المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية - نقد الصحابة والتابعين للتفسير

[عبد السلام بن صالح الجار الله]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

أَلِيمٌ} (1)، فالآيات تتحدث عن الكفار.

4 -

ووقع لجابر رضي الله عنه نفس الشيء مع بعض الخوارج، فعن يزيد الفقير قال:«جلست إلى جابر بن عبد الله، وهو يحدث، فحدث أن أناساً يخرجون من النار، قال: وأنا يومئذٍ أنكر ذلك، فغضبت، وقلت: ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد! ، تزعمون أن الله يخرج ناساً من النار، والله يقول: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}، فانتهرني أصحابه، وكان أحلمهم، فقال: دعوا الرجل، إنما ذلك للكفار: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} حتى بلغ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}» .

وفي رواية أن جابراً قال له: «اتل أول الآية» (2).

‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

.

(1) سورة المائدة آية (36).

(2)

الشريعة للآجري (ص 349)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/ 99) واللفظ منه، وعزاه لابن مردويه وابن أبي حاتم، وعزاه في الدر المنثور (2/ 280) إلى ابن المنذر أيضاً، وحديث يزيد الفقير مع جابر أخرجه مسلم في صحيحه، وتقدم (ص 318)، ولمزيد أمثلة على نقد التفسير بسباق الآية انظر الدر المنثور (4/ 194).

ص: 498

ومن أمثلة هذا القسم:

1 -

لما قدم خراج العراق خرج عمر رضي الله عنه مع مولاه، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل يقول:«الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته، يشير إلى قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (1)، فقال عمر: كذبت! ليس هذا هو، يقول الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} وهذا مما تجمعون» (2).

فاستدل عمر بآخر الآية: {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} على خطأ فهم مولاه، فالأموال التي قال فيها المولى: هذا والله من فضل الله ورحمته مما يجمع الناس، والآية تدل على أن المشار إليه، والذي أمرنا بالفرح به خير مما يجمعون، والمشار إليه هو قوله تعالى في الآية التي قبلها:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (3).

2 -

وعن مصعب بن سعد (4)

قال: «كنت أقرأ على أبي حتى إذا بلغت هذه

(1) سورة يونس من الآية (58).

(2)

تفسير ابن أبي حاتم (6/ 1960)، ومسند الشاميين للطبراني (2/ 125)، والدر المنثور (3/ 309).

(3)

سورة يونس من الآية (57).

(4)

ابن أبي وقاص الزهري القرشي المدني، يكنى أبا زرارة، روى عن علي وطلحة، وعنه مجاهد والحكم، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (103).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 126)، وتهذيب التهذيب (4/ 84).

ص: 499

الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (1) قلت: يا أبتاه أهم الخوارج؟ ، قال: لا يا بني اقرأ الآية التي بعدها: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (2)، قال: هم المجتهدون من النصارى كان كفرهم بآيات ربهم بمحمد ولقائه، وقالوا: ليس في الجنة طعام ولا شراب، ولكن الخوارج هم الفاسقون الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون» (3).

وفي رواية أن مصعباً لما سأل أباه عن هذه الآية، وقال له:«هم الحرورية؟ ، قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيْثَاقِهِ} (4)، وكان سعد يسميهم الفاسقين» (5).

والقول بأن الخوارج هم الأخسرون أعمالاً قال به علي رضي الله عنه، فقد سأله ابن

(1) سورة الكهف آية (103).

(2)

سورة الكهف آية (105).

(3)

المستدرك للحاكم (2/ 370).

(4)

سورة الرعد من الآية (25).

(5)

صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (5/ 235).

ص: 500

الكواء، فقال: من {

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}؟ قال: ويلك، منهم أهل حروراء (1).

قال ابن حجر: «ولعل هذا هو السبب في سؤال مصعب أباه عن ذلك» (2).

وقد أنكر سعد رضي الله عنه أن يكون المراد بهم الخوارج مستدلاً بالآية التي بعدها، والتي بينت أن الأخسرين أعمالاً كافرون بآيات الله ولقائه، وبين وجه كفر المعنيين بها، فاليهود كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، والنصارى كفروا بالجنة، فنظر إلى الآيات متكاملة، ويبدو أنه كان لا يكفر الخوارج، ولذا جاء في رواية البخاري أن سعداً كان يسميهم الفاسقين.

وفي رواية أنه لما سئل هذا السؤال قال: «لا، ولكنهم أصحاب الصوامع، والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم» (3).

أما علي رضي الله عنه فنظر إلى عموم اللفظ من جهة أن «فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا، لأنهم يرتكبون أمراً شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة، فقد ضل سعيهم وهو يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وإن كانوا في ذلك أقل

(1) تفسير عبد الرزاق (1/ 348)، وجامع البيان (15/ 426)، وفي الدر المنثور (4/ 253) أن علياً لما سئل قال:«لا أظن إلا أن الخوارج منهم» .

(2)

فتح الباري (8/ 425).

(3)

جامع البيان (15/ 424)، والمستدرك (2/ 370)، والدر المنثور (4/ 253).

ص: 501

من الكفار المجاهرين، لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب» (1).

3 -

وعن ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) قال: «الحصر حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو ضلال أو كسر فلا شيء عليه، إنما قال الله: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ}، فلا يكون الأمن إلا من الخوف» (3).

فذكر الأمن يفسر المقصود بالحصر في أول الآية، فلا يشمل المرض ونحوه، قال الشنقيطي (4):

«وقال قوم: المراد به ما يشمل الجميع من عدو ومرض ونحو ذلك، ولكن قوله تعالى بعد هذا:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو للمحرم، لأن الأمن إذا أطلق في لغة العرب انصرف إلى الأمن من الخوف لا إلى الشفاء من المرض ونحو ذلك، ويؤيده أنه لم يذكر الشيء الذي منه

(1) أضواء البيان (4/ 192)، وقال ابن حجر في فتح الباري (8/ 425):«وليس الذي قاله علي ببعيد، لأن اللفظ يتناوله وإن كان السبب مخصوصاً» .

(2)

سورة البقرة من الآية (196).

(3)

جامع البيان (3/ 346)، وتفسير ابن أبي حاتم (1/ 336).

(4)

هو محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، ولد في شنقيط من مدن موريتانيا، ثم استقر بالمدينة بعد حجه عام (1367)، من كتبه: منع جواز المجاز، ومذكرة في أصول الفقه، توفي سنة (1393).

انظر: ترجمته بقلم تلميذه عطية سالم في مقدمة أضواء البيان، والأعلام للزركلي (6/ 45)، ومعجم المفسرين (2/ 496).

ص: 502

الأمن، فدل على أن المراد به ما تقدم من الإحصار، فثبت أنه الخوف من العدو»، ثم قال:«الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية: إحصار العدو، وأن من أصابه مرض ونحوه لا يحل إلا بعمرة، لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية، ودل عليه قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} الآية» (1).

ويرى غير ابن عباس أن الحصر في الآية يشمل حصر العدو وغيره كالمرض (2).

4 -

قد يحتج من يرتكب المعاصي بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (3) وأن ما يفعله من الذنوب داخل في مدلول هذه الآية، فنبه ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الآية لا تشمل المعاصي، وقال: «يريد مصائب المعاش، ولا يريد مصائب الدين؛ إنه قال:{لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (4)، وليس على مصائب

(1) أضواء البيان (1/ 184، 190)، وانظر مزيد تقرير لذلك في: التفسير الكبير للرازي (2/ 303)، والتحرير والتنوير (2/ 222).

(2)

انظر: جامع البيان (3/ 342)، والجامع لأحكام القرآن (1/ 745).

(3)

سورة الحديد آية (22).

(4)

سورة الحديد من الآية (23).

ص: 503

الدين، أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة» (1).

ومن شروط التوبة التي ذكرها العلماء الندم على اقتراف المعاصي، فالمؤمن مأمور بالحزن على المعاصي والفرح بالحسنات، وفي الحديث:«من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» (2)، وهذا يتعارض مع التعليل المذكور في الآية، مما يؤكد عدم دخول السيئات في الآية، ومن القواعد المقررة في العقيدة أنه يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب دون المعائب (3).

(1) الدر المنثور (6/ 176) وعزاه لابن المنذر.

(2)

أخرجه الترمذي في سننه، في أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (6/ 333)، وأحمد في المسند (1/ 18)، وابن حبان في صحيحه كما في الإحسان (7/ 442، 8/ 257)، والحاكم في المستدرك (1/ 114) كلهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» ، وقال الحاكم:«هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 215).

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (8/ 453 - 454)، وشفاء العليل لابن القيم (ص 35)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/ 136).

ومن الشواهد انتقاد الحسن البصري أن يكون المراد بابن نوح في قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} ابنه لصلبه، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} ، جامع البيان (12/ 427).

وللمزيد أيضاً انظر: جامع البيان (17/ 678، 21/ 347، 432)، والدر المنثور (6/ 102).

ص: 504