المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌أولاً: أن العناية بنقد التفسير

- ‌ثانياً: أهمية دراسة ظاهرة النقد عند المفسرين وتأصيلها

- ‌ثالثاً: حظيت بعض ظواهر التفسير بالدراسة والتحليل والتأصيل

- ‌رابعاً: أن هذه الدراسة تغطي جانباً مهماً من مناهج المفسرين في تعاملهم مع التفسير بمجالاته المختلفة

- ‌خامساً: أما الاقتصار على عصر الصحابة والتابعين فلأنهم الأصل

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌أولاًالتعريف بالموضوع

- ‌1 - تعريف النقد:

- ‌2 - تعريف الصحابي:

- ‌3 - تعريف التابعي:

- ‌4 - تعريف التفسير:

- ‌ثانيًاالنقد النبوي للتفسير وأثره على الصحابة

- ‌نقد مناهج التفسير:

- ‌أ- نقد تأويل المتشابه:

- ‌ب - نقد الإسرائيليات:

- ‌ج - نقد الجدال في القرآن وضرب بعضه ببعض:

- ‌د - نقد التفسير بالرأي:

- ‌بيانه صلى الله عليه وسلم لوجه ضعف التفسير:

- ‌أثر النقد النبوي على الصحابة:

- ‌الباب الأول جهود الصحابة والتابعين في دفع الخطأ في التفسير قبل وقوعه

- ‌الفصلُ الأول تغليظ الخطأ في التفسير وبيان خطره

- ‌أولاً مظاهر تعظيم الصحابة والتابعين للتفسير وتغليظ الخطأ فيه

- ‌أولاً: اعتبار الخطأ في التفسير قولاً على الله بلا علم

- ‌ثانياً: النهي عن السؤال في التفسير، وترك مجالسة من يفعل ذلك

- ‌ثالثاً: اعتبار الكلام في التفسير أعظم من الكلام في العلوم الشرعية الأخرى

- ‌رابعاً: الامتناع عن تفسير القرآن

- ‌خامساً: الاستخارة عند تفسير القرآن

- ‌ثانياً دواعي الصحابة والتابعين في التغليظ على المخطئ في التفسير وإحجامهم عن تأويل القرآن

- ‌الفصلُ الثاني الاهتمام بالتفسير الصحيح والحث على ما يعين على فهم القرآن الكريم

- ‌أولاًالاهتمام بالتفسير الصحيح

- ‌أولاً: الرحلة في طلب تفسير القرآن

- ‌ثانياً: التثبت من المعنى الصحيح للآية

- ‌ثالثاً: الفرح بالتفسير الصحيح والحزن على فواته

- ‌رابعاً: الاهتمام برجال التفسير

- ‌ثانياًالحث على ما يعين على فهم القرآن

- ‌أولاً: الاستعانة بالسياق القرآني في فهم الآيات

- ‌ثانياً: الاستعانة بالسنة في فهم القرآن

- ‌ثالثاً: معرفة سبب نزول الآية

- ‌رابعاً: معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌خامساً: معرفة اللغة العربية

- ‌ومن أوجه عنايتهم بالعربية في بيان القرآن ما يأ

- ‌سادساً: التدرج في تعلم التفسير

- ‌الفصلُ الثالث الاختلاف في تفسير الصحابة والتابعين

- ‌أولاًطبيعة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: الاختلاف في الفروع دون الأصول

- ‌ثانياً: قلة الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌وهناك أسباب أدت إلى قلة اختلاف الصحابة والتابعين في التفسير، ومن أهمها

- ‌ثالثاً: اختلاف تنوع لا تضاد

- ‌رابعاً: مع الاختلاف مودة وألفة

- ‌خامساً: كراهة الاختلاف

- ‌ثانياًأدب الاختلاف عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: احترام الرأي الآخر

- ‌الأول: عدم إلزام الطرف الآخر بالرجوع عن رأيه، وبخاصة إذا كان صادراً عن اجتهاد

- ‌الثاني: عدم التعدي على المخالف

- ‌الثالث: بقاء المكانة العلمية بين المختلفين على ما هي عليه

- ‌ثانياً: الرجوع إلى العلماء عند الاختلاف

- ‌ومن شواهده عن الصحابة والتابعين:

- ‌ثالثاً: الرجوع إلى الحق

- ‌ومن تلك المراجعات:

- ‌الباب الثاني دواعي نقد الصحابة والتابعين للتفسير، وأساليبه ومميزاته

- ‌الفصل الأول دواعي النقد عند الصحابة والتابعين

- ‌أولاً: ظهور الفتن والبدع

- ‌ثانياً: مخالطة أهل الكتاب

- ‌ثالثاً: دخول الأعاجم في الإسلام

- ‌رابعاً: تصدر بعض من لا علم عنده لتفسير القرآن

- ‌خامساً: مؤثرات سياسية

- ‌سادساً: مؤثرات اجتماعية

- ‌الفصل الثاني أساليب الصحابة والتابعين في نقد التفسير

- ‌ومن مظاهر الشدة في النقد:

- ‌أولاً: الشدة مع أهل البدع، وإغلاظ القول لهم، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً: كلام الأقران بعضهم في بعض يكون شديداً أحياناً

- ‌ثالثاً: وقد يصل الأمر إلى التوبيخ حين يشعر الصحابة أن المرء تكلم في القرآن بلا علم، ومن أمثلته:

- ‌ومن مظاهر الرفق في النقد:

- ‌أولاً: الرفق مع أهل العلم والفضل، ومن أمثلته

- ‌ثانياً: الرفق مع الطلاب

- ‌ثالثاً: عدم الانتقاد المباشر للمخطئ

- ‌عبارات نقدية:

- ‌أولاً: التكذيب، وشواهده كثيرة

- ‌ومن أمثلة هذا الاستعمال في نقد التفسير:

- ‌ثانياً: زعم

- ‌ثالثاً: أخطأت التأويل

- ‌رابعاً: لم تصب.ومن أمثلته:

- ‌خامساً: بئسما قلت.ومن أمثلته:

- ‌سادساً: تَأَوَّلَ الآية على غير تأويلها.ومن أمثلته:

- ‌سابعاً: وَضَعَ الآية على غير موضعها.ومن أمثلته:

- ‌ثامناً: لقد حملتموها على غير المحمل.ومن أمثلته

- ‌تاسعاً: ليس بالذي تذهبون إليه

- ‌عاشراً: ما لكم ولهذه الآية

- ‌حادي عشر: لا تغرنكم هذه الآية.ومن أمثلته:

- ‌ثاني عشر: الضحك

- ‌الفصل الثالث مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌المبحث الأول مميزات نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاً: أهليتهم للنقد

- ‌ثانياً: الاطلاع الواسع على المناهج والأقوال

- ‌ثالثاً: الاستدلال للنقد

- ‌رابعاً: بيان الرأي الصحيح

- ‌المبحث الثاني أبرز نقاد الصحابة والتابعين

- ‌الباب الثالث مجالات نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌الفصلُ الأول نقد طرق التفسير ومناهجه

- ‌أولاًنقد التفسير بالرأي

- ‌ثانياًنقد التفسير بالإسرائيليات

- ‌صور نقد الإسرائيليات:

- ‌الأولى: النهي الصريح عن رواية الإسرائيليات وسؤال أهل الكتاب، ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌الصورة الثانية: تكذيب الإسرائيليات، ومن شواهده:

- ‌الصورة الثالثة: انتقاد بعض الناس بسبب روايتهم الإسرائيليات وتتبعهم لها، ومن الآثار في ذلك:

- ‌الرابعة: الأمر بإتلاف الصحف المشتملة على الأخبار الإسرائيلية، ومن شواهده:

- ‌دواعي نقد الإسرائيليات:

- ‌توجيه الرواية عن أهل الكتاب وسؤالهم:

- ‌ثالثاًنقد تفاسير أهل البدع

- ‌منهج أهل البدع في فهم القرآن وتأويله:

- ‌منهج الصحابة والتابعين في الرد على أهل البدع:

- ‌الفرق التي انتقدها الصحابة والتابعون

- ‌أولاً: الخوارج

- ‌القضية الأولى: التكفير

- ‌القضية الثانية: قتال أهل القبلة

- ‌القضية الثالثة: تخليد أهل الكبائر في النار

- ‌القضية الرابعة: نفي الشفاعة عمن دخل النار

- ‌ثانياً: الشيعة

- ‌ثالثاً: القدرية

- ‌رابعاًنقد تفسير المتشابه

- ‌طرق الصحابة والتابعين في نقد تأويل المتشابه:

- ‌خامساًنقد الجدال في القرآن:

- ‌الجدال المحمود:

- ‌سادساًنقد تفاسير القُصَّاص

- ‌دواعي نقد القصاص

- ‌انتقاد القصاص في التفسير:

- ‌سابعاًنقد التكلف في التفسير

- ‌ثامناًنقد تدوين التفسير

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في انتقاد تدوين التفسير:

- ‌الفصل الثاني نقد رجال التفسير

- ‌أولاًالرجال المنتقدون في التفسير

- ‌أولاً: مجاهد بن جبر المكي

- ‌الأمر الأول: سؤال أهل الكتاب

- ‌الأمر الثاني: مما انتقد به مجاهد رحمه الله تفسير القرآن بالرأي

- ‌ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس

- ‌ولانتقاد ابن المسيب احتمالان:

- ‌وقد جاء تكذيب عكرمة عن غير سعيد بن المسيب:

- ‌وأجيب عن تكذيب ابن المسيب وغيره لعكرمة بأجوبة منها:

- ‌ثالثاً: الضحاك بن مزاحم الهلالي

- ‌رابعاً: أبو صالح مولى أم هانئ "باذام

- ‌خامساً: إسماعيل السدي

- ‌سادساً: زيد بن أسلم العدوي

- ‌سابعاً: محمد بن السائب الكلبي

- ‌ثانياًأسباب نقد رجال التفسير

- ‌ثالثاًأثر نقد رجال التفسير على تفاسيرهم

- ‌الفصل الثالث نقد الأقوال

- ‌أولاً:طريقة الصحابة والتابعين مع القول الواحد في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: تصويب القول

- ‌الحالة الثانية: تصويب القول مع تقييده

- ‌الحالة الثالثة: تضعيف القول

- ‌القسم الأول: الاكتفاء بتضعيف القول فقط

- ‌القسم الثاني: تضعيف القول، وذكر القول الراجح

- ‌الحالة الرابعة: التوقف في معنى الآية، وعدم الجزم بصحة رأي معين، ومن أمثلته:

- ‌ثانياً:طريقة الصحابة والتابعين عند تعدد الأقوال في تفسير الآية

- ‌الحالة الأولى: ذكر الأقوال دون ترجيح.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثانية: ترجيح أحد الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌الحالة الثالثة: الجمع بين الأقوال.ومن أمثلتها:

- ‌ثالثاًالرجوع عن القول

- ‌الباب الرابع أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين وأثره

- ‌الفصل الأول أسس نقد التفسير عند الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول الأسس المتعلقة بالرواية

- ‌أولاًمخالفة القرآن الكريم

- ‌ومن أقوالهم في ذلك:

- ‌صور نقد التفسير بالقرآن الكريم

- ‌الصورة الأولى: مخالفة سياق الآية

- ‌والرد بالسياق القرآني ثلاثة أقسام:

- ‌القسم الأول: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية، ويعرف هذا بالسباق

- ‌القسم الثاني: الاستدلال على ضعف التفسير بما بعد الآية، ويعرف هذا بلحاق الآية

- ‌القسم الثالث: الاستدلال على ضعف التفسير بما قبل الآية وما بعدها

- ‌الصورة الثانية: مخالفة ظاهر الآية

- ‌الصورة الثالثة: نقد التفسير بآية أخرى

- ‌ثانياًمخالفة السنة النبوية

- ‌وقد استعمل الصحابة والتابعون هذه القاعدة، فردوا بها بعض التفسيرات، ومن الأمثلة على ذلك:

- ‌ثالثاًمخالفة سبب النزول

- ‌رابعاًمخالفة التاريخ

- ‌خامساًالطعن في صحة نقل التفسير

- ‌المبحث الثاني الأسس المتعلقة بالدراية

- ‌أولاً: مخالفة اللغة العربية

- ‌ثانياًاشتمال التفسير على ما يخل بمقام الأنبياء والملائكة وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الأنبياء وعصمتهم

- ‌اشتمال التفسير على الإخلال بمقام الملائكة

- ‌ثالثاًمخالفة الواقع

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌رابعاًمعارضة التفسير بالقياس

- ‌خامساًأن يكون التفسير غير مفيد

- ‌ومما جاء عن الصحابة والتابعين في ذلك:

- ‌سادساًنقد التفسير بذكر ما يترتب عليه

- ‌الفصل الثاني أثر نقد الصحابة والتابعين للتفسير

- ‌أولاًأثره في التفسير وأصوله

- ‌ثانياًأثره في علوم القرآن

- ‌أ- القراءات:

- ‌فمن شواهد ترجيح القراءة المتواترة:

- ‌ومن شواهد ترجيح القراءة الشاذة على المتواترة:

- ‌ب - الناسخ والمنسوخ:

- ‌القسم الأول: نقد القول بنسخ الآية، ومن أمثلته:

- ‌القسم الثاني: نقد القول بإحكام الآية، ومن أمثلته:

- ‌ثالثاًأثره في العقائد

- ‌رابعاًأثره في المتلقين

- ‌وأما المخطئ في الفهم والتأويل فإن انتقاده يعود عليه بفوائد:

- ‌الخاتمة

- ‌الفهارس

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثانيامخالفة السنة النبوية

‌ثانياً

مخالفة السنة النبوية

حظيت السنة النبوية من قبل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بتعظيم مشابه لما حظي به القرآن الكريم، فقد وقفوا عند أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله، فلم يعارضوها برد أو تأويل، ومن جملتها أقواله في تفسير القرآن، ففي تفسير قوله تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (1) روى ابن جرير الطبري من حديث حماد بن سلمة (2) عن ثابت (3)

عن أنس رضي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: وضع الإبهام قريباً من طرف خنصره. قال: «فساخ الجبل» ، فقال

(1) سورة الأعراف من الآية (143).

(2)

هو أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار البصري البزاز الحافظ، روى عن حميد وقتادة، وعنه الثوري وشعبة، وكان مع علمه بالحديث بارعاً في النحو، توفي في آخر سنة (167) وقد قارب الثمانين.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/39)، والمعرفة والتاريخ (2/ 193)، وتذكرة الحفاظ (1/ 202)

(3)

هو أبو محمد ثابت بن أسلم البناني البصري، روى عن ابن عمر وابن الزبير، وصحب أنساً مدة طويلة، وكان من العباد الزهاد، وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة (123 أو 127) وقد جاوز الثمانين.

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/3)، وتذكرة الحفاظ (1/ 125)، وتهذيب التهذيب (1/ 262).

ص: 514

حميد (1) لثابت: تقول هذا؟ ! ، فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس، وأنا أكتمه! ! » (2).

وفي رواية: أن حميداً قال له: «ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ ! ، فضرب ثابت صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد، وما أنت يا حميد؟ ! ، يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت: ما تريد إليه؟ » (3).

ومن القناعات التامة لديهم أنه لا يمكن وجود تعارض البتة بين القرآن الكريم والسنة النبوية، ومما جاء عنهم:

(1) هو أبو عبيدة حميد بن أبي حميد البصري الطويل، لقب بالطويل لطول يديه، سمع أنس بن مالك، قال عنه حماد بن سلمة:«لم يدع حميد لثابت علماً إلا وعاه» ، توفي وهو قائم يصلي في آخر سنة (142).

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 2/17)، والتاريخ الكبير (1/ 2/348)، وتذكرة الحفاظ (1/ 152).

(2)

جامع البيان (10/ 429)، وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 210)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 269)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 320 - 321)، وقال:«هذا حديث صحيح على شرط مسلم» ، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم.

والحديث أخرجه الترمذي في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف (8/ 233)، وأحمد في المسند (3/ 209)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1560) دون قول حميد لثابت، قال الترمذي:«هذا حديث حسن صحيح غريب» .

(3)

مسند أحمد (3/ 125).

ص: 515

1 -

أورد ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} (1) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: «من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى ذكر شهراً، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فواقاً (2)، فقال رجل: كيف يكون هذا، والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}؟ ، فقال عبد الله: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3).

فالرجل فهم من خبر عبد الله دخول الساعة والفواق في مدلول آية النساء: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} ، وهي تنفي قبول التوبة عمن وصل هذه الحال، فاعترض بها على عبد الله، فبين له أن ما ذكره هو قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يمكن بحال أن يتعارض مع القرآن.

فالحديث أخبر بقبول التوبة قبل الموت «من تاب قبل موته» ، والآية نفت

(1) من سورة النساء (17).

(2)

الفواق: ما بين الحلبتين، تحلب الناقة ثم تراح حتى تدر ثم تحلب، النهاية في غريب الحديث (3/ 479) مادة "فوق ".

(3)

جامع البيان (6/ 517)، وأخرجه الطيالسي في مسنده (ص 301)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 898، 899، 900)، ورواه أحمد في المسند (2/ 206) دون ذكر الآية، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 197):«رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم، وبقية رجاله ثقات» ، وحسنه الأرنؤوط في تعليقه على المسند (11/ 517).

ص: 516

قبولها عند حضور الموت، وبينهما فرق، فالمراد بحضور الموت حضور علاماته كمعاينة الملائكة، وبلوغ المريض إلى حالة السياق ويأسه من الحياة وبلوغ روحه الحلقوم وضيق صدره بها، وفي هذه الحال لا تقبل التوبة، أما قبل ذلك فالتوبة مقبولة، وإن كان الزمن يسيراً، وهذا ما يفيده خبر عبد الله (1).

2 -

وحدث سعيد بن جبير يوماً بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل:«في كتاب الله ما يخالف هذا، فقال سعيد: لا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض فيه بكتاب الله، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بكتاب الله منك» (2).

وما قرره الصحابة والتابعون من عدم قبول ما خالف السنة أصبح قاعدة عند المفسرين عامة، فكل تفسير خالف السنة فهو مردود، وعلى ذلك اتفقت أقوالهم:

فالطبري في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (3) ذكر قول علقمة والشعبي في أن الزلزلة في الآية تقع في الدنيا قبيل يوم القيامة، وتعقبه بقوله: «وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة

(1) انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 208)، وفتح القدير (1/ 439).

(2)

سنن الدارمي (1/ 152)، والشريعة (ص 57)، والإبانة لابن بطة " الإيمان "(1/ 249)، ولمزيد شواهد انظر تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1406).

(3)

سورة الحج آية (1).

ص: 517

والشعبي، ومن ذكرنا ذلك عنه قولٌ لولا مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعاني وحي الله وتنزيله» (1).

ويقول معلقاً القول بتفسير آية على صحة الحديث الذي ورد فيه: «وإن كان صحيحاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه، وليس لأحد مع قوله الذي يصح عنه قول» (2).

ويقول ابن العربي (3): «والنص قاطع بالمراد، قاطع بمن أراد التكلف والعناد، وبعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم فلا تفسير، وليس للمتعرض إلى غيره إلا النكير، وقد كان يمكن لولا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم أن أحرر في ذلك مقالاً وجيزاً، وأسبك من سنام المعارف إبريزاً، إلا أن الجوهر الأغلى من عند النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى» (4).

ويقول ابن عطية حين ذكر تفسيراً نبوياً: «وهذا التأويل الذي لا نظر لأحد معه؛ لأنه مستوف للصلاح صادر عن النبي عليه السلام» (5).

(1) جامع البيان (16/ 449).

(2)

المصدر السابق (21/ 20).

(3)

هو أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي المالكي، انفرد في الأندلس بعلو الإسناد، وتولى القضاء فنفع الله به أهل بلده، ألف: القبس، وعارضة الأحوذي، وقانون التأويل، توفي سنة (543).

انظر: بغية الملتمس (ص 80)، والديباج المذهب (ص 376)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 90).

(4)

أحكام القرآن (3/ 1124).

(5)

المحرر الوجيز (5/ 214)، وانظر (9/ 366، 11/ 239) من الكتاب نفسه.

ص: 518