الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً
مخالفة السنة النبوية
حظيت السنة النبوية من قبل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بتعظيم مشابه لما حظي به القرآن الكريم، فقد وقفوا عند أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله، فلم يعارضوها برد أو تأويل، ومن جملتها أقواله في تفسير القرآن، ففي تفسير قوله تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (1) روى ابن جرير الطبري من حديث حماد بن سلمة (2) عن ثابت (3)
عن أنس رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: وضع الإبهام قريباً من طرف خنصره. قال: «فساخ الجبل» ، فقال
(1) سورة الأعراف من الآية (143).
(2)
هو أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار البصري البزاز الحافظ، روى عن حميد وقتادة، وعنه الثوري وشعبة، وكان مع علمه بالحديث بارعاً في النحو، توفي في آخر سنة (167) وقد قارب الثمانين.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/39)، والمعرفة والتاريخ (2/ 193)، وتذكرة الحفاظ (1/ 202)
(3)
هو أبو محمد ثابت بن أسلم البناني البصري، روى عن ابن عمر وابن الزبير، وصحب أنساً مدة طويلة، وكان من العباد الزهاد، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (123 أو 127) وقد جاوز الثمانين.
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/3)، وتذكرة الحفاظ (1/ 125)، وتهذيب التهذيب (1/ 262).
حميد (1) لثابت: تقول هذا؟ ! ، فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس، وأنا أكتمه! ! » (2).
وفي رواية: أن حميداً قال له: «ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ ! ، فضرب ثابت صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد؟ ! ، يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت: ما تريد إليه؟ » (3).
ومن القناعات التامة لديهم أنه لا يمكن وجود تعارض البتة بين القرآن الكريم والسنة النبوية، ومما جاء عنهم:
(1) هو أبو عبيدة حميد بن أبي حميد البصري الطويل، لقب بالطويل لطول يديه، سمع أنس بن مالك، قال عنه حماد بن سلمة:«لم يدع حميد لثابت علماً إلا وعاه» ، توفي وهو قائم يصلي في آخر سنة (142).
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/17)، والتاريخ الكبير (1/ 2/348)، وتذكرة الحفاظ (1/ 152).
(2)
جامع البيان (10/ 429)، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 210)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 269)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 320 - 321)، وقال:«هذا حديث صحيح على شرط مسلم» ، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم.
والحديث أخرجه الترمذي في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف (8/ 233)، وأحمد في المسند (3/ 209)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1560) دون قول حميد لثابت، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح غريب» .
(3)
مسند أحمد (3/ 125).
1 -
أورد ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} (1) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: «من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى ذكر شهراً، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فواقاً (2)، فقال رجل: كيف يكون هذا، والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}؟ ، فقال عبد الله: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).
فالرجل فهم من خبر عبد الله دخول الساعة والفواق في مدلول آية النساء: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} ، وهي تنفي قبول التوبة عمن وصل هذه الحال، فاعترض بها على عبد الله، فبين له أن ما ذكره هو قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يمكن بحال أن يتعارض مع القرآن.
فالحديث أخبر بقبول التوبة قبل الموت «من تاب قبل موته» ، والآية نفت
(1) من سورة النساء (17).
(2)
الفواق: ما بين الحلبتين، تحلب الناقة ثم تراح حتى تدر ثم تحلب، النهاية في غريب الحديث (3/ 479) مادة "فوق ".
(3)
جامع البيان (6/ 517)، وأخرجه الطيالسي في مسنده (ص 301)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 898، 899، 900)، ورواه أحمد في المسند (2/ 206) دون ذكر الآية، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 197):«رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم، وبقية رجاله ثقات» ، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند (11/ 517).
قبولها عند حضور الموت، وبينهما فرق، فالمراد بحضور الموت حضور علاماته كمعاينة الملائكة، وبلوغ المريض إلى حالة السياق ويأسه من الحياة وبلوغ روحه الحلقوم وضيق صدره بها، وفي هذه الحال لا تقبل التوبة، أما قبل ذلك فالتوبة مقبولة، وإن كان الزمن يسيراً، وهذا ما يفيده خبر عبد الله (1).
2 -
وحدث سعيد بن جبير يوماً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل:«في كتاب الله ما يخالف هذا، فقال سعيد: لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه بكتاب الله، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله منك» (2).
وما قرره الصحابة والتابعون من عدم قبول ما خالف السنة أصبح قاعدة عند المفسرين عامة، فكل تفسير خالف السنة فهو مردود، وعلى ذلك اتفقت أقوالهم:
فالطبري في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (3) ذكر قول علقمة والشعبي في أن الزلزلة في الآية تقع في الدنيا قبيل يوم القيامة، وتعقبه بقوله: «وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 208)، وفتح القدير (1/ 439).
(2)
سنن الدارمي (1/ 152)، والشريعة (ص 57)، والإبانة لابن بطة " الإيمان "(1/ 249)، ولمزيد شواهد انظر تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1406).
(3)
سورة الحج آية (1).
والشعبي، ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ لولا مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعاني وحي الله وتنزيله» (1).
ويقول معلقاً القول بتفسير آية على صحة الحديث الذي ورد فيه: «وإن كان صحيحاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه، وليس لأحد مع قوله الذي يصح عنه قول» (2).
ويقول ابن عطية حين ذكر تفسيراً نبوياً: «وهذا التأويل الذي لا نظر لأحد معه؛ لأنه مستوف للصلاح صادر عن النبي عليه السلام» (5).
(1) جامع البيان (16/ 449).
(2)
المصدر السابق (21/ 20).
(3)
هو أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي المالكي، انفرد في الأندلس بعلو الإسناد، وتولى القضاء فنفع الله به أهل بلده، ألف: القبس، وعارضة الأحوذي، وقانون التأويل، توفي سنة (543).
انظر: بغية الملتمس (ص 80)، والديباج المذهب (ص 376)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 90).
(4)
أحكام القرآن (3/ 1124).
(5)
المحرر الوجيز (5/ 214)، وانظر (9/ 366، 11/ 239) من الكتاب نفسه.