطية سالم في مقدمة أضواء البيان، والأعلام للزركلي (6/ 45)، ومعجم المفسرين (2/ 496).
الأمن، فدل على أن المراد به ما تقدم من الإحصار، فثبت أنه الخوف من العدو»، ثم قال:«الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية: إحصار العدو، وأن من أصابه مرض ونحوه لا يحل إلا بعمرة، لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية، ودل عليه قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} الآية» (1).
ويرى غير ابن عباس أن الحصر في الآية يشمل حصر العدو وغيره كالمرض (2).
4 -
قد يحتج من يرتكب المعاصي بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3) وأن ما يفعله من الذنوب داخل في مدلول هذه الآية، فنبه ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الآية لا تشمل المعاصي، وقال: «يريد مصائب المعاش، ولا يريد مصائب الدين؛ إنه قال:{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (4)، وليس على مصائب
(1) أضواء البيان (1/ 184، 190)، وانظر مزيد تقرير لذلك في: التفسير الكبير للرازي (2/ 303)، والتحرير والتنوير (2/ 222).
(2)
انظر: جامع البيان (3/ 342)، والجامع لأحكام القرآن (1/ 745).
(3)
سورة الحديد آية (22).
(4)
سورة الحديد من الآية (23).
الدين، أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة» (1).
ومن شروط التوبة التي ذكرها العلماء الندم على اقتراف المعاصي، فالمؤمن مأمور بالحزن على المعاصي والفرح بالحسنات، وفي الحديث:«من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» (2)، وهذا يتعارض مع التعليل المذكور في الآية، مما يؤكد عدم دخول السيئات في الآية، ومن القواعد المقررة في العقيدة أنه يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب دون المعائب (3).
(1) الدر المنثور (6/ 176) وعزاه لابن المنذر.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه، في أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (6/ 333)، وأحمد في المسند (1/ 18)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (7/ 442، 8/ 257)، والحاكم في المستدرك (1/ 114) كلهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» ، وقال الحاكم:«هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 215).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (8/ 453 - 454)، وشفاء العليل لابن القيم (ص 35)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/ 136).
ومن الشواهد انتقاد الحسن البصري أن يكون المراد بابن نوح في قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ابنه لصلبه، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ، جامع البيان (12/ 427).
وللمزيد أيضاً انظر: جامع البيان (17/ 678، 21/ 347، 432)، والدر المنثور (6/ 102).